الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ الحزب الاحمر---3

سلطان الرفاعي

2005 / 11 / 24
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


ان العام 1937 هو عام فاصل في تاريخ الحزب . فمنذ ذلك التاريخ برزت بشكل واضح للعيان مشكلتان ، حددتا المسار التاريخي للحزب حتى الوقت الحاضر.
المشكلة الأولى هي التبعية المطلقة للمركز الشيوعي العالمي ممثلا بالكومنترن ومن ثم الاتحاد السوفييتي ، مع ما عناه ذلك من تغييب لدور الحزب ، وتحيير هذا الدور لصالح الاتحاد السوفييتي ، سواء اكان التجيير يخدم مصالح شعوب هذه الاحزاب او لا يخدمها. وهذا ما تطلب من هذه الاحزاب تصميم برامجها وتنظيم خطاها السياسية ، بعد العودة دائما للمركز السوفييتي.
المشكلة الثانية ، هي ظاهرة عبادة الفرد عند خالد بكداش ، مع كل تداعيات هذه المسألة وترابط ظواهرها - والتي يمكن تكثيفها بتلك الكلمات القليلة ولكن الفريدة- التي قالها بكداش ليوسف خطار الحلو عند التحضير لعقد المؤتمر الوطني للحزب ، نهاية 1943: ((كلامي هو القانون، والقانون لا يخالف)) - أوراق من تاريخنا -يوسف خطار الحلو-الجزء الثاني-ص16-
قام خالد بكداش بعد كونفرانس 1937 بتوجيه ضربات متلاحقة ،حطمت الكوادر القيادية التي لا تروق له ، مستخدما كافة الاساليب ، مما افقد معظم قادة الحزب الباقين ، القدرة على المبادرة ، وانعكس ذلك سلبا على نشاط الحزب.
كانت الجبهة الشعبية قد نشأت في فرنسا عام 1936 بمشاركة الحزب الشيوعي الفرنسي . وكان من نتائج ذلك عقد اتفاقية ((الصداقة)) بين سوريا وفرنسا ، والتي اعترفت فيها فرنسا باستقلال شكلي لسوريا مع وحدة اراضيها ، الأمر الذي يمكن اعتباره نصرا تكتيكيا صغيرا للسوريين ، وعملية احتيال تقليدية للاستعمار الفرنسي، علما ان الجمعية الوطنية الفرنسية رفضت المصادقة على هذه المعاهدة . وكان الكومنترن قد نسق مع الحزب الشيوعي الفرنسي ، حيث سافر خالد بكداش بأوامر من ديمتري مانولسكي الأمين العام للكومنترن حينها ، الى باريس، للقاء مندوب الحزب الشيوعي الفرنسي ، الذي قام بدور هام لإظهار هذه المعاهدة للنور.
في باريس التقى بكداش مع ممثلي الوفد السوري الذي استغل علاقة بكداش بالحزب الشيوعي الفرنسي ، في الضغط لتوقيع المعاهدة .
رفع بكداش -جارا معه الحزب- شعار ((التحالف مع الديمقراطية الفرنسية)) . كيف يمكن لحزب ثوري أن يتحالف مع مستعمر (ديمقراطي) يجثم فوق ارض بلاده؟
لم يعد خالد بكداش ومعه الحزب يرى في العمل السياسي الا دعم هذه المعاهدة الشكلية.
تغاضى الاتحاد السوفييتي عن حق الشعب السوري في لواء اسكندرون لصالح دولية خاصة به . تلك حقيقة. الا ان هذا لا يعني تغاضي الحزب الشيوعي السوري عن الحقوق الوطنية للشعب السوري . لأن ذلك يعني تنازل الحزب الشيوعي عن احد اسباب وجوده .
عندما يدعي الحزب الشيوعي انه قائد للجماهير ، والقوة الطليعية المعبرة عن الاماني الوطنية للشعب ، ثم يقوم بالتطبيل لمستعمر يجثم فوق ارض بلاده ، بدلا من ان يكون على رأس الكفاح المسلح ضد هذا المستعمر ، وعندما يقوم بتبرير السياسة الفرنسية القذرة التي ادت الى سلخ اللواء ، بدلا من ان يكون رأس حربة في مواجهة مخطط سلب اللواء ، عندما يفعل (حزب شيوعي) ذلك، فهو ما يقود هذه الجماهير الى الجحيم ، أو ان هذه الجماهير ستفقد ثقتها به وتنفض عنه.
كتب خالد بكداش في جريدة (صوت الشعب) العدد الصادر في 5 ايار 1938:
((نحن نعلم أن هذه الاعمال لا تمثل ارادة فرنسا التي نحبها وتحبنا ، فرنسا التي عقدت معنا المعاهدتين، فرنسا التي انجبت الجبهة الشعبية ،----------- ليست فرنسا هي التي خيبت آمال اللواء وأمال العرب ، ليست هي التي تراجعت امام الاستعمار التركي وتخلت عن تعهداتها الدولية ورضيت بدوس قرارات عصبة الامم المتحدة نفسها. كلا فرنسا لم تفعل ذلك . بل فعل ذلك بعض الدبلوماسيين فعلت ذلك وزارة الخارجية الفرنسية))
لقد أدت هذه السياسة اللاوطنية والتي لا تعبر عن ابسط اماني وطموحات الشعب السوري ، الى عزلة الحزب الشيوعي ، وابتعاد سائر القوى الوطنية المناهضة للاستعمار عنه ، وانكفاء الجماهير ، خصوصا المثقفين والطلبة الذين شرعوا في البحث عن تيارات سياسية اخرى تعبر عن تطلعاتهم .
((ان الأكثرية الساحقة للأمة السورية ، بل الامة السورية كلها عدا نفر قليل، باعوا انفسهم للاستعمار)) خالد بكداش- صوت الشعب-العدد الصادر في 19 حزيران 1937-

هذا ظهرت الى الحياة أولى الثمار المرة ، لسياسة التبعية الكومنترن ، بحيث كان يتم تبرير كل هذا ، بالموقف الاممي ، والأحلام حول الجبهة الشعبية ، والتي لم يكن الحزب الشيوعي الفرنسي سوى عضو غير فعال فيها.
اما نهاية قصة الحب تلك مع فرنسا التي يحبها خالد بكداش وتحبه، فهي مأساوية ، اذ سقطت الجبهة الشعبية عام 1939 ، ومع توقيع الاتحاد السوفيتي للمعاهدة السوفيتية-الالمانية مع هتلر ، هبت من فرنسا(الديمقراطية) رياح صفراء معاكسة ، ليجد الحزب نفسه في وضع لا يحسد عليه ، فلوحق افراده وتعرضت قياداته للاعتقال التعذيب ، في وضع لم يكن فيه الحزب مهيأ على الاطلاق.
وما تجدر الاشارة اليه ان موقف القيادة لم يكن متجانسا في تلك المرحلة . فمقالات وخطب خالد بكداش شيء ، وبيانات الحزب وقراراته شيء آخر . ان خالد بكداش كان يضطر في كثير من الاحيان للموافقة على قرارات حزبية معينة.، نلمس فيها خيوط التوجه الصحيح للحزب ، الا ان خالد كان يعود ويناقض كل تلك القرارات بخطبه ومقالاته . وهذا ما يفسر المتناقضات التي نلمسها عند العودة لوثائق تلك المرحلة . وقد ادى ذلك الى مزيد من التشويش في صفوف الحزب . اما على صعيد الجماهير فكان الأمر أسوأ ، لأن خالد بكداش اعتبر بنظر الآخرين ، الناطق الرسمي باسم الحزب.
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية ، واستسلام فرنسا للألمان في 22 حزيران 1940 . وتشكيل حكومة فيشي الفاشية ، تم وضع سوريا تحت رقابة لجنة الهدنة الألمانية -الايطالية .
وبدأ الحزب بمحاولة العودة لاستعادة مواقعه في النضال ولكن ضد فرنسا الفاشية وبالتحالف طبعا مع فرنسا الديمقراطية ولكن ليست فرنسا الديمقراطية بقيادة الجبهة الشعبية ، بل فرنسا الديمقراطية بقيادة ديغول هذه المرة.
الا ان الشعب السوري كان يرى في فرنسا ، فرنسا الاستعمارية سواء أكانت ديمقراطية ام فاشية ، ولم يستطع الحزب أن يحتل موقعا متقدما في الصراع من اجل الاستقلال .

لقد عانى الحزب منذ ظهور الفاشية وتلقيه الاوامر من الكومنترن ، بضرورة التحالف مع جميع القوى المناهضة للفاشية ، من اكبر انحراف يميني في تاريخه .
ان من يعود الى وثائق تلك الفترة ، ويقرأ خطابات خالد بكداش ، ويطلع على مقررات المؤتمر الثاني للحزب ، يخرج بانطباع واحد ، وهو ان القائم على رسم سياسة الحزب ، لا يدرك شيئا من شيء . انه يفهم شيئا واحدا : مكافحة الفاشية . وفي سبيل ذلك ، لا ضير من ان يغير جلده ويتخلى عن مبادئه ، ويرمي الوطن والاستقلال جانبا . ولا ضير من ان يجعل فرنسا المستعمرة ، بلد الحرية والديمقراطية ، وإنكلترا مستعبدة الشعوب ، اصبح لها الآن فضل كبير ، ولا يجوز نسيان الديمقراطية الأمريكية الكبرى .
كانت اوامر الاتحاد السوفيتي تقضي بمكافحة الفاشية . وعلى هذا الاساس اوقف الحزب نشاطه من اجل الاستقلال . وبعد الحرب كانت اوامر الاتحاد السوفيتي تقضي بطرد الاستعمار الفرنسي والإنكليزي من بلدان العالم المتخلف ، وعلى هذا الاساس بدأ الحزب تجميع قواه لطرد الاستعمار الفرنسي . ولكن ---كيف يمكن ان نقنع الجماهير بالسير وراءنا لطرد فرنسا وجنرالها ، اذا كان ما يزال يصدح في الجو صدى اناشيدنا عن (فرنسا الديمقراطية) وجنرالها البطل الذي يريد كما قال بكداش يوما(( حكما ديمقراطيا حرا مبادئه تقدمية اكثر من نفس مبادئ الجبهة الشعبية التي ساعدتنا )
كان على الحزب - فيما لوكان حزبا ثوريا يضع برامجه بناء على واقع حياة الشعب السوري، لا بناء على اوامر الاتحاد السوفيتي - ان يوفق بين صراعه ضد الاستعمار الفرنسي من جهة ، ومكافحة الفاشية من جهة اخرى . وان يقود الصراع من اجل الاستقلال ، مبينا للشعب طبيعة هذه الحرب من حيث كونها حرب لصوصية قذرة بين مراكز استعمارية اتفقت من حيث المبدأ على تحطيم الاتحاد السوفيتي وإعادة اقتسام العالم بعد ذلك ، وان يستغل هذه الحرب لخدمة الاستقلال ، لا ان يتناسى الاستقلال ويتحالف بهذه الطريقة المخجلة مع المستعمر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رابعة الزيات تثير الجدل برا?يها الصريح حول الحرية الشخصية لل


.. مقتل هاشم صفي الدين.. هل يعجز حزب الله عن تأمين قياداته؟




.. قراءة عسكرية.. كيف يدير حزب الله معركته بعد سلسلة الاغتيالات


.. نشرة إيجاز - مصدر أمني للجزيرة: فقدان الاتصال بصفي الدين




.. صفارات الإنذار تدوي في حيفا مع إطلاق صواريخ من لبنان