الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الشافعي, الحلقة (13 / 29): دعوى الإجتهاد الجزء 4

انور سلطان

2016 / 4 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نقد الشافعي, الحلقة (13 / 29): دعوى الإجتهاد الجزء 4

الاجتهاد في معرفة المثل من النعم

قال تعالى: (ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة). (المائدة: 95).

قال الشافعي معلقا: (فكان المثل -على الظاهر- أقرب الأشياء شبها في العِظم من البَدَن. واتفقت مذاهب من تكلم في الصيد من أصحاب رسول الله إلى أقرب الأشياء شبها من البدن. فنظرنا ما قُتل من دواب الصيد: أي شئ كان من النعم أقرب منه شبها فديناه به... وهذا الاجتهاد الذي يطلبه الحاكم بالدلالة على المثل). (الرسالة: 39).

وقال: (فحكم من حكم من أصحاب رسول الله على ذلك، فقضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة). (الرسالة: 481).
وهذا يعني أنه بعد معرفة أنواع الصيد ومعرفة حجم كل منها أمكن تحديد الفداء من الغنم المقابل لنوع الصيد حسب حجمه. فتم الاستدلال بحجم الصيد على نوع الفداء, فالضبع تُفدى بكبش والغزال يعنز.
وهذا أعتبره الشافعي قياس شبه, والآية عنده دليل على مشروعية قياس الشبه, وهو ما عبر عنه بقوله: (وهذا هو الاجتهاد الذي يطلبه الحاكم بالدلالة على المثل).

مناقشة الاستدلال على المثل:

كفارة الصيد جعلها القران مسالة قضائية عند القدرة وإلا فالصوم أو الإطعام، وإسناده للقاضي هو كإسناد أي مسألة فيها نزاع للقاضي، وإذا أمر القران في النزاع بين الناس بالحكم بالعدل، فقد أمر في كفارة الصيد أن تكون الكفارة من النعم، أي كفارة عينية، وأن تكون مثل الصيد في الحجم. وجعل تقديرها للقاضي كما جعل تقدير العدل في الخصومات للقاضي. وحكم القاضي في كل مسألة قضائية ليس معرفة حكم مسألة مجهولة الحكم، بل إنفاذ لحكم الله بالشرط الذي وضعه الله وهو الحكم بالعدل، وفي الصيد الحكم بالمثل، وجعل تقدير المثل إلى القاضي كما جعل تقدير العدل إليه. فلا يوجد في المسألة استدلال على مجهول، بل تقدير جزاء المعلوم، كتقدير القاضي مقدار التعويض لتلف أحدثه المحكوم عليه. فهل الشيء المتلوف دلالة على العوض؟ إن الحكم بالمثل من النعم جزاء للصيد، إن احتاج إلى عملية تقدير وموازنة عينية، لا تدخل العملية في مفهوم الاستدلال، ناهيك أن تدخل في المعنى الاصطلاحي للقياس.

لا يوجد هنا مجهول يُكتشف بعلامة، بل يتوقف الأمر على حجم الصيد فعلا وهذا لا يُعرف إلا برؤية الصيد، وإذا عُرف عُرف الفداء، ولذلك جعل القران الحكم فيه لعدلين. وتحديد بعض المفتين لأنواع الصيد وما يقابله من الفداء غير مأمور به، ولم تأت الآية تخاطب مفتين وتكلفهم باكتشاف ومعرفة حكم الله، بل تخاطب من صاد بتحكيم عدلين وتخاطب العدلين بالحكم بالمثل، فقد تكون الضبع في حجم عنز والغزال في حجم جفرة. وقد يكون الصيد بين بين ويكون الحكم بين بين. ولو كان الأمر كما اعتقدوا لما أعجز الله أن يذكر أنواع الصيد وفداءها، ولما كان هناك داع للتحكيم. إن الصيد مجهول حتى يُصطاد، فإذا صيد فقد عُرف فداؤه بالتقريب. ولذلك ترك الله الأمر لحكم الحكمين، ولم يأمر بالاجتهاد لتحديد أنواع الصيد وأحجامها، وتحديد مقابلها من الغنم.
ولماذا حددوا أنواع الصيد مقابل سن الغنم، فالضبع والغزال تختلف أحجام كل منها باختلاف السن؟ ولكنهم حكموا بأنفسهم، والغوا النص، ولن يتركوا للحكمين إلا الالتزام بقولهم الذي حدد الفداء، لا الالتزام بالنص مما يسمح للقاضيين بالتقدير والموازنة.
إن عملية تقدير المماثل التي يقوم بها الحكمان هو الحكم ذاته الذي أمر به النص, وليس في هناك استدلال بمعلوم على مجهول.

* * *
الخلاصة:
لا يوجد في النصوص الثلاثة التي استدل بها الشافعي على الاجتهاد القياسي مجهول يمكن معرفته، طلب الله من الناس اكتشافه بالاستدلال, ولو كان هذا صحيحا معنى هذا أن القران طلب من الصحابة القياس عند نزوله والنبي بينهم, وهذا غير مُتصور, ومعنى هذا أيضا أنه طلب القياس من النبي نفسه وهذا مناقض لزعم الشافعي أن النبي لا يعمل بالقياس. ولا يوجد في تلك النصوص علم باطن مطلوب معرفته ويمكن الصواب والخطأ فيه، بل ظاهر نعرفه هو مناط حكم الله, فأمرنا القران بالتوجه لقبلة نعرفها، وإشهاد عدل نعرفه، وحكم بمثل للصيد الذي نعرفه ونراه أمامنا. فلا يوجد هنا استدلال على مجهول، ولا معرفة باطنه وظاهرة، لأنه لا يوجد مجهول في هذه النصوص ولا تكلفنا بأشياء نجهلها.
وإن صح ما يقول الشافعي فإن معرفة شئ طلب الله معرفته، وجعله شرطا لحكمه المنصوص عليه، وجعل طريق معرفته الاستدلال بشئ ما، وأقام الدليل عليه، لا يعني أن هناك أحكام لله لم ينزل بها الوحي، وأن الله جعل طريق معرفتها الاستدلال. بل هي مزاعم مبني بعضها على بعض، أولها الزعم أن لله حكما بعينه في كل مسألة، مبني عليه الزعم أن الله أبان أحكامه بالدلالة في غياب النص، مبني عليه الزعم أن هناك دلائل تـُطلب بالاجتهاد، وأن هناك من جعل الله لهم القدرة على معرفة أحكامه بالدلائل.
إن الهدف من المغالطات السابقة هو إيجاد مبرر لمقولة أن القياس مصدر من مصادر الدين وجعل ما يصدر عن المجتهدين دينا. ومن اقتصر على القياس، وأنكر المصادر الأخرى، كالشافعي، توسع في مفهوم القياس، وما ليس فيه حكم وضع له حكما قياسا، ومن السهل الرجوع إلى مسألة فيها حكم ، خصوصا بعد اختراع قياس الشبه خروجا من ضيق ومحدودية قياس العلة, والذي جاء الشافعي وحاول الاستدلال عليه بآية فداء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلمة ناقصة
انور سلطان ( 2016 / 4 / 13 - 02:00 )
الجملة الأخيرة في الموضوع أعلاه هي
والذي جاء الشافعي وحاول الإستدلال عليه بآية فداء الصيد
وقد سقط سهوا المضاف إليه وهو كلمة الصيد

اخر الافلام

.. آلاف اليهود يؤدون صلوات تلمودية عند حائط البراق في عيد الفصح


.. الطفلة المعجزة -صابرين الروح- تلتحق بعائلتها التي قتلها القص




.. تأهب أمني لقوات الاحتلال في مدينة القدس بسبب إحياء اليهود لع


.. بعد دعوة الناطق العسكري باسم -حماس- للتصعيد في الأردن.. جماع




.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن