الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلطة الوضيعة

هيثم بن محمد شطورو

2016 / 4 / 26
المجتمع المدني


تـبا للسلطة و ألف تبا. رفض لهذا الكيان الجاثم على صدورنا ليل نهار. في الاخير هم اناس و ليسوا الهة. بأي حق يتسلطون و بأي منطق ينتهكون سلامنا الذاتي؟ تبا و الف تبا لأي سلطة على وجه الارض. هم اناس اشد وضاعة منا، و ان كانوا اكثر نبلا منا فبأي حق ينغصون علينا حياتـنا و يحاصرون مجالات حركتـنا و يسمحون لأنفـسهم ان يعلوا على الناس كما تعلو السحب على الأرض. يا لها من سحب كئيـبة لا خير في حجبها للشمس و لا خير يرتجى منها في غيث نافع.. تبا و الف تبا..
و يا لها من ايام رائعة ابتـدأت مع اشراقة 15 جانفي 2011. اشراقة نهار جديد انسلخ من ليلة عجيـبة غريـبة ملؤها الحيرة و الاحلام. ضجت فيها الآمال و تدافعت فيها دقات القلب.."بن علي هرب"، ليشرق يوم مشمس جميل. كان يوم اندحار الكآبة التي كانت تضغط على الانفاس و تخنق الوجدان و تسود الآفاق.. انا حر.. يعني. تبا للسلطة..
السلطة غائبة عن الشارع . البوليس غائب عن الشاعر. الامكان في تهديد سلامك الذاتي غائب عن الشارع. "لا خوف بعد اليوم"، " لا خضوع بعد اليوم". ما اجمل ذلك الاحساس. ان لا أخضع الى أحد. ان لا امنح لأي كان سواء كان وضيعا ام نبـيلا مؤشرات خضوعي و مؤشرات سيادته علي...
السلطة هي دوما أحقـر ظاهرة بشرية وجدت على الارض و ما الجنة المفقودة إلا انعدام السلطة. السلطة بكل مرموزاتها. حتى السلطة بما هي معرفة الخير و الشر. السلطة التي تـقمع سعادتي دوما. سلطة القمع هي الهدف المباشر لطالبي السعادة. صاحب السعادة هو ليس بصاحب السلطة بل صاحب الثورة على السلطة. ما من وضاعة بشرية إلا نـتاج السلطة و التسلط..
التـفكير التأملي يأخذ العقلاء الى بناء معادلاتهم في مملكة العقل، بينما الوضعاء الغرائزيون السفلة كما يلتهمون قطعة اللحم بأشداق منـتـفخة، انـتـشروا في الارض لينهبوا ما وجدوا.. حتى اخلاق بنو ربيعة تأبى ذلك، اما الطائيون فهم يشمئزون من كل غنم قائم على الاغارة و هم في كل الاحوال مقبلون على العطاء اكثر من اقبالهم على الاخذ. هؤلاء البدو الجدد مسخ مشوه للبداوة الحرة النبيلة بقيمها و شعرها و فخرها و افتخارها.. أفسد علينا قطاع الطرق سلامنا الذاتي. أفسد علينا اغلاق المصانع سلامنا الذاتي، و برغم ان الامر لا يقاس بما تعنيه الثورة، الثورة بما هي صورة جديدة للعقلاء، فهي انفجار الرغبة و الشهوة عند السفلة.. هكذا سارت الامور شيئا فشيئا نحو طلب العقلاء الثوريـين انفسهم عودة السلطة الى الشوارع..
المدينة هي "بوليس" باللغة اليونانية و بالتالي فلا حديث عن مدينة بلا بوليس. بدأ البوليس يرجع و الحركة بدأت تدب في اروقة العقلاء نحو سلطة مهذبة غير منفلتة. سلطة تمارس سلطتها على الوضعاء دون النبلاء..
لكن ما اتعـس ان يرتدي بعض الوضعاء اردية النبلاء و يزاحمونهم بلغة وضيعة و يفتـكون السلطة منهم.. عملية ارتـداد اخرى نحو قـتل السلطة و لكن ليس بإرادة ممتلئة متيقـنة من ذاتها.. ذاك ان الوضعاء الواضحين قـد تحالفوا مع الوضعاء المتـنكرين بأقـنعة النبالة..
و ها نحن اليوم مازلنا في قلب هذا التـناقض نعـيش. يا للفزع. يا للريـبة. الجميع يتساءل: ماذا يريد هؤلاء ان كانوا يعلمون انهم ليسوا بما تـفـترضه مفاهيم السلطة الجديدة من نبالة فلماذا جروا انفـسهم الى ما لا يستحقون و الى ما لا يقدرون؟ ماذا يفعلون و لماذا هم موجودون؟ ماذا يقولون و هل حقا يعتـقـدون في ذكائهم و نجاعة ما يقـترفون؟ خائفون مرتعبون فلماذا لا ينسحبون؟ اليست لهم حتى شجاعة الانسحاب؟..
اما العقلاء فيدركون جيدا ان المسالة ليست بهذه البساطة. السلطة ليست فكرا او صورة او مشروعا كليا او روحا كليا بالنسبة للوضعاء و انما ثروة و جاه و زينة لقبح داخلي. اما النبيل الجميل في ذاته فهو ينسحب بهدوء لان ثـقـته في نفـسه يستمدها من ذاته و امتلائه الداخلي الذهني أساسا ذاك ان النبيل مفكر. نصف شاعر و نصف روائي و نصف فيلسوف و نصف نبي..
لكن بما انه نبيل فان امور السلطة حين تؤول اليه فهو في كل الحالات سيجد اجابات لمطلب السلطة. السلطة بما هي في جوهرها خلق المناخ الآمن و فتح الأفاق امام الشعب ليرتـقي الى انسانيته الجوهرية. الفكر بما هو فكر باستطاعته و بسهولة ان يعطي اجابات لهذين المطلبـين الجوهريـين في حياة الشعوب. الصراع بين النبلاء حول الدرجة اي في الكم، و حول سبل البحث عن الامكانات الأكثر اي عن الكيف.. اما الوضعاء في السلطة، الغرائزيون، التي تكون السلطة عندهم ثروة شخصية و ليس عامة، فان المسالة تختـلف.
لا يكمن الاختلاف في النوايا، فقد تجد النوايا الطيـبة بل التي تصل حد السذاجة عند احقر خلق الله. المشكلة الاساسية في القدرة و بالتالي في الانجاز. القدرة التي تعني في جوهرها الارادة و الارادة بما هي تصور و التصور بما هو فكر و نظر و خطة شاملة. نحن لسنا آلهة لنبحث في النوايا..
الوضيع هو عديم الفكر و ليس التـفكير. التـفكير الغرائزي ليس فكرا و انما انعكاس مباشر للأحاسيس. الفكر عقل يتجاوز نفـسه باستمرار ليلتـقي بذاته و قد ارتفع بها اكثر فأكثر نحو العقلاني. اما الاوغاد فهم يأكلون و يروثون و ينكحون و لا يفكرون إلا في تلبـية احتياجات هذه الدائرة المفرغة و تكون السلطة و الوجاهة قـناعا انسانويا يخفي سقوطهم الوجودي في العالم السفلي..
الوضيع يخاف تكسير القيد الذي يحكم ربطه بجدران الكهف لان ضوء الشمس يرعبه و نور الله يرعبه. اشد ما يرعب السفلة هي الحقيقة لذلك كانت الفلسفة عدوهم الازلي. لذلك كان تاريخ السلطة هو تاريخ تسلط الاقزام و السلاحف.من ترعبه الحقيقة لا ترعبه امكانات انسانيته التي عجز عن تـفجيرها من اعماقه فقط، و انما يرعبه عدم الايمان الذاتي بعجزه الذاتي. من يؤمن بعجزه كيف له ان يحكم شعبا يتطلع الى مناطحة السماء بينما حاكمه كالنعامة يغرس رأسه في التراب دوما؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح المجاعة في غزة


.. تشييد مراكز احتجاز المهاجرين في ألبانيا على وشك الانتهاء كجز




.. الأونروا: أكثر من 625 ألف طفل في غزة حرموا من التعليم بسبب ا


.. حملة اعتقالات إسرائيلية خلال اقتحام بلدة برقة شمال غربي نابل




.. بريطانيا.. تفاصيل خطة حكومة سوناك للتخلص من أزمة المهاجرين