الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحطيم عبادة الأصنام العربية في الحالة المعاصرة

عماد صلاح الدين

2016 / 4 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




هناك كثير جدا من الموروثات، وما يبنى عليها في الدين وفي الاجتماع وفي السياسة، وحتى ما يُعتبر لدينا أخلاقا وثقافة، هي عبارة عن حالات صنمية، تعبد - هكذا اعتباطا- وتقدس، دون توقف بخصوصها، إن كانت عقلانية أو منطقية، وبالتالي تقع في صحيح الأخلاق والدين السماوي.

هذه الصنميات، هي موروثات ضعفنا في الحياة، في أكثر من جانب إلى درجة الشمولية، وهي تعبّر عن الضعف، على شكل اعتذاريات نلوكها ليلا ونهارا، ولا نفهم لها معنى أو جانبا معتبرا في الحضور، وإذا ما توقف احد فينا، ولديه توازن، يعطيه تصورا من العقلانية، قامت الدنيا عليه ولم تقعد، لأنه مس محرّمات أو مقدسات أو دين أو عظيم أخلاق.

عند المناقشة بالخصوص أعلاه، وبما يقبله العقل والمنطق، وبإثبات تلك الخزعبلات الصنمية واعتذارياتها، يجري، ودون رد عقلي أو منطقي، أو حتى بسلامة السجية، التمسك بها، والعمل على إقصاء أو محاولة نبذ، من يحاول إثبات عبثيتها ولا فائدتها، وأثرها في استدامة جهلنا وفقرنا ومرضنا وتأخرنا، عن كل تقدم، في غير ناحية، من نواحي الحياة، وعليه تجد ما يلي في السياق أعلاه:

1- يتم اعتبار كثير من تصرفات وأعمال وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعه أعمال وتصرفات الصحابة، كمرجعية قداسة، يجب أن تستمر مع الناس إلى يوم الميعاد؛ مع أن حياة الرسول وحياة الصحابة، في الإطار الدنيوي، هي تخصه وتخص الصحابة والمجتمع، في ذلك المكان وفي ذلك الوقت من الزمان؛ أي أنها أقوال وسلوكيات دنيوية، تجري عليها ما يجري على البشر، من حالات المحاولات، وبالتالي الصوابيّة والخطأ، كما تجري عليها النسبية والمناسبية بهذا الخصوص؛ فكثير من المتدينين طقوسيا إلى درجة التوثّن والوثنية، يريدون إسقاط سلوكيات واجتهادات واجتماعيات، وحتى ثقافة على زمننا المعاصر، وبتصوري أن هذه علة، قد جرى تداولها، عبر تاريخ المسلمين، لمدة قرون متطاولة، عبر مرجعية الإجماع أو إجماع الأمة، أو هي إجماع بعض المجتهدين والعلماء المسلمين في أزمان غابرة من تارخ المسلمين، وهي ما أدت إلى جمود وتكلس، ومن ثم ارتكاس وتراجع في حياة المسلمين، أدت إلى تفوق أمم كثيرة عليهم، في جوانب العمل الإنساني، في غير جانب.

إن التدين الطقوسي والشكلاني، يريد إيقاف الزمن الإنساني والحضاري عند لبس الجبة والعباءة أو الدشداشة العربية القديمة، التي كانت موجودة ليس بفعل الدين وإنما بفعل العادات والتقاليد والبيئة الصحراوية والاجتماعية، ويريد هذا التدين اعتبار إطلاق اللحية معيارا على الالتزام بالإسلام، ويريد خلق ألف ألف تفصيلة، بناء على تفاصيل حياة من كانوا قبلنا، والذين كانت لهم ظروفهم المعينة في أزمنتهم الماضية؛ لا اعرف تفسيرا عقلانيا واحدا يدلني لماذا اللحية هي دليل وجود الإسلام الشخصي والحضاري، ويتم التدخل بالطريقة الطقوسية الوثنية في كل تفاصيل شخص الإنسان وحياته؛ في كيف يقص أو يهذب شاربيه، أو هل يحلق الإبط حلقا أو ينتفه نتفا، أو ما يتعلق بخصوص العانة، أو حتى المبالغة في طريقة قص الأظافر، أو حلاقة الشعر، وما إلى ذلك.

2- يتم الخلط بالخصوص أعلاه ما بين حياة الناس العادية المادية وظروفها ومعطياتها وتداخلاتها وتعقيداتها؛ بحيث يكون هناك ملايين المتغيرات وملايين الأحكام، دون أحكام نهائية، ودون حالات ثابته، وما بين الحديث عن مرجعية منظومة قيم وأخلاقيات ومُثل هادية للناس، في أساس دنياهم وآخرتهم، تتعلق بوحدانية الله عز وجل، وبحرية الإنسان وكرامته، والمساواة ما بين الناس كانسان، والسعي النموذجي في إحلال العدل قدر الممكن، وأيضا بحسب الحالات والظروف والزمان والمكان والمبررات والأسباب وغير ذلك. إن الدين حالة نموذجية عليا مطلقة، من ناحية الروح والأخلاق والضمير والإنسانية، تظل كإطار مخفف وملطف، من طبيعة الحياة المفتوحة، باحداثها وتقلباتها وكبديتها وصعوبتها؛ ولذلك كانت نعمة العقل والاجتهاد والتفكير والتأمل، لحل مشاكل البشرية المتجددة عبر الزمان والمكان، يقول الجاحظ: إن العقل وكيل الله على الأرض.

3- لا اعرف كيف يمكن للدين الإسلامي أن يكون دينا عالميا ولجميع الناس، والمسلمون خصوصا في العالم العربي، يريدون للشعوب الأخرى في الشرق والغرب، وفي كل مكان وزمان، أن يلبسوا نفس لباسهم، وان تكون ثقافتهم وخصوصياتهم في الحياة، نفس ثقافة وحياة وخصوصيات العرب المسلمين، والمسلمين بشكل عام، وربما يريدونهم تناول نفس الأطعمة، وممارسة نفس الممارسات الاجتماعية، وبغض النظر عن التنوع والاختلاف الكائن بالطبيعة، والذي أقرته الديانات كلها، بما فيها الإسلام نفسه؛ يريد كثير من الإسلاميين أن تلبس الفتاة أو المرأة اليوم الحجاب ولباس المرأة الذي كان في الجاهلية العربية أو في الإسلام، والذي لم يغيّره الإسلام؛ لأنه من قبيل ما هو موجود في ذلك الوقت من لباس وأشكال مظهرية أخرى.إن رسالة الإسلام والديانات السماوية أعلى واجل، من أن تتدخل في تفاصيل إنسانية واجتماعية، لا تمس جوهر الإنسان وحريته وكرامته، وتخليصه من كل عبودية أخرى لغير الله، وتمنع الظلم منه أو عليه. المشكلة انه، في ظل سريان الحالة الطقوسية والشكلية للدين، يتم إما المطالبة باعتماد شكليات حضور إنساني واجتماعي غابرة من القرون الماضية، أو المطالبة باعتماد اجتهادات اجتماعية وثقافية، بُنيت نتيجة ذلك التصور التدخلي، وينسى المتدينون أصل الطلب أو الدفاع في أساسات وأولويات الدين التي هي أولويات الإنسان في آخر المطاف؛ لان الإنسان هو المحتاج، وليس رب العالمين، لكي نغرق أنفسنا في وثن، لا داعي له، ولا ضرورة.

4- يعتقد بعض المتدينين أن النجاة والفوز في الدنيا والآخرة، هو في الإكثار أو في المسابقة الماراثونية، في عدد التسبيحات أو الصلوات، و في من يصوم أكثر، ومن يقوم الليل ازيد، وبجعل التراويح – ربما- ركنا ركينا من الإسلام؛ مع أن الأخيرة كانت مسألة اجتهادية من عمر بن الخطاب في كيفية قضاء الوقت، أو في الترويح عن النفس بعد الإفطار في يوم الصوم من شهر رمضان المبارك، وينسى المتدينون أن الإسلام هو إيمان وعمل ثم عمل ثم عمل؛ لأجل رفع قواعد وبناء المشروع الحضاري في الإسلام، وفي الإنسانية، وفي عموم الديانات، وان الإنسان يُقاس تطوره وتقدمه – كذلك- بمدى تحمله وصبره، على حمل الأعباء وأداء الأعمال، وتقديم التضحيات؛ لأجل نهضته، ونهضة الآخرين، ويقاس – كذلك- بمدى إنسانيته، ودفاعه عن حقوق الإنسان، والانضباط بالقانون، والخضوع للعدالة، والامتناع عن ظلم الآخرين، واخذ حقوقهم ومقدراتهم ومكتسباتهم؛ قسرا، أو غصبا، أو عن طريق تطهير عرقي أو إبادة، أو عن طريق ترحيل وتهجير؛ وينسى المتدينون أن شعائر الدين الأديان هي فقط لتدريب الإنسان على الانضباط لتحقيق مصالحه، من خلال انشغاله بما هو مفيد له وللآخرين، وتحقيق منع الظلم والاعتداء عليه وعلى الآخرين، وهي إعداد ضمن الإطار العام للانضباط والالتزام الكلي؛ لتكوين شخصية ومجتمع قوي وواع وقادر، على الدفاع عن نفسه، في وجه أي اعتداء وظلم، أيا كان مصدره وشكله وأدواته، ولذلك المسلم الحق والمؤمن الحق في كل الديانات، الذي لا يعبد طقوسا، ولا يعبد أشخاصا، بمن فيهم الأنبياء والمرسلون والصالحون والملائكة، ولا الملوك ولا الرؤساء، ولا غيرهم، وإنما هو – باستمرار- الذي يسعى لعمارة نفسه وعمارة الآخرين والحياة، بمجالاتها المختلفة.

5- يغيب عن الإسلاميين، أو هم لا يريدون فهم، أن الحياة والدنيا لها نواميس وقوانين؛ من قام عليها باحثا وعاملا ومجتهدا، وبغض النظر عن دينه وعرقه ولونه ومكانه وزمانه، فسيتفوق حتما حتى ولو كان في مقابله هذا المتدين أو المسلم أو أي إنسان آخر، وتحدث هذه النتيجة الشبه حتمية؛ ذلك لان المتدين على النحو الشكلاني والطقوسي والشخصاني، من خلال مرجعية الشيخ أو مرجعية بعض الفقهاء، في عصر من العصور؛ كابي حنيفة و الشافعي والمالكي أو ابن تيمية أو غيرهم كثر؛ وهؤلاء جميعهم بشر، يجري عليهم ما يجري على غيرهم من ظروف وأحوال وقدرات وظروف شخصية خاصة، وبحسب الزمان والمكان، وحتى البيئة والطبقة الاجتماعية، من جديد سيعمد مثل هذا الإنسان إلى التواكل والتطرف، وفهم الدين بطريقة مغلوطة، تذهب بعيدا في الغيبيات والأحلام والتهويمات والاستغراق في الحديث عن السحر والسحرة والجن وعذاب القبر والتركيز والمبالغة في الحديث عن النار والعذاب وجهنم وتكفير الآخرين وغير ذلك، دون أن يكون مجال النظر في التركيز على الإنسان والتفكر فيه وفي الحياة والكون، من خلال البحث والتجريب والتطوير. يحدث بسبب ذلك السير المغلوط حالة من التناقض عند الناس، بمن فيهم النخب الدينية بين ما هو معتقد وبين ما هو متحقق من تراجع وفشل؛ لذلك أرى كمشتغل في علم الاجتماع، بالإضافة إلى فروع علمية أخرى مرتبطة كيف أن الناس تكفُر بالإله وبالدين، من خلال أقوالها وأعمالها، وفي محادثاتها مع بعضها البعض، بطريقة اقرب إلى الانفجارية والتلقائية، النامّة عن مدى الإحباط واليأس والسخط لديهم، مع أنهم يقولون عن أنفسهم أنهم متدينون ومحافظون.

6- في كل الأديان، يجري الحديث الحقيقي والمركزي، في توصيف الفاعلية الحضارية الشخصية والمجتمعية، وعلى صعيد المكون النهائي للأمة؛ عن المؤمن الذي يركز على جوهر الدين الأديان، وعلى جوهر الإنسان، وعلى جوهر الحياة، وحتى على جوهر الآخرة، والتي تعني ككل، الرقي والتقدم وزيادة الوعي والإدراك، وبالتالي زيادة الدرجة والمرتبة الدنيوية والأخروية؛ بما قدم الإنسان من أعمال تطوّره وتطوّر الآخرين؛ في حريته وحرياتهم، وفي منسوب كرامته وكرامتهم، وفي الدفاع عن نفسه وعن الآخرين، في وجه أي ظالم وظلم، وفي ردع المعتدين وأفعالهم وشرورهم، في سياقية من الاحتمال والصبر والحقية؛ عندها يتفوق المؤمن على من سواه من المتواكلين المتدينين منهم والمتطرفين أو المعتدين الظالمين، حتى ولو امتلك هؤلاء الظالمون كل مقومات القدرة الإعدادية والمادية والفاعلية اللازمة لذلك؛ ذلك لان المؤمن المؤمنينيزيد/ يزيدون عنهم، بالإضافة إلى اعداديتهم وجهوزيتهم الحياتية، باعداديتهم وجهوزيتهم الإيمانية والحقية والإنسانية التي تعلي من شأن الإنسان ورسالته في الحياة، على عكس التصورات المادية الأحادية والواحدية التي تجعل الإنسان كشيء من الأشياء، وتحوله إلى وسيلة من الوسائل، وعلى حد تعبير الراحل الدكتور المرحوم عبد الوهاب المسيري بِ (الحوسلة).

7- كذلك، يتم التعامل مع القرآن الكريم، من قبل المسلمين والمتدينين منهم بالممارسة العملية، على أساس انه كتاب روحاني فقط، مع أنهم يعلنون ويقولون انه كتاب صالح لكل زمان ومكان ولكل الناس. القرآن الكريم وكل الديانات التي سبقت، كانت تنزل في سياقين روحي إرشادي كمنظومة قيم وتوجيه أخلاقي، و مادي حياتي بما يتناسب معهم كبشر، في مختلف ظروفهم الحياتية، ولذلك نجد القرآن في معظمه داعيا إلى التفكر والتبصر في النفس والمخلوقات، وفي الدنيا والكون، والى الحديث عن الإنسان وحقه المقدس في الحياة والكرامة، وبأنه خُلق في أحسن تقويم؛ أي أن القرآن والأديان واقعية بخصوص الناس، وهي كموجّه في الروحانية والمادية، تتحدث دائما عن النسبية المفتوحة في المجال الإنساني كله، وليس فيهما أي اتجاه نحو الايديولوجيا المغلقة أو المذهبية المغلقة أو العرق الأرقى والأميز، وليس فيهما التركيز الغالب على الشعائر كجوهر، وإنما المرور باتجاهه كمظهر؛ من باب الديكور الانضباطي والالتزام التذكيري، من خلال جوهره الروحي الباث في الإنسان، منظومة الحراك المتكاملة، في الإيمان والعمل والصبر والحق والأمل.

لا يجوز بحال من الأحوال، أن نحيل الشكل والشعيرة إلى جوهر، وننسى - في المقابل- جوهر الروحانية، وجوهر الاحتياجية؛ لبناء إنسان الحضارة، الراقي والمتقدم، ونعتبر كلّ ذلك مجرد مظهر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي


.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ




.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة