الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-القصة الخفية للثورة التونسية-

هيثم بن محمد شطورو

2016 / 4 / 19
المجتمع المدني


سمها ما شئت. انتـفاضة، انقلاب، ثورة.. الحقيقة انها شيء من كل ذلك و لا شيء باعتبار كونها فاقـدة الى اليوم لثورة فكرية تؤسس فعلا لمنتج حضاري. انها لحظة حرجة جدا. اما ان تـنصهر فيها الشعوب العربية في مخطط تـقـسيمها و تجزئـتها و اضمحلالها او ان تعيد بناء نفـسها بالفعل. هذا البناء الذي لا يمكن ابدا ان تـقوم به الوجوه الحالية في الساحة السياسية. هذا تـقريـبا ملخص كتاب "القصة الخفية للثورة التونسية" للكاتب التونسي "سالم بن حسين".
انه من تلك الكتب التي تجبرك على اعادة التـفكير في عدة مسائل. كتاب يشدك كثيرا. يوغل في تدفئـتك و صب الماء البارد على رأسك في نفـس الوقت. كتاب تفجيري ساخط على الكل. روعته انه ساخط على الكل. لماذا نقول روعته لان الحقيقة البادية للعيان ان الكل في عميهم يسيرون.
من بداية الكتاب الى نهايته في سرد شيق موثـق و متراقص بين الادب و الفكر و السياسة و التأريخ. انك تجد نفسك امام شظايا المعلومات التي كانت لديك و لكن تجميعها و اثرائها بمعلومات اضافية و تدقيق المسائل و ربط الاجزاء بعضها ببعض تجد نفـسك مباشرة امام واقعك و ثورتك و بلدك الذي تـشهد يوما بعد يوم هروبه عنك الى المجهول.
أقـل ما يمكن وصف الكتاب به .. انه رائع. بل اكثر من ذلك. المفروض ان يقرئه كل تونسي و خاصة الفاعلين السياسيـين و النقابـيـين و الاعلاميـين و اساتـذة الثانوي و الجامعات. هذا كتاب من الضروري ان يكون ايقونة تونسية. انه من تلك الكتب التي من شانها فعلا ان توقض الضمائر و تـتجه بها الى الاهتداء بكل جدية الى المسالة الوطنية التونسية في هذه المرحلة التاريخية الحرجة..
يبدأ الكتاب بالجنرال الذي هاتفه الوزير الاول ساعتها قائلا:"هل تكفيك نصف ساعة لتغيـير بزتك العسكرية بأخرى مدنية..و اذا كان ذلك ممكنا، فنحن بانـتـظارك بمقر وزارة الداخلية". انه الجنرال "بن علي" في اول خطوة له نحو قصر قرطاج. و يسافر بك الكتاب في متاهات سرد جميل مفحم بالأحداث و الوقائع و الكشف.. فعلا فالثورة ابتدأت منذ ذاك الهاتف.. هل هو هاتف الوزير ام التاريخ؟
الكتاب يغضب الكثيرين و خاصة النقابيـين و الناعتين انفسهم بالثوريـين اضافة الى الترويكا و النهضة و جميع الاصناف من الاشكال السياسوية التي لم تكن إلا الوجه الآخر لبن علي حسب وصف الكاتب. مما سمي النخبة و جحافل الابواق المختلفة الى الشعب او بعض الفئات منه التي انخرطت في عملية التدمير و الفوضى يخلص الكتاب في نهايته الى توصيف كل تلك المشاهد ببروز الثـقافة القبلية البدوية من جديد بعد ضعف الدولة. البداوة بما هي التعصب للقبيلة ظالما كان ام مظلوما. القبيلة بما هي حزب و بما هي كتلة نقابية او عمالية او جهوية او فئوية. و انك امام عقـلية الغنيمة و الاغتـنام عند الجميع. انك امام ظاهرة الكسل في العمل و الدفع بالدولة الى الاقـتراض لأجل ترضية الافواه الصارخة بدل الاتجاه نحو ثورة انتاجية تـنموية.
و يحمل الكتاب عدة تساؤلات حارقة. اي ثورة يكون عنوانها التشغيل للبطالين؟ هذا ليس بمطلب ثوري و انما احتجاجي لأجل الضغط. اي ثورة لتطالب بالزيادة في الأجور و اي ثورة في التـقاعـس عن العمل؟ اي ثورة في جعل ايقونتها الماضويات المختلفة؟ اي ثورة في جعل مشهدياتها مناظر البؤس و التـشكي و التـذلل؟ اي ثورة خرقاء تسحق الشباب و اي ثورة هذه بلا فكر جديد و لا قوة جديدة فعليا؟ و اليسار مثل اليمين عند الكاتب محافظون..
و القيمة الجوهرية للكتاب بخلاف المعلومات الدقيقة، هي عـدم انكاره للتوصيف الثوري الشعبي برغم ان المسالة كذلك كانت تخطيطا امريكيا. ذكر القـناصة و ذكر الصراع بين امريكا و فرنسا و بين امريكا و بن علي اضافة الى تغير التكتيك الامريكي بفضل المقاومة العراقية الشرسة. إلا ان الكتاب يحمل بين ثـناياه ما يفيد ان الامور لم تسر وفق ما خطط له. ذاك ان الشعب انصهر فعليا في العمل الثوري بل الانتحاري لبعض الشباب من اجل تواصل الحركة الاحتجاجية. نعم. هناك شباب احرقوا انفـسهم بعد البوعزيزي لغاية اذكاء نار الثورة حين كانت تخبو بين الحين و الآخر. قيمة الكتاب انه لا يغيب المعطيات الداخلية التي تطلب بالفعل الديمقراطية و الحرية. لكن هذه المطالب تم تـشويهها بالفوضى المطلبـية و الاجنـدات الحزبية البعيدة تماما عن مطمح الحرية. جميع الاجندات الحزبـية..
" الغريب انه بعد اتمام عملية الانقلاب على بن علي و ترحيله الى السعودية من قبل المكلف بأمنه، تعرض جهاز الامن الرئاسي الى حملة مسعورة و هوجاء تهدف الى شيطنـته و الاساءة اليه و بث الاكاذيب و الاشاعات المغرضة.." و يمضي الكاتب في وصف الاحداث مع التحليل ليترك عندك فكرة مفادها ان الصراع الفعلي بين القوى الدولية قد بدأ فعلا يوم 14 جانفي 2011، و ان السيناريو الآخر الذي كان معدا هو قـتل بن علي مثلما حصل لدكتاتور رومانيا "تشاوسيسكو" و مثلما حدث لمعمر القذافي. السيناريو الاخير لأجل بث اكبر قـدر من الفوضى الخلاقة. و لكنه كذلك من اجل جر الشعب الى الاحساس بالذنب تجاه قـتل رئيسه. هذا الاحساس الذي بدوره يكون عامل فرقة اكثر بما انه يتجه بجميع الفاعلين الى الهروب الى الامام في العنف و التجزئة للوطن لتكون البلاد لقمة سائغة. اريد استعاضة الامر بالقناصة إلا ان دفاع التونسيـين عن احيائهم قطع الطريق امام الارهاب الكبير الذي كان معدا لتونس..
فالشعب ثار و لكن ثورته منـقوصة لأنه يريد الحرية و لكنه لا يمتلك مفهوما للحرية. اما بقية الكليشيهات السياسوية التي افسدوا بها الذائـقة السمعية فكلها و برمتها هي من ينخر البلد. هذا ما يمكن استخلاصه من الكتاب الجدير بالقراءة لجديته و صرامته و عـلميته و وقوفه موقف المسئولية التاريخية الكبرى امام مصير شعب..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح المجاعة في غزة


.. تشييد مراكز احتجاز المهاجرين في ألبانيا على وشك الانتهاء كجز




.. الأونروا: أكثر من 625 ألف طفل في غزة حرموا من التعليم بسبب ا


.. حملة اعتقالات إسرائيلية خلال اقتحام بلدة برقة شمال غربي نابل




.. بريطانيا.. تفاصيل خطة حكومة سوناك للتخلص من أزمة المهاجرين