الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في نقد مسلمات التخلف: هل القناعة كنزٌ لا يفنى ؟!

عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)

2016 / 4 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في نقد مسلمات التخلف: هل القناعة كنزٌ لا يفنى ؟!

نعود أدراجنا مرة جديدة إلى مقولة مشيل فوكو الرائعة، بأن الفكر لا يعني الشتم واللعن والسخط بقدر ما يعني نقد الأمور والمسلمات المألوفة الخاطئة التي يسلم بها عامة الناس، وفي هذا المقال العاجل، في ساعتين لوصل التيار الكهرباء على غزة البائسة، أود تسليط الضوء على مقولة " القناعة كنزٌ لا يفنى " التي يرددها ملايين الناس من المحيط إلى الخليج. في الحقيقة كما سنرى أن هذه المقولة تحديداً هي واحدة من أخطر أسس ودعائم فكر التخلف والتسليم للواقع والرضا بما هو متحقق وهي السبب في تحطيم إرادة الشباب ( والشابات قبلهم ) وعدم التفكير في تغيير الواقع.

الهرب من خلال الهجرة إلى الشمال الأوروبي لم يعد متيسراً، والقوى العظمى التي تدير اقتصادياتها ومنافعها على حساب تخلفنا العلمي والثقافي والاقتصادي ليست صاحبة مصلحة في أي ثورة تنويرية، بل على العكس، لو تأملنا القوة الرهيبة لحركات الإسلام السياسي في العقود الأخير، فسوف نجد أن المخابرات الغربية، وبالذات البريطانية والأمريكية، لم تكن بريئة من الدعم المادي والأيدلوجي والإعلامي للإخوان المسلمين وحتى تنظيم القاعدة وداعش وجبهة النصرة والمؤسسات السلفية. لقد تبلور التحالف التاريخي الرهيب بين الغرب الاستعماري والحركات الدينية أثناء الحرب الباردة، وقد يعجب المرء من معلومة أن المخابرات البريطانية كانت هي المؤسس والداعم الأول لجماعة الإخوان المسلمين عام 1928 في القاهرة، وذلك بهدف الرد على ثورة أكتوبر الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي عام 1917، وما نحن بصدده الآن، هو تعرية وتفكيك هذا المشروع الذي نجح حتى الآن في إغلاق العقول العربية أمام الثقافات الوافدة من الشرق والغرب، على اعتبار أن ما أتى به أسلافنا في فهمهم للنصوص الدينية وطبيعة الحياة هو نهاية المطاف، وبالتالي يعيش المثقف العربي في إرهاب وخوف من مناقشة مسلمات التخلف والفساد والانهيار الأخلاقي للقيم والمباديء والأهداف السامية، فقط من أجل حماية عروش النفط ومصالح الدولة العبرية، وكذلك من أجل تأمين سوق خصبة نشطة للمنتجات الصناعية والغذائية التي أصبحنا نستوردها بنسبة تفوق ال 90 % ..

وعودة إلى المقولة موضوع هذا المقال، وهي " القناعة كنزٌ لا يفني "، ونتساءل، ماذا لو اقتنع الإنسان بالخيل والحمير والبغال ( لتركبوها ) ولم يفكر في اختراع وتطوير وسائل بديلة أكثر توفيراً واقتصاداً للوقت والجهد ؟؟! أين كنا كعرب من اكتشاف طاقة الكهرباء والديزل والذرة والكمبيوتر ؟؟!

سأقول كم أين كنا، وما زلنا، ولكن بطريقة جديدة، وأترك لكم حرية التعليق !

أثناء كتابتي لهذا المقال وردتني رسالة من صديق على موقع التواصل فيسبوك، بها رباط لصفحة دينية من موقع ( الإسلام ويب ) وهو من أضخم مراجع الشبكة العنكبوتية الممولة سعودياً، تخيلوا ماذا وجد الصديق وأحببت أن تشاهدوه معنا ؟؟!
تفضلوا .. بلاش كسل، انسخ الرابط وافتح الصفحة وتمتع معنا بالفكر الديني القادم من صحراء الحجاز القاحلة:

http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=5599&idto=5599&bk_no=15&ID=5492

هل فهمتم شيئاً ؟؟! الإبداع الكبير للفكر الديني جله يتركز في أمرين لا ثالث لهما: النكاح وفتاوى النكاح، ثم التوسع الكبير في مبطلات الوضوء ومبطلات الصوم ومناسك الحج والعمرة وأدعية ما قبل النوم وما بعد الاستيقاظ. طيب يا جماعة الدين نفسه هو أحد عناصر الحضارات البشرية المتعاقبة، وهو سلام ذو حدين، وللأسف فإن ممالك الكاز والبترول، كانت بحاجة إلى فكر لإلهاء العامة وإشغالهم بالطقوس وإغراقهم بالفتاوى، هذا كله حدث ويحدث، فيما اليابان التي هزمت في الحرب العالمية الثانية، تقرر عدم الرد عسكرياً على الولايات المتحدة، فقاموا بدعم التعليم وتأسيس مناهج جديدة بفلسفة إبداعية خلاقة بعيدة عن اجترار مقولات التراث التي توصل إليها بشرٌ مثلنا من قبل ألف عام ويزيد.

كل هذا حدث ويحدث بينما العالم مشغول بفك الشيفرة الجينية وجراحة الليزر وإجراء العمليات الجراحية عن بعد .. أشغلونا بمبطلات الوضوء بينما العالم الآخر مشغول بغزو الفضاء والزراعة المعدلة وراثياً، وليس آخراً، تكنولوجيا النانو التي تتحدث عن سفينة فضاء كاملة بحج كبسولة دواء تقوم بالسباحة في جسم المريض إجراء عمليات جراحية معقدة .. العالم مشغول بالتلوث الإشعاعي والكيميائي والاحتباس الحراري ونحن جل ما يشغلنا هو معرفة القدم التي ندخل بها إلى الحمام !

يقول شاعر العروبة المبدع نزار قباني:

بالحر قانعون .. بالبرد قانعون

بالحرب قانعون .. بالسلم قانعون

بالنسل قانعون .. بالعقم قانعون

بكل ما في لوحنا المحفوظ في السماء قانعون

وكل ما نملك أن نقول إنا إلى الله لراجعون !


يا جماعة لو كانت القناعة ( كنزٌ لا يفنى ) كما يعتقد العرب طوال قرون، لما فكر الإنسان في تحدي حر الطبيعة من خلال اختراع المراوح والمكيفات، ولما فكرت الشعوب الغربية في تحدي برد الطبيعة باختراع التدفئة المركزية .. لو اقتنع الإنسان بالخيل والحمير والبغال كوسائط للنقل، لما شاهدنا السيارات والسفن العملاقة والغواصات وطائرات الشحن. ( الآن يوجد شحن معدات غذائية وتكنولوجية إلى المحطة الفضائية الدولية ) !

ولكي لا أطيل عليكم، سأورد من التراث العربي الإسلامي، مقولات فهقاء ومفكرون كانوا يعتقدون أنهم يسعون إلى صلاح المجتمع .. لنتأملها جيداً وسوف أترك لكم حرية التعليق عليها !!

----------------------------

قال الإمام الشافعي:

رأيت القناعة رأس الغنى --- فصرت بأذيالها متمسك
فلا ذا يراني على بابه --- ولا ذا يراني به منهمك
فصرت غنياً بلا درهم --- أمر على الناس شبه الملك

-----------------------------

قال الله تعالى في الحديث القدسي: ( وإن لم ترض بما قسمته لك فوعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا، تركض فيها ركض الوحوش في البرية ثم لا يكون لك منها إلا ما قسمته لك، وكنت عندي مذموماً )

-----------------------------

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت – صحيح الجامع ).

-----------------------------
وفي قصيدة منسوبة للإمام علي بن أبي طالب يقول فيها:

دع الحرص على الدنيا وفي العيش فلا تطمع

ولا تجمع من المال فلا تدري لمن تجمع

ولا تدري أفي أرضك أم في غيرها تصرع

فإن الرزق مقسومٌ وسوء الظن لا ينفع

فقيرٌ كل من يطمع وغنيٌ كل من يقنع !

--------------------------------

إن القناعة وفكرها في الحقيقة هو من أخطر عوامل تجمد الفكر وتعطل التطور وعرقلة النهوض العربي. لقد طرحت وجهة نظري العميقة حول الموضوع، والتي عالجتها بشيء من التفصيل في كتابي قيد التأليف ( مراجعات ضرورية في الثقافة العربية ).

بكل حزن ومرارة أتساءل وتتساءلون معي:

ماذا لو اقتنع بل جيتس صاحب ميكروسوفت بتفكير العرب واقتنع بأول مليون دولار ؟؟!
ماذا لو اقتنعت شركة مرسيدس بموديلاتها القديمة ؟؟!
ماذا لو اقتنعت كوريا الجنوبية بهاتف ذكي واحد ؟؟!
ماذا لو اقتنعت البشرية بالفيزياء الكلاسيكية وقوانين نيوتن ؟!
ماذا لو لم نكتشف كروية الأرض ؟!
ماذا لو لم نكتشف طاقة الكهرباء والديزل ؟؟!
طيب أصحاب هذا الفكر " القناعي " من أمراء وملوك وسلاطين، هل هم أنفسهم لديهم أي " قناعة " ؟؟؟!

رحم الله جمال عبد الناصر عندما توفى كان في حسابه بالبنك 600 جنيه فقط !!

--------------------------------

أخيراً، أتوجه لجميع الأساتذة والكتاب والمثقفين العرب، سواء هنا في موقع الحوار، أم في قائمتي المتميزة بالفيس بوك بكل التحية والتقدير، ويسعدني معرفة هل كان المقال مفيداً بالنسبة لك أم غير مفيد ؟؟!

شاركوني التفكير والحوار .. قوموا بإثراء المقال من خلال تقديم الدعم أو الأفكار ذات العلاقة .. لا يهمني أن يكتب البعض لمعارضة الرأي في هذا المقال، ومعاً نحو نهضة فكرية عربية جديدة !

ألقاكم على خير
غزة
10 / 04 / 2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال رائع
ألأسود العنسي ( 2016 / 4 / 10 - 22:37 )
شكراً أستاذ عبد الله علي مقالاتاك التنويريه
انا غير قلدر اتخيل أناس يسألون هذا السؤال: - مسألة تزوج كبيرة وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة قبل دخوله بها- ه
كيف لانسان عاقل ان يتزوج طفله صغيره لا زالت ترضع؟؟؟


2 - شكراً للأسود العنسي
عبدالله أبو شرخ ( 2016 / 4 / 10 - 23:53 )
هل تعلم أن ما كتب تحت هذا الباب تحديداً لم يجري أي خلاف حوله ؟؟ .. هناك إجماع من الفقهاء على صحة ما قيل تحت هذا الباب .. هذا كل ما لديهم بينما الآخرون سبقونا بألف سنة وأكثر
شكرا للمتابعة والمرور وتقبل مودتي


3 - اليك بعضا من مسلمات التخلف!!
فهد لعنزي ـ السعودية ( 2016 / 4 / 11 - 04:29 )
اصرف ما في الجيب ياتيك ما في الغيب.
لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الله منها كافرا قطرة ماء. يا الله كل الارض بـ غاباتها وانهارها وبحورها لا تساوي عند الله جناح بعوضة!!.
ليس في الدنيا بقآء ليس في الدنيا ثببوت ** انما الدنيا كـ بيت نسجته العنكبوت
انما يكفيك فيها ايها الطامع قوت.
الرزق يسعى الى من ليس يطلبه ** وطالب الرزق يسعى وهومحروم
ان هذه المسلمات هي التي قامت عليها الحكومات الديكتاتورية منذ صدر الاسلام والى وقتنا الراهن واليك في الحكم السعودي مثالا يحتدى به. هطلت الامطار الغزيرة على جدة وتسببت في ازهاق ارواح البشر واتلاف الممتلكات بسبب فساد البنية التحتية من المجاري وغيرها ولما سئل كبير دقاقنة الفقه السعودي ـ عبد العزيز آل الشيخ ـ عما حدث واسبابه فاجاب ان الحدث كان نتيجة التقصير في اداء الصلاة في اوقاتها وبهذه الفذلكة برأ حكومة خادم الحرمبن من مسؤلية التقصير في ادارة شؤون البلاد. اما الطامة الكبرى من مسلمات التخلف هي اطع الامير وان جلد ظهرك وهتك عرضك. اذا كان الحاكم عادلا فعليك الشكر وله الاجر. وان كان ظالما فعليك الصبر وعليه الوزر. منى نستفيق الامة المنكوبة؟؟؟


4 - إلى الأخ فهد العنزي من السعودية
عبدالله أبو شرخ ( 2016 / 4 / 11 - 10:09 )
تحياتي لكم في المهلكة المنكوبة .. أخي الكريم فهد، أصبحت بالفعل مقتنعاً تماماً أن التنوير الثقافي لم يعد شأناً فردياً، بل جهد يجب أن يحشد له المثقفون .. مساهمتك رائعة وتضيف للمقال أشياء أخرى علاوة على ما جاء في المقال .. شكرا للاهتمام والمرور وتقبل تحياتي ..


5 - جوهر تخلفنا
محمد البدري ( 2016 / 4 / 11 - 10:32 )
يا استاذ عبد الله، ان ما اتي من صحراء الحجاز القاحلة ليس فكرا دينيا بل دينا كاملا اسمه الاسلام. اكرر مرة أخري -اسمه الاسلام- واي تفاسير وشرائع وفقه هي ملحقات به وتعتبر جزء اصيل منه.
قبولنا بالعروبة والاسلام يبدد طاقتنا ويهدر اوقاتنا ويجعل غزة غارقة في الظلام وفي الصلاة وفي الصوم. واتعجب عندما يحين موسم تقبيل الحجارة والتمسح بها تزلفا لاله بني اسرائيل الذي سطا عليه بدو قريش فيما يسمي الحج وصدروه لاهل المنطقة الاكثر تحضرا واكرر -الاكثر تحضرا- مما يسمي عربا.
الحرب علي القناعة التي هي كنز لا يفني لن يكون مجديا الا بالحرب علي تلك الهوية القبيحة العفنة المسماع العروبة والتي في ركابها يقبع الاسلام. تحياتي لك عبر قناعاتي التي لا تفني عن اسباب تخلفنا


6 - الارض جنتهم....وجحيمنا
صلاح البغدادي ( 2016 / 4 / 12 - 03:07 )
الاستاذ الفاضل عبد الله
اتذكر اذا لم تخني الذاكرة قصيدة لشاعر مصر (احمد فؤاد نجم) يقول فيها:
(هم بياكلوا حمام وفراخ
واحنا الفول دوخنا وداخ
...الى ان يقول
والدكتور محسن بيقول
ان الشعب المصري عموما
من مصلحته ياكل فول)
فتاويهم ونصائحهم وخطبهم...القناعة..ومن ملك قوت يومه ملك..والجنة للفقير وووو
لكن كيف كانوا هم يعيشون؟
انبياؤهم وخلفاؤهم وامرائهم ،عاشوا كالاباطره
ذهب يقطع بالفؤوس
نساء وجواري بلا عدد
قصور...وطعامهم لبن العصفور
يآكلون الفراخ وينصحوننا بآكل الفول
انها قمة الدونية والسقوط والخزي
بان يكون ذهبهم وجواريهم كنزهم الذي لا يفنى
وقناعتنا هي كنزنا الذي لا يفنى
ان تكون الارض هي جنتهم وجحيمنا،اما جنتنا نحن الفقراء ففي مجرة الاندروميدا
على بعد مليار سنة ضوئية عن الارض
انها سرقة مشرعنة بالمقدس،ارتضيناها نحن عن طيب خاطر
تحية استاذ

اخر الافلام

.. 170-Al-Baqarah


.. 171-Al-Baqarah




.. 172-Al-Baqarah


.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات




.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع