الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا خروج لنا من تخلفنا إلا بانفتاحنا على الحياة وتفاعلنا مع بعضنا البعض

الطيب طهوري

2016 / 4 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


1- تقدم المجتمعات أو تخلفها في السياسة والاقتصاد وما إليهما لا علاقة له بالدين في حد ذاته..التقدم أو التخلف نتاج العقل أساسا..تخلف المجتمع عقليا يؤدي بدوره إلى توظيف الدين بشكل يكبح ذلك العقل ويمنعه من التفاعل مع الفكر المختلف ومن ثمة من الاستفادة منه ومن نقده لذلك التخلف أسبابا ونتائج، بل ويدفع المجتمع إلى مناصبتهما العداء ( الفكر المختلف ونقده)،والتعامل مع ممثليهما على انهما أعداء يتهمهما بالعمالة تارة، ومعاداة الدين أو الإلحاد تارة اخرى،و..و..وينفر الناس بذلك منهم ومن فكرهم ونقدهم..وهكذا تبقى الأوضاع على حالها، إن لم تزدد سوء مع توالي الأيام، حيث ينتشر اليأس وتعم اللامبالاة والفساد، وتنحط الأخلاق..إلخ..هذا يعني أنني عندما أتحدث عن الواقع الديني في مجتمعنا وانتقد فكره وممارساته اكون قد تحدثت عن الفهم السائد للدين في هذا المجتمع ،أعني فهمه المتخلف الذي هو نتاج حتمي للعقل الجمعي المتخلف، يقول في هذا الإطار سمير أمين: (المجتمع المتخلف يفهم دينه فهما متخلفا)، هو يقصد بالتأكيد ذلك النخلف العقلي أساسا..هنا يطرح السؤال: كيف نجعل يا ترى من هذا العقل المتخلف عقلا متقدما ، أي عقلا واعيا مسؤولا يمتلك القدرة على فهم واقعه وواقع العالم من حوله بموضوعية بعيدة عن التشنج والاتهام والعداء للمختلف والتعصب..إلخ..كيف نجعله عقلا ينفتح على الاخر المختلف فيستفيد من فكره وتجاربه ويوظف كل ذلك فيما يجعله يتقدم فعلا، ويساهم مجتمعه من ثمة مع المجتمعات الأخرى في تقدم البشرية وتحسين أدائها السياسي والاقتصادي والأخلاقي بما يقرب بين الشعوب ويجعلها تراعي المصالح المشتركة بينها وتحافظ على توازن علاقاتها بعيدا عن الصراعات المضرة بها،كما تحس بمسؤوليتها تجاه الأرض لتي تعيش فيها فتحرص أكثر على المحافظة على توازن الطبيعة فيها وتحميها من كل الأخطار المحدقة بها؟..
2- في تصوري،لايمكن تحقيق ذلك إلا بالشروط الأساسية التالية:
أ- الاهتمام بالتعليم وجعله أولوية الأولويات في اهتمام المجتمع، والتركيز فيه على بناء عقل الفرد ليكون مواطنا صالحا فعلا، واعيا ومسؤولا، وذلك على غرار ما هو ملاحظ في اليابان وماليزيا مثلا،حيث نجد هذه الأخيرة تخصص ا كثر من خمس ميزانيتها السنوية لقطاع التعليم ولتطوير مواردها البشريةإدراكا منها ما للتعليم من دور في تقدمها وبناء الفرد المواطن فيها، وهو الاهتمام الذي بدأنا نلاحظه في دولة الإمارات العربية المتحدة..
ب- في إطار الاهتمام بالتعليم يجب التركيز على تحبيب المطالعة للناشئة ، وجعلها غذاء يوميا ضروريا للفرد في مجتمعنا لا يختلف في شيء عن تغذية جسده بالأكل والشرب، والتركيز في تلك المطالعة على التنوع المعرفي وقراءة المختلف أساسا، مع دفعه أكثر إلى قراءة نقد فكره وواقعه،ذلك أن تلك المطالعة هي التي تنمي عقول أبنائنا المتمدرسين بما يجعلهم أكثر قدرة على الفهم والتعبير والنقاش الجاد العميق،كما أنها هي التي تحقق التركم المعرفي للأفراد بما يجعلهم أكثر وعيا بواقعهم وبالعالم من حولهم، وأكثر قدرة من ثمة على التنظيم والنضال ضد كل ما يعيق المجتمع ويمنعه من التقدم في شتى مجالات الحياة سياسيا واقتصاديا وثقافيا وأخلاقيا، سياسيا كان ذلك المعيق أو اجتماعيا أو ثقافيا أو أخلاقيا أيضا، وهي التي تجعلهم أكثر شعورا بمسؤوليتهم الاجتماعية ، وأكثر يقظة ضمائر، وأكثر إنسانية عموما..
ج – وجوب تواضع الإسلاميين أحزابا وأفرادا– إذا كانوا يريدون الخير لمجتمعهم فعلا – وتقديم أفكارهم ومشاريعهم الاجتماعية والسياسية ولاقتصادية باعتبارها مشاريع بشرية أنتجها فكرهم وفهمهم للإسلام، لا مشاريع يوحون بها للناس على أنها هي الإسلام ذاته، ومن ثمة عليهم تقبل مناقشتها ونقدها والاعتراض عليها فكريا من قبل المختلفين عنهم فكرا ومعتقدا،دون اللجوء إلى اتهامهم وتنفير الناس منهم..وبعنى آخر، عليهم أن يتقبلوا فكرة أن الإسلام في الواقع العملي هو فهومه، وأن فهومه لا يمكن أن تكون إلا متعددة، وأنه لا يحق لأصحاب أي فهم منها لادعاء بأن فهمهم ذاك هو ذاته الإسلام، كما عليهم أن يدركوا أن ذلك الادعاء وما يرتبط به من ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة لا يؤدي إلا إلى التعصب والصراع المذهبي وتفتيت المجتمع وتحريفه عن النضال من أجل قضاياه االحقيقية، قضايا الحرية والعدالة والديمقراطية والخروج من التخلف ومحاربة الاستبداد والفساد..إلخ، والكف عن تنصيب أنفسهم أوصياء على عقول الناس ومشاعرهم وضمائرهم ،والممثلين لله في أرضه..
د- وجوب تقبل المجتمع بكل قواه للتعددية الفكرية والمعتقادية ، واعتبار المختلفين فكرا ومعتقدا مواطنين لهم ما لكل المواطنين الآخرين من حقوق، وعليهم ما عليهم من واجبات، دون أي تمييز على أساس الفكر أو المعتقد أو الجنس أو اللون أو المكانة الاجتماعية، ذلك أن هذا القبول والتعايش بين الجميع في إطار حب الوطن ولعمل متكاتفين معا من أجل تقدمه هو الوسيلة الأساسية التي تحد من التعصب الأعمى والصراع المجال واسعا وبشكل سلمي مسؤول لتعددية المشاريع الاجتماعية وتنافسها ونقدها لبعضها البعض بما يدفع إلى العمل إلى إعادة النظر فيها وتحسينها بشكل مستمر حتى تكون أفضل،كما تفتح لباب على مصراعيه للنقاش المتزن،المسؤول والموضوعي - دون أي خلفيات مسبقة – وهو ما سيرفع حتما من مستوى وعي الناس وإدراكهم وقدرتهم على اختيار المشاريع الأرقى والأكثر قدرة على التجسيد ميدانيا ، كما سيعيد الأمل لهم في مستقبلهم الأفضل، ويخرجهم من لا مبالاتهم ويأسهم..
يمكننا ،في هذا الإطار، الاستفادة من التجربة الماليزية، يقول محاضر محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق: (أن تجربة النهضة في ماليزيا كانت صعبة نظراً لتعدد الأعراق داخل المجتمع الماليزي، ولكن رغم ذلك قرر الجميع أن يضع خلافاته جانباً ويهتم بنهضة ماليزيا)..
أضاف: (رغم وجود العديد من الديانات المختلفة بها إلا أن الجميع شارك في التنمية وسياستها وابتعدوا عن الخلافات السياسية)، مشيراً إلى (أن العمل على تكوين التحالف بين القوى السياسية في ماليزيا من العوامل الأساسية التي أدت إلى نهضتها)..
وهو ما يعني أن تقدم ماليزيا يعود أساسا إلى بناء الفرد فيها على أساس أن يكون مواطنا حقيقيا ،وليس كما يدعي الإسلاميون عندنا أن تقدمها ذاك يعود إلى تطبيق الإسلام الصحيح، إذ الحقيقة تقول بأنه لا يوجد إسلام صحيح وآخر غير صحيح، بل يوجد عقل متقدم في وعيه ينظر إلى أمور الحياة بموضوعية، يفكر ،يدرس ، يحلل ويناقش بعمق ،ويجد الحلول لمشاكله وأزماته وما يتعرض له من تحديات داخلية وخارجية، أو عقل متخلف في وعيه، يعجز عن فهم واقعه ، يتخلى عن قضاياه الأساسية وينخرط في الصراع من أجل قضايا هامشية تزيد في تخلفه أكثر..نفس الوزير يرى بأنه (لا وجود لنموذج تنمية في الإسلام، وكل ما هو موجود فيه هو مجموعة قيم أخلاقية تتمثل في الحث على العمل وإتقانه، وفي الدعوة إلى المساواة والعدل والتكافل الاجتماعي)، وفي نظري مجموعة تلك القيم هي في الأساس قيم إنسانية نجدها في كل المجتمعات التي تحرص على تماسكها والعمل على إسعاد أفرادها وتحقيق التعايش بينهم مهما اختلفوا في أفكارهم ومعتقداتهم ..
أشير بدوري إلى أن ماليزيا، مثلها مثل أندونيسيا، تتواجد في إقليم يتميز الإنسان فيه بحب العمل وتشغيل العقل والمغامرة في اكتشاف المجهول، وبروح التنافس أيضا، والمؤكد أنه رغم أهمية هذا العامل،فإنه لا يمكن أن يحقق للمجتمع تقدمه دون وجود الإنسان الواعي المسؤول..
غني عن البيان ان الذين أبدعوا فكريا وعلميا وفنيا في أي مجتمع وفي أي زمن كانوا هم الأكثر دراية وعمق فهم فيما أبدعوا فيه، لا الأكثر تدينا..وفي مثالنا العربي نجد أن ابن سيناء والرازي والمعري وابن رشد قديما كانوا متهمين بالزندقة أو على الأقل بالبعد عن التدين، وطه حسين وادونيس وأركون و عبد القادر علولة ونصر حامد أبوزيد و..و..اتهموا حديثا بما اتهم به السابقون..وهكذا..ولو كان التدين هو طريق الإبداع والتقدم لكنا أكثر المجتمعات في حاضر اليوم تقدما، لأننا اكثرها تدينا..
3- التقدم - كمحصلة لكل ما تقدم – لا يمكن أن يكون إلا نتاجا للتراكم المعرفي وامتلاك القدرة على الإبداع والتنظيم وتحمل المسؤولية ويقظة الضمير..إلخ .. هذه هي أساسيات التقدم في أي مجتمع..وهذا ما نفتقده في حضرنا- للأسف الشديد –
4- المؤكد أننا لن نسير ولو خطوة إلى الأمام إذا بقينا مصرين على ما نحن عليه وفيه، رافضين الانفتاح على الحياة بكل زخمها و تعقيداتها و متهيبين من المغامرة في اكتشاف مجهولاتها، رافضين أيضا فكر العالم في شتى المعمورة، خائفين من التفاعل معه والاستفادة منه ومن تجارب البشرية من خلاله ،وقبل كل ذلك خائفين من بعضنا البعض ، فاقدين الثقة في أنفسنا وفي من يعيشون معنا مختلفين عنا ،هاربين إلى ماضينا محاولين حماية أنفسنا بعصي أسلافنا من وهم تربص الآخر القريب والبعيد بنا ، وناظرين إلى الأمام بأقفيتنا لا بعيوننا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما باليد حيلة....سيبقون صامدين
بولس اسحق ( 2016 / 4 / 28 - 13:27 )
سيدي العزيز شكرا لتشخيصك الصائب.....ولكن كيف التغيير وكلنا نذكر قول علماء المسلمين ( اتبعوا و لا تبتدعوا....ابن مسعود ) الذي لطالما اطربونا به وهو أكبر دليل على أن الدين يحد من التفكير .....لذا الدين عائق أمام التفكير الحر للبحث عن أصل الوجود .. و هو بلوك لعقل المؤمنين الذي يحاول أكثرهم الاستمرار في ترك هذا البلوك يحجب عقولهم لأنهم لا يريدون التفكير و مواجهة صعوبات قد تؤدي الى دمار حياتهم بخرافات الجنة والجحيم...وهذه هي معضلة امتنا...تحياتي.


2 - ليس أمامنا سوى النضال الفكري
الطيب طهوري ( 2016 / 4 / 30 - 10:46 )
العزيز بولس اسحق شكرا جزيلا لك..أتفق معك في أن الدين يحد من التفكير، بل يقمعه ويضطهد المفكرين المبدعين المتمردين عليه وعلى توظيفه..لكنه قدرنا، ليس أمامنا سوى النضال الفكري ومحاولة إيجاد المؤسسات الفكرية التي تجمع المثقفين وتتيح لهم نشر فكرهم/ تماما كما فعل المبادرون مشكورين إلى تأسيس منبر الحوار المتمدن هذه..و..علينا أن نأمل في رؤية النور رغم كل السواد الذي يحييط بنا

اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah