الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الحب ج 1

يارا عيسى

2016 / 4 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


سأتحدث عن القضية الساحرة من الدرجة الأولي ، تلك التي تتمتع بأجمل بريق وأرق شعور وأنقي وأعذب ما أتت به الحياة ، هي روح الحياة وجوهر الإنسان لتميزه بها دون غيره ، إنها لا تفرق في إقتحامها بين الجاد والعبثي ، أو العالم والجاهل ، أو العابد والعاصي ، أو الرجل والمرأة ، إنها تقتحم قلوبنا بلا إستئذان ونحن من أمرها ضعفاء لا حيلة لنا حتي تتغلغل في أعماقنا ودواخلنا فنشعر بالضعف الممزوج بالسعادة العارمة والهيام الساحر الممتع والشعور الذي لا يوصف والذي يفهمه الآن ويشعر به من يقرأ تلك الكلمات ويتذكر أجمل اللحظات التي طبعت في ذهنه من إقتحامها شغاف قلبه ، إنها سعادة إلتقائنا بأكبر جزء من ذاتنا ، فهل الحب إلا ( أنس ) بشقيق روح فيشعر ( الإنسان ) ب(إنسانيته ) و(يأنس) بإلتقائه بها ؟! ، إن هذا الإجتياح هو إحتياج آدمي أصيل ومن يستغني عنه بالقوة فلن يزد إلا ضعف واضطراب نفسي وشعور بالنقص فيعود معتذرا إلي ذلك المهيمن الذي لا يعرف الهزيمة ويتذوق من الحب جرعات .
الحب أحد ألوان الإنسانية التي جادت بها الطبيعة كهدية لنا واعتذار عن باقي أفاعيلها ، الحب أجمل صدفة صنعتها الحياة ، وأولي بنا أن نفهمه من جميع جوانبه ، فدعونا نفهم ( إحدي ) معاني تلك القضية التي لم يسلم من الإهتمام بها كبار الفلاسفة وعلماء النفس حتي علماء الطب العضوي المادي منذ قديم الأزل .
وقد تعمدت ذكر كلمة ( إحدي ) معاني القضية لأن قضية الحب متشابكة ومتداخلة وشديدة التعقيد ، لأنها قضية شخصية بشرية متعلقة بشخصيات البشر الهائلة الأعداد ، فكل شخصية بشرية تختلف في تفاصيلها عن الشخصية الأخري وتعتبر محصلة لعوامل متداخلة متباينة من البيئة والمجتمع والمدرسة والدين والنشأة والظروف المادية والنفسية والصحية والجسدية وثقافة الأهل وأحداث الزمن وما إلي ذلك من مختلف الظروف التي لم ولن يشترك فيها بالتمام اثنان علي وجه الأرض ، فينتج ملايين الشخصيات التي يعيش كل منها الحب برؤية معينة وسيكولوجية معينة .
بالطبع قد تتفق مجموعات من الشخصيات في اتجاه واحد أو رؤية واحدة في الحب أو معايشته بنفس الطريقة ولكن تبقي التعددية هي الصفة السائدة في تلك القضية البشرية الشخصية ، وأعتقد أن هذا هو سر تعقيد القضية وحيرة العلماء والفلاسفة في فهمها وأن يصبح الحب لديهم لغزا حتي أنهم يتسائلون ويحتارون فيما بينهم عن " معني الحب " .
أي أن أسباب وأشكال ومعاني الحب كثيرة ومتعددة وتعكس أشكال الإتجاهات البشرية والشخصية ، لكني أعتقد أن الأساس الأكبر والقاعدة الأولي التي يرتكز عليها الحب المثالي أو قصة الحب الخيالية التي قلما تتكررهو التفاهم والإتفاق العقلي والإتفاق في المنطق والنظرة للحياة ، مهما بلغت قصة الحب الذروة والمثالية وأصبحت أسطورة تتناقلها الأجيال ، بل إنها لم تنجح وتستمر إطلاقا وتصل للذروة وتصبح أسطورة إلا بإتفاق عقلي بين الطرفين سواء أدركوا ذلك أم لا .
التفاهم هو الوقود الذي يعطي للحب قابلية الإستمرار بنجاح ، هو الممر الذي يعبر عليه الحبيبان المشكلات والعراقيل ويصلون الي الهدية الخيالية والحياة الجميلة التي يهديها لهم الحب .
إنني لا أستطيع تخيل عبلة حبيبة عنترة ابن شداد بشخصية تختلف عنه أو منطق غير منطقه أو فلسفة في الحياة تعارض فلسفته ، فنقطة إنجاذبهما هي في الأساس نقطة إتفاقهما العقلي – وإن لم يحللوا ذلك – وإن إكتفي المشاهد للقصة بذكر كلمة " روح واحدة " لوصف الحبيبين وتعبيره عن مدي شعوره بإرتباطهما معا ، فتفسير تلك الكلمة العفوية المترددة كثيرا في وصف كل حبيبين متجانسين أنه علي الأدق " عقل واحد ومنطق واحد " ، فالبداية في العقل والأسبقية للمنطق والتفاهم المنطقي ، فكيف لشىء علي هذا الشكل من الترابط والإنسجام والإستمرار يبني علي غير العقل والمنطق ويكتب له البقاء علي قيد الحياة والإستمرار ، العقل أساس متين وقوي ويصلح لأن يبن فوقه ما يكتب له صلاحية البقاء والإستمرار ، العقل من المعقول أي " المربوط " والمعني اللفظي له يوحي بالمعني المشارإليه من المتانة والقوة ومن ثم الإستمرار .
الغريب في القضية أن قصة الحب الناجحة المستمرة تأخذ طابع الحب بطبيعته الخيالية الحالمة الهادئة الهائمة ، فكيف تصل إلي تلك النتيجة المعنوية من المقدمة المادية التي ذكرناها التي هي " التفاهم والإتفاق العقلي " وأقول أن هذا هو التحليل الفعلي للقضية لو دققنا النظر ، فالعقل أولا والتفاهم أولا ، فإن وجد التفاهم والإتفاق العقلي بين الطرفين إستطاعت قصة الحب بسهولة الوصول إلي بر الأمان وكتب لها النجاة ، أما الحب الذي لم يبن علي إتفاق عقلي بين الطرفين فهو حب أهوج متسرع متعجل للمشاعر عبثي فوضوي خادع ، لا يلبث أن تصيبه الهشاشة من جميع جوانبه شيئا فشيئا ، فيحاول الحبيبين إنقاذ البقية الباقية من قصة الحب الجميلة والحفاظ علي بقايا الحب وآثاره إلا أنه مع ذلك ستتعثر سلاسة الحب ويخلو من إنسيابيته وتمتلىء العلاقة بالثغرات وتصبح محاولاتهما في ملء الفراغات عبثية لا تنسجم مع الحب لأنهما كمن يرقع الحرير بالصوف فهم يملئون الثغرات في العلاقة بينهم بالتجاهل أوالتنازل عن غير اقتناع أو عدم الرضا أو التساهل أو المساومة في العلاقة وهي أمور تستدعي القلق الذي يناقض تماما معني الحب والشعور معه بالأمان .
إن أول نقطة إختلاف بين الأشخاص هي أول فجوة تتكون بينهم ، فالإختلافات بين البشر هي أول ما يزعزع العلاقات ويهدد إستمرارها ويزيزل كيانها ، إن الدراسات النفسية والإجتماعية التي تجري علي الأطفال الإنطوائيين أو الغيرمقربين لأبويهم يشيرون فيها إلي قلة أحاديثهم مع الأبوين منذ الصغر ففقد الطفل جزء كبير من التفاهم مع أهله الذين لم يسمعونه ويحاولون التفاهم معه والإقتراب منه ، فإختار الطفل العزلة والحديث مع نفسه لأنه شعر معهم بالغربة ، والغربة شعور مقلق يتنافي مع الحب ، لذلك يصبح من الصعب علي هذا الطفل الحديث بسهولة مرة أخري إلي أهلة ومحاولة مصادقتهم ، قد يلجأ إلي صديق أو حبيب يبحث فيه عن الجزء الذي فقده في العلاقة مع أبوية وهو في الواقع جزء عاطفي ، ففقد الطفل للتفاهم مع أبوية هو في الحقيقة فقد لجزء من الحب . وكذلك الحال مع الأشخاص الإنطوائيين أو حتي بعض المرضي النفسيين ، فيقول أحد أطباء المرض النفسي أن كثير من المرضي يكون بالنسبة لهم الإستماع جزء كبير من العلاج ، فهذا هو الشخص الذي فقد التفاهم وفقد بالطبع معه الحب .
في العلاقات الإجتماعية وأجواء الصداقات يقولون " الطيور علي أشكالها تقع " فتنجح علاقة الصديقين المتفقين في الشخصية والأسلوب ويشعران بالإنسجام معا لأنهما متفاهمان متفقان في المنطق والرؤية العقلية فتخلو العلاقة مما يعيق إسترسالها وإستمرارها .
إن بذرة التفاهم والإتفاق بين حبيبين جديرة ومؤهلة لخلق قصة حب رائعة مستمرة لأنه لن يعيق مجري الحب عائق ويمنعه من إسترساله ، فالتفاهم هو المقوم الأول والأهم لنجاح العلاقة وخلوها من التردد والثغرات والفجوات وما يهدد إستمرارها ، التفاهم والإتفاق العقلي هو خير نواة لأفضل قصة حب ، وهو الطريق الأكثر سيادة ووضوح ، ولكن قضية الحب في نظر الغالبية لغزا محيرا لإختلاف الشكل الكبير بين المقدمة والخاتمة التي تؤول إليها أي بين الإتفاق العقلي والتفاهم بين الطرفين ثم قصة حبة رائعة جميلة ، وهذا الإختلاف الشكلي يعطي إيحاء خاطئا بعدم الربط بين السبب والمسبب ويرفض المفكر الإعتراف بذلك السبب الأول الذي يبدو غريبا ومتناقضا .
ويبقي أن نقول أن هذا السبب ليس هو الأوحد في تلك القضية المتشابكة ولا يقتصر عنده الحب ولا شرطا أن تنجح العلاقة وتصل للخاتمة الجميلة من تلك المقدمة التي ذكرناها ، وذلك لتشابك القضية البشرية ، ولكن هذا تفسيرا وتوضيحا علي الأغلب يجب أن يؤخذ في الإعتبار . فالبداية العاطفية في التفاهم العقلي والإتفاق المنطقي أولا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي يقر إصلاح سياسات الهجرة واللجوء.. أي تداعيا


.. تونس: الاتحاد الأوروبي يطلب إيضاحات بعد موجة التوقيفات الأخي




.. ردا على افتحام مقر هيئة المحامين في تونس.. عميد المحامين يلو


.. حرب غزة والتطورات في المنطقة تخيم على أعمال القمة العربية في




.. الجزيرة ترصد معاناة سكان رفح بعد أسبوع من إغلاق المعابر