الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين إسلام مكة وإسلام المدينة

راغب الركابي

2016 / 4 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




هناك ثمة فارق وثمة معنى مختلف بينهما ، فهناك في مكة كانت النبوة ، وكان الوحي ، وكان الإسلام ، وكانت الروح المنفتحة الغير مكابرة ، وهناك كان العلم وكان التفكر والتدبر ، وفيها كانت النظرية التي نتغنى بها ونفاخر .

ولاشك إن الجدل اليومي الذي يدور بين مفكرين حول الإسلام عن عقيدته وعن شريعته ، ذلك كان دافعي للكتابة لبيان معنى الإسلام أين ؟ وكيف ؟ ، وهذا الأمر دعاني لتوضيح الخلاف بين النموذجين أو قل بين التجربتين ، أعني تجربة مكة بكل نزاهتها وتجربة المدينة بكل ما أحيط حولها من لغط ومُخالفات ، ولأن هذا الأمر يتقاطع مع الواقع كان علينا لزام تبيان مفاهيم كلا التجربتين ، وأين يقف مسلمي اليوم ومع من منهما ؟ ، فداعش وقبلها القاعدة قدمت تجربة مُرة وشديدة الظلام عن الإسلام ، وهي ترفع على علمها الرسمي شعار - لا إله إلاَّ الله محمد رسول الله - هذا الشعار المُربك ، والذي يجر شباب وشابات الأمة إلى السير تحت هذه الرآية ، ولأنني مؤمن بأن الإسلام لازمه إيمان بالنبوة كونها المفتاح ، والنبوة هي اللحظة التي يلتقي فيها الله مع من يصطفيه من العباد ، والنبي حين يُمارس دوره يرتبط بالإنسان المجرد الغير منتمي والغير مُحزب والغير مكفول بعشيرة أو نسب ، ولأنها دعوة عاقلة ترتبط مع روح الإنسان لذلك تشكل النظرية بكل ما فيها من قيم ومُثل ومبادئ وعلم ونظر ومحبة ، وهذا الشيء لمسناه في الكتاب المجيد وما توفر لدينا من بعض الوثائق الصحيحة لمرحلة مكة .

وما من شك إنني ميال لتلك الفترة ولتلك المرحلة من تاريخ الإسلام ، معترفاً بفضلها العالمي ودلالتها التي تُمثل عندي تلك النظرية الغير مُدنسة بألاعيب السياسة والسياسيين ، إذن فهي المثل عندي والذي أعترف به إنه يُشكل قناعتي الأبدية عن معنى الحق والخلق والإسلام والإيمان .

لكن الأمر جدُ مختلف هناك في المدينة ، حيث تيار السياسة وما يجري فيها من أهواء ورغبات وألاعيب غير مسؤولة ، تجعلني أقول إنها تجربة مُرة طفح فيها رجال من الصف الثاني والثالث ، ومن هم من الفئة الباغية ليكونوا قادة وزعماء ومنظرين وأصحاب وجهات نظر ، في المدينة برز المفهوم الديماغوجي لمعنى – أصحابي كالنجوم بأيهم أقتديتم أهتديتم – ، وبرز معها وساد مقولات عن - عدالة الصحابي - ، وتنامى مفهوم الوصية والتوريث والحاكمية المطلقة ، والتدريب الذهني للقبول [ بالدكتاتورية ] في ظل مفهوم – الحاكم العادل – ، وجرى في المدينة التطبيق القهري لنظام الحدود ، ذلك النظام الذي مزق معنى الإسلام وعدالته وجعل من النظرية المكية مجرد كلام لدى المتلقي ، في المدينة تشكل لدينا الدين التاريخي دين الرجال وعبادة الرجال ، وضاع من الأفق مفهوم النبوة ، وساد بدلاً عنه مفهوم الرسالة ، مع إنها الشيء الثانوي المرتبط بالإيمان وليس الشيء الأولي المرتبط بالإسلام ، أعني تراجع النبوة في مقابل الرسالة .

ولهذا يُطلب من الذي يدعونه للإسلام أن يشهد لمحمد بالرسالة دون الشهادة له بالنبوة مع إنها هي الأصل ، ولا يخفى إن بين النبوة والرسالة فارق مفهومي ، يدلنا على ذلك الفارق الجدلي بين الإسلام والإيمان ، فالنبوة هي الإسلام ويعني ذلك إنها النظرية ، وأما الرسالة فهي لمن آمن بمحمد رسولاً وفي الرسالة حدث التطبيق ، الذي لم يكن لمحمد فيه نصيب واضح غير كلام منسوب ، وسوى تلك الإملاآت التي يُقال إنها له ، وعندنا شك في ذلك كبير ، ولم يعتن المسلمين بالمرحلة المكية إعتنائهم بمرحلة المدينة ، بل ولم نجد في كتب الأخبار وفي الصحاح المزعومة ، ثمة هامش يمكننا التعويل عليه ، لكن الصحاح المزعومة مليئة بأخبار الرسالة ، وكما تدرون إن كتابة هذه الأخبار جاء لاحقاً ، وقد ركز خلفاء بني أمية ومن تبعهم على أخبار الرسالة أي أخبار المدينة ، متناسين عن عمد أخبار النبوة .

ومن هذا المنطلق نقول : إن بين النظرية والتطبيق فارق كبير في الإسلام ، هذا الفارق نقول به بين إسلام مكة وإسلام المدينة ، وما عندنا اليوم هو إسلام المدينة الذي فيه الحاكمية والسياسة والسلطة والمال والذبح والقتل والسبي ، إسلام المدينة أسوء مرحلة يمكننا تخيلها ، ولهذا هجرها علي بن أبي طالب إلى الكوفة ، على أمل أن يجد الشيء المختلف والجديد والمُغاير ، لكن المسلمين هم المسلمين هم نتاج بناء المدينة ، وليس من نتاج فكر مكة ، ولهذا خسر الرهان عليهم ، كما نخسر اليوم كل معاركنا ، طالما تحكم فينا ويتحكم إسلام المدينة بكل ما تعنيه تلك الكلمة من ظلم وتعدي وإستباحة دماء ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج