الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إرادة الموت

فؤاده العراقيه

2016 / 4 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كنت استغرب كيف آلت وضع الشعوب العربية الى ما آلت اليه اليوم من هدر في طاقة الإنسان لديها ؟
وكيف حملت نفوسهم على هذا القدر من السكينة والرضوخ ؟
وكيف حملت عقولهم هذا الكم الهائل من التشويش والتو هان ؟
وكيف رضخت آذانهم لصممها وكفّت عن السماع ؟
وكيف تقبلت السنتهم صمتها دون أي اعتراض؟
وكيف اضمحل الحس المرهف هكذا والذي هو يُعتبر بوصلة عقل الإنسان ومكمّلا له ؟
لكن بعد البحث والتأمل والتفكير وجدت بأن لا غرابة لكل ما يحدث , فهو ذاته الجهل والتغييب الذي يعمي البصيرة ,ويقتل الاحساس ,ويصم ألآذان , ويقطع الألسن ويقلب الموازين رأساً على عقب ..

ليصبح القهر مبعثاً للفرح ..
والكراهية ملئت النفوس وفاحت رائحتها ولديهم عدد لا يحصى من التبريرات لها لتكون مبعثاً للفخر ومجلباً للخير..
والقناعة كنز لا يفنى حيث اتقنوا القناعة ورفعوا شعارها منذ طفولتهم..
فصاروا يفتخرون بقناعتهم ,ومن يقنع بحاله فيكون من الصالحين الأبرار ..
والسكوت على الظلم هو من صفات المؤمنين , فإن باتوا مظلومين أفضل لديهم من ان يبيتوا ظالمين ..
فلا خيار وسط لديهم , فأما مظلومين وأما ظالمين ..حيث العدل صار ضرب من الخيال ..
والبعض تطور حاله لتكون السرقة لديه من شيم الأبطال ..
ولا أمان لهم مع المعرفة كونها تجلب المتاعب لعقولهم التي ارتاحت وتعوّدت الخدر ,فعشقوا السكينة واستراحة العقل لكونها مبعثاً للأمان حيث تعوّدوا الرضوخ بها , ولم يكتفوا بهذا بل حسدوا انفسهم عليها كونها اعطتهم تلك الغبطة والسرور ..
وانتهوا إلى إن الشك يأتيهم بالمتاعب ويفسح المجال للشياطين الكامنة في عقولهم..
ومن يرغب بالحياة الحقيقية صنّفوه من المغضوب عليهم..
أما لو رضخ لقطيعهم وقتل إنسانيته فسيكون من المؤمنين الصالحين..
فانعدمت الإنسانية التي تحترم عقل الإنسان وتعطيه كل الحق في التفكير الحر دون أي قيود ..
حيث لا وجود لعقل مبدع مع القيود ,ولا قيود مع العقل المبدع..
لكن بفعل القهر والكبت والسكينة والأمان الزائف والترهل والقناعة المميتة مات الإنسان الذي توهم بأنه قد عرف سُبل الإيمان ..
كون .. لا ايمان حقيقي مع وجود الثواب ووجود العقاب ..
مع المكافئة ومع العصا لمن عصا ..
فسجنوا بالعصا عقله في ما بين الجدران..
ومع تعوّد الطمع والاعتراف به غاب الإيمان..
وبالعقاب وبأنواع التخويف لتشمل جميع الألوان..
غاب الإنسان وانضم لقطيع الخرفان..

هكذا تاهت الموازين وانقلبت المقاييس..
بعد ان تعلم الإنسان الخوف من العقاب ومن الحياة منذ طفولته ..
ويكبر هو ويبدأ بالإبداع..
إبداعه ليس للحياة ..
ولكنه بالموت يحيا ويبدع .. ومن ثم يبدأ يتفنن بالكيفية التي سيموت بها..
هكذا يكون فن الموت والإبداع بطرقه..
ويجد لنفسه الف تبريرا وتبرير للهفته وانتظاره للموت عندما يكبر..
حيث تعلّم من الخوف فن الموت وابتداع احسن الطرق له..
بلهفة لا تقل عن لهفته للحياة في طفولته ..
ويكبر ويحيط به اليأس ,يأس من حياة صارت لا تمت بصلة للحياة ..
يأس من أن يحيا حياته كما يجب ان تكون الحياة..
ويكبر وتكبر معه هواجسه , هاجس الموت, وهاجس الخوف من الحياة..
فتعلو إرادة الموت لديه بعد أن شّكلت نهجا سائدا ومألوفا لديه بدلا من إرادة الحياة ..
فالحياة ستكون لديه مجرد حدث طارئ وامتحان لصبره ,وعليه أن يتقبل ويرضى عن حياته فهي محطة انتظار للموت ليس إلا..
دون دراية منه ,سيبدع ويتفنن بقتل ذاته ..
بعد أن توقف التفكير لديه ..
فلِما يفكر ويجهد نفسه ليرتقي بحياته وهو الذي ضمن الخلود بعد موته ,في عقله اللاواعي ..
وإن فكّر بالرقي فلن يكون لأجل الحياة بل هو بانتظار مكافئته في ما بعد الحياة ..
ويستمر على هذا المنوال ولهفته وانتظاره للموت يكبران ..
فهل يستطيع أن يحيا الإنسان حياته دون تفكير ودون خلق للجديد؟
هل يجد طريقا للإبداع مع قناعته بان هناك اسئلة محرّمة وأفكارا ممنوعة ..

فلنطلق العنان لأفكارنا تسبح في فضاءها
ولنطلق لعقولنا حرية الشك بكل ما رضعناه في طفولتنا من أفكار بالية في زمن كنّا فيه صفحات بيضاء , لكن سوّدتها تلك المفاهيم الموروثة
لنفتح أبواب المحظور والمسكوت عنه
ولتكن المحرّمات هي كل ما نقوم به دون اقتناع ولا إرادة منّا

وعلينا ان نتذكر بأن الموت هو الدافع للحياة , نتذكره كلما شعرنا بأننا بحاجة للشعور بالحياة
لا لأجل أن نسكن به وتسكن حياتنا سكون الأموات
بل لأجل ان نزهو بحياتنا ونرتقي بها , كونها سوف لن تتكرر لو خسرناها



دمتم بوعيكم سالمين
~~~~~~~~~~~~ِِ~








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المشكلة كلها فى ثقافة متخلفة رجعية منحطة
سامى لبيب ( 2016 / 4 / 8 - 15:52 )
بداية دعينى اعرب عن اعجابى بهذا السرد السلس الجميل الذى تحلى بعرض قضية خطيرة بأسلوب أدبى نثرى رشيق.
بالنسة لأزمة مجتمعاتنا يا عزيزتى فهى ترجع لثقافة متغلغلة فى الجينات لتفرز كل القبح والسلبية والتخلف .
إذا أردنا التطور والرقى فلابد من ثقافة بديلة تحل مكان تلك الثقافة المنحطة.
تحياتى وتقديرة لجهدك .


2 - الأستاذ اللبيب سامي المحترم
فؤاده العراقيه ( 2016 / 4 / 8 - 19:32 )
اهلا بك وشكرا لكلماتك وسعيدة بتعليقك وأثمن رأيك
كالعادة اوافقك على رأيك كونها ازمة ثقافة تجذرت وتغلغلت في جيناتنا مما نتج عنها قلة الوعي الذي به ترتقي الشعوب
لكن نحتاج لوقت طويل لنستبدل ثقافتنا او بالأحرى لندرك خطورة وضعنا
الف تحية لك

اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي