الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من المستفيد من دروس التربية الإسلامية في مدارسنا؟

الطيب طهوري

2016 / 4 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هدف التعليم – كما هو مفترض - في أي منظومة تربوية هو بناء الفرد نفسيا وذهنيا وجماليا ليكون مواطنا صالحا واعيا ومسؤولا، يفهم واقعه وواقع العالم من حوله ، ويمتلك القدرة على تحليل أوضاعه ومناقشتها واتخاذ المواقف المسؤولة تجاهها ، والمشاركة من ثمة في بناء مجتمعه، و في تطور البشرية عموما ، بما يجعلها إنسانية التفكيروالسلوك ، تحافظ على كل ماهو جميل في الإنسان من قيم، وعلى كل ما هو جميل في الطبيعة نباتا وحيوانات وأشياء، وبمعنى آخر ، تحافظ على التوازن في وجوده البشري والطبيعي..لا بناءه ليكون كائنا إيديولوجيا تذوب ذاته الفردية في مجتمع القطيع، ومن ثمة تنتفي حريته الفكرية، وإرادته الخاصة، ويخسر مجتمعه القطيعيُ ذاك الاختلاف وتعددية الرأي فيه، ويبقى يراوح في نفس مكان تخلفه ، إن لم يتخلف أكثر - كنتيجة منطقية لكل ذلك - مقارنة بالمجتمعات التي تواصل تقدمها بخطى حثيثة..
من منطلق ما تقدم أجد نفسي ملزما بأن أقول بأن تدريس ما يسمى بالتربية الإسلامية لا يخرج بالمرة عن أدلجة التعليم في بلادنا، حيث يتم التركيز فيه على جعل عقول تلامذتنا ومشاعرهم تنبني على أنهم ينتمون إلى أمة هي خير أمة أخرجت للناس، وعلى أن دينهم هو أفضل ديانات العالم،وأنهم ملزمون بنشره بين الأمم بشتى الطرق والوسائل، وأن لهم الجنة وحدهم دون سائر الناس في هذا الوجود ، وأن مصير غير المسلمين النار ،وأن الناس في هذا لوجود صنفان لا ثالث لهما: مسلمون وغير مسلمين ، وأن الله مع المسلمين لا مع غيرهم..إلخ..إلخ.. وهي كلها أفكار تعمق فيهم ( تلامذتنا) ظاهرة الانتفاخ الادعائي بأنهم ينتمون إلى أمة هي في تصورهم خير الأمم في هذا العالم ، وهو ما تتنافى مع الواقع الذي يعيشون فيه، حيث مجتمعهم في ذيل ترتيب المجتمعات ، وفي كل ميادين الحياة، بما فيها ميدان الأخلاق الفاضلة التي يتبجح الناس فيه بأنهم أصحابها والداعون إليها، وهو ما يختلف مع الهدف من التعليم، بل يناقضه تماما، حيث يؤدي تدريس التربية اإسلامية في مدارسنا بهذه الطريقة إلى انغلاق عقل التلميذ فيها على نفسه، وحرمانه من ثمة من التفتح على الفكر الآخر المختلف، وتقليص مشاعره الإنسانية بشكل كبير،..
المؤلم أن الأفكار والمشاعر التي تبنى على أساسها عقول ومشاعر أبنائنا في المدارس هي نفس الأفكار والمشاعر التي ترسخها في الناس آلاف المساجد التي تتواجد في كل قرانا وأحياء مدننا، وفي صغار أبنائنا ملحقات تلك المساجد مما يسمى بمدارس تحفيظ لقرآن.. وبذلك يصير المسجد بما يقدمه من أفكار وما يشحن به الناس من مشاعر ، هي في الغالب مشاعر الكره والاحتقار للآخر المختلف فكرا ومعتقدا ، لا يختلف عن المدرسة فيما تقدمه لتلامذتنا..وهما بذلك يتحالفان في تعميق ذلك لانغلاق على الذات فكرا ومشاعر..كما يتحالفان في جعل التلميذ والمواطن في بلادنا، ومن ثمة المجتمع ككل ، يرفض الفكر الحداثي، بما هو فكر يركز على العقل أساسا في التعامل مع الوجود، ويتعامل مع الرأي من منطلق النسبي لا المطلق، ويحرص على دمقرطة المجتمع وتنظيمه ، وحرية الفرد فيه، ويحث على التعايش بين أناسه مهما اختلفت أفكارهم ومعتقداتهم وأجناسهم وألوانهم في إطارعلماني يتيح للجميع التفتح على بعضهم البعض ، والتعاون فيما بينهم لبناء مجتمعهم، مخالفا بذلك ما نراه في مجتمعنا من تضييق اجتماعي على حرية الفرد ،وحصر له في أحادية الرأي والمعتقد، ومناصبته العداء إن هو خرج أو حاول الخروج من حصاره ذاك..
غني عن القول أن تدريس الدين في منظومتنا التعليمية بالطريقة التي وضحت، بدل الانفتاح على مختلف الديانات الأخرى،ومن ثمة دراسة تاريخها، بما فيها الإسلام،والمقارنة بينها، لا يخدم في مجتمعنا إلا الطرفين المهيمنين ثقافيا وسياسيا فيه، أعني الإسلاميين والسلطة، الإسلاميين، بما تحققه لهم دراسة التربية لإسلامية في مدارسنا وآلاف المساجد في قرانا وأحياء مدننا من كسب مشاعر وعقول ومخيلات الناس فيها..والسلطة، باستغلالها ذلك التواجد الاجتماعي للإسلاميين لمحاربة فكر الحداثة، بشكل غير مباشر، باعتباره االفكر الذي يحدث التغيير الإيجابي في وعي الناس ويدفعهم من ثمة إلى تنظيم أنفسهم وممارستهم النضال ضد استبدادها وفسادها،(يكفي في هذا الإطار التذكير بموقف أغلب أساتذة التربية الإسلامية في مدارسنا الثانوية أثناء نضال أساتذتها من أجل حقوقهم المشروعة، حيث كانوا( أساتذة التربية الإسلامية) يقفون موقف اللامبالين، وحتى المحرمين لذلك النضال أحيانا)، وباعتبار الإسلاميين السلاح الذي تستعمله تلك السلطة لمنع تفتح المجتمع على الحياة،فكرا ومشاعر ومخيلات ،وهو ما يعني إبقاءه في جهله وتخلفه،ويأسه ولا مبالاته بما يحدث في واقعه من فساد يساهم هو ذاته في انتشاره أكثر،وفق فكرة الخلاص الذاتي التي تعني استعماله كل الوسائل ، مشروعة وغير مشروعة، للخروج من عالم فقره، وممارسة تدينه بشكل مفرط لضمان الجنة له في آخرته( هكذا يعتقد) ، وبعبارة أخرى تغييب عقله ومشاعره في عالم الآخرة من خلال تكثيف تدينه صلاة وصوما وحجا وعمرة، وتحجيبا ( أذكِّرهنا بحملات تحجيب الطالبات في الجامعات الجزائرية، بدل النضال من أجل الارتقاء بمستوى التعليم وتحسين ظروفه فيها) ،ورقْية أيضا،وأدعية ( أذكِّر هنا أيضا بقصاصات الأدعية التي صرنا نراها مكدسة على طاولات أبنائنا وبناتنا في مختلف امتحاناتهم في مؤسساتهم التعليمية)، هذا التغييب العقلي الذي جعل مجتمعنا لا يتحرك متظاهرا حتى ضد ما تمارسه القوى الأصولية المتطرفة من قتل وسبي و..و..في سوريا والعراق و غيرهما من البلدان العربية الأخرى، كما جعل الكثير من أفراده يشعرون بالفرح وهم يرون على الشاشات ما تقوم به تلك القوى من عمليات إرهابية ضد الأبرياء في عالم الغرب خاصة، وهو ما يؤكد على مدى ماصارت عليه نفوسهم من شح في مشاعرها الإنسانية، وما صاروا عليه من تغييب لعقولهم، ومدى ما وصلوا إليه من يأس وعجز وتخلف رهيب..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - واقع الحال
نور الحرية ( 2016 / 4 / 25 - 19:25 )
هذا ولم نصنف حتى ضمن القائمة الافريقية في ترتيب الجامعات ومع هذا يحرص المسؤولين عندنا وتقريبا كل هذا الغاشي المسمى شعبا على ادراج التربية الدينية ضمن المقررات الدراسية وكأننا ناقصين بلاوي.تحياتنا استاذ


2 - للأسف..ذاك هو وضعنا
الطيب طهوري ( 2016 / 4 / 30 - 11:02 )
هلا نور الحرية وشكرا جزيلا لك..
شعوبنا مغيبة في التدين بحكم جهلها ويأسها وانسداد آفاق المستقبل أمامها،وشعورها بالعجز التام عن تغيير أوضاعها نحو الأفضل، حيث السواد يعم وجودها،..إنها تعوض بتدينها المفرط عما تفتقده في دنياها من متع حياة، معتقدة أن تدينها ذاك يجعلها تضمن الجنة لتتمتع بما فيها من ملذات ( هكذا تعتقد)..
أنظمة الاستبداد لتي تحكمنا تسعد كثيرا بما عليه شعوبها لأن ذاك هو ما يسمح لها بالبقاء في كرسي الحكم..لذلك تحرص أكثر على جعل شعوبها تكثف من تدينها ذاك..
المثقفون الواعون بالحالة محدودو الوجود في عالمنا العربي الإسلامي وغير مقروئين أصلا إلا من قلة محدودة جدا جدا..لهذا سيتمر الوضع على حاله سنوات طويلة جدا جدا..ومع ذلك علينا أن نفتح لناا ولو شقا من بصيص في هذا الظلام الدامس...تحياتي

اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah