الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الشافعي, الحلقة (15 / 29): دعوى القياس الجزء 1

انور سلطان

2016 / 4 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نقد الشافعي, الحلقة (15 / 29): دعوى القياس الجزء 1

القياس لغة واصطلاحا

إلى جانب المعنى اللغوي للقياس هناك معنيان اصطلاحيان له وهما القياس المنطقي والقياس الفقهي.

القياس بالمعنى اللغوي هو حساب مادي لأبعاد الشئ أو وزنه أو كل ما تعلق بمظاهره المادية.

والقياس بالمعنى المنطقي هو الوصول إلى نتيجة (حكم) عبر مقدمتين. أو الاستدلال بمقدمات صحيحة على حكم ما. ومن شروط القياس المنطقي الصحيح هو ثبوت (صحة) المقدمتين. فإذا وجدت مقدمة تحتاج إلى إثبات فيجب إثباتها أولا قبل الاستدلال بها وإتخاذها حجة. والاستدلال بما يحتاج هو نفسه إلى إثبات أولا, الذي سماه المناطقة المصادرة على المطلوب إثباته أولا, استدلال غير صحيح, وهو أحد المغالطات التي تُستخدم كثيرا. وقد استخدم الشافعي هذه المغالطة لإثبات حجية حديث الآحاد.
وإذا كان القياس المنطقي عملية عقلية موجودة عند كل البشر فالقياس الفقهي اختراع ديني خاص بالمسلمين وحدهم, أو بالغالبية منهم, لأن من المسلمين من ينكر القياس الفقهي.

مفهوم القياس الفقهي

أما القياس الفقهي هو إعطاء مسألة جديدة لا نص فيها حكم مسألة فيها نص لوجود نفس علة الحكم في المسألة الجديدة أو لوجود شبه بينهما.

وعرف الشافعي القياس بأنه: (ما طُلب بالدلائل على موافقة الخبر المتقدم من الكتاب أو السنة، لأنهما علم الحق المفترض طلبه، كطلب ما وصفت قبله من القبلة والعدل والمثل). (الرسالة: 40).

أي أن الحكم الوارد في الكتاب والسنة واضح معلوم للعقل كالقبلة للناظر للكعبة، فإن غاب عنها، اجتهد في معرفة جهتها بقياس مكانه إلى مكان الكعبة، وكذلك إن غاب حكم مسألة بغياب النص اجتهد في معرفة حكمها بقياسها على غيرها مما نزل فيه نص. والقياس كما بينه نوعان، قياس علة وقياس شبه.

فقال: (وموافقته تكون من وجهين: أحدهما أن يكون الله ورسوله حرم الشئ منصوصا أو أحله لمعنى -أي لسبب- فإذا وجدنا ما في مثل ذلك المعنى فيما لم ينص فيه بعينه كتاب ولا سنة أحللناه أو حرمناه لأنه في معنى الحلال والحرام. أو نجد الشئ يشبه الشئ منه والشئ من غيره، ولا نجد شيئا أقرب به شبها من أحدهما، فنلحقه بأولى الأشياء شبها به، كما في الصيد). (الرسالة: 40).
أي أن موافقة حكم المسألة القياسية حكم المسألة المنصوص عليها من جهتين إما إتحاد في العلة، أوأقرب في الشبه.

والعلل وإمكانية المشابهة في الأحكام المنصوصة هي العلامات التي بواسطتها يمكن معرفة أحكام المسائل التي غاب حكمها المعين بالنص، كما هي العلامات الكونية (النجوم والشمس والقمر والرياح والجهات) التي نستدل بها على جهة الكعبة، أو وصف العدل الذي نستدل به على الإنسان العادل، أو وصف أو شرط المثل في جزاء الصيد. فعندما أمر الله بالتوجه إلى الكعبة يعني ذلك الأمر أنه عند غياب عينها يجب على المصلي أن يجتهد في معرفة جهتها بالعلامات التي وضعها الله، كذلك إذا غاب حكم مسالة فقد وضع للمجتهد علامات فيما شرع من أحكام هي العلل والمشابهات تدله على معرفة حكم المسألة الغائب.

وصف الشافعي للعلة, وكذلك للشبه, بأنها علامة على الحكم كان لغرض تطويع الآية (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) والاستدلال بها على القياس بعد أن زعم أن الله وضع علامات لمعرفة الكعبة, وأن الاستدلال بواسطة العلامات الفلكية من أجل الصلاة, وهي حكم ديني, عبارة عن قياس, وإذن فالقياس عملية أمر بها القران عندما أمر بالتوجه للكعبة وأمر باستخدام العلامات الدالة عليها. وبالتالي فأي مسألة حكمها غائب, أي لا نص عليه, فلا بد وأن القياس طريقة لمعرفة حكمها كما كان طريقة لمعرفة اتجاه الكعبة الغائبة عن عين المصلي, وأن العلة هي علامة الحكم كما أن النجوم علامات على اتجاه الكعبة. فعندما لم يجد الشافعي أي دليل من النصوص على أن العلة طريقة للاستدلال على أحكام الله التي لا نص فيها فما كان منه إلا أن يصفها بأنها علامة لورود كلمة علامة في القران, ثم القول أن التوجه للكعبة عند الصلاة يتوقف على العلامات التي ذكرها القران, ولذلك فالعلامات طريقة للاستدلال على حكم ما لا نص فيه والعلة علامة من العلامات.

وإذا صح وجود قياس (استدلال ما) في هذه الأمثلة الثلاثة التي ضربها الشافعي فلا علاقة له بمفهوم القياس كمصدر للدين. وقد تم تفنيد هذه المغالطة في الفصل السابق.


أصل مصطلح القياس بالمعنى الفقهي

أُخذ مصطلح "القياس" من رسالة لعمر إلى أبي موسى الأشعري في القضاء, أو دُعم بهذه الرسالة. ونص الرسالة: (سلام عليك, أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم إذا أدلى إليك, فإنه لا ينفع تلكم بحق لا نفاد له, آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك, حتى لا يطمع شريف في حيفك, ولا ييأس ضعيف من عدلك. البينة على من ادعى, واليمين على من انكر. والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما, أو حرم حلالا. لا يمنعك قضاء قضيته اليوم فراجعت نفسك فيه, وهُديث فيه لرشدك, أن ترجع إلى الحق, فإن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة, ثم اعرف الأمثال والأشباه, فقس الأمور عند ذلك, واعمد إلى أقربها إلى الله, وأشبهها بالحق).

هل كان عمر يعني مفهوم القياس الفقهي؟ يزعمون هذا، ولو كان يعنيه للزمه شرحه لأبي موسى طالما كان يعلمه بمصطلح خاص.

القاعدة هي حمل الألفاظ على معانيها اللغوية، إلا إذا بين المتكلم بنفسه معنى اصطلاحي للفظ معين في كلامه.

هذه الرسالة دليل عليهم لا لهم، فهي تثبت أن الأصل هو الحق، وأن على القاضي اتخاذ كافة الوسائل التي تجعله يعرف وجه الحق في المسألة وتجعله يطمئن إليه. إنها إعمال لأمر القران بإقامة العدل. فالعدل الذي أمر به القران صراحة هو القاعدة، لا الدلائل الزائفة التي اختلقت اختلاقا، وأسقطت العمل بهذا المبدأ الإنساني. وهذا ما يؤكده عمل عمر نفسه، وحسه المرهف بالعدل والمصلحة العامة، ولا شئ غير هذين المبدأين حكما سيرته في الشأن العام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القبض على شاب هاجم أحد الأساقفة بسكين خلال الصلاة في كنيسة أ


.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا




.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل