الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأفكار الحية والأفكار الميتة

سعادة أبو عراق

2016 / 5 / 1
المجتمع المدني


الأفكار الحية والأفكار الميتة
نعبّر بمصطلح الأفكار الحية، عن الأفكار التي تلد أفكارا جديدة في العقول، أما الأفكار الميتة فهي الأفكار التي لا يمكن أن نستخلص منها أفكارا أخرى، لذلك فهي أفكار عقيمة أو أفكار ميتة.
والأفكار الحية أكثر شبها بالأرومات الحية التي تنبت فسائلا جديدة صالحة للزراعة وللتكثير، وخاصة في الزيتون والنخيل، بمعنى أن الأفكار الحية لا بد لها من أرومة حية نابضة بالحياة، الحضارة العريقة الحية، تنتج أفكارا حية، وتسمح لها بأن تنموا وتظهر للناس والمختصين لكي يتناولونها بالأسلوب الناقد والنية الصادقة وتمييزها عن القديم والبالي, ويجعلونها في مستنبت جيد وحاضنة جيدة وتحت المراقبة والاختبار.
وبالعكس من ذلك إذا لم تكن لآمة ما تراثا حضاريا تقف عليه، هي أشبه بأرومة يابسة، لا تنتج فسائل قوية، إنما تنمو بداخلها بعض البذور التي تأتي بها الريح، وتلقيها في بعض الشقوق، فينمو نباتا لا علاقة له بهذه الأرومة، لذلك سرعان ما يذوي ويموت، وكذلك الأمم البدائية التي ليس عندها سوى أعشاب لا تنتج فسائلا.
لا أدري إن كان هذا التشبيه يسمح لنا أن نعرض بعض التفصيلات التي نريدها
1- نحن الأمة العربية، الذين انقطعنا عن حضارتنا ما يقرب القرون العشر، وهذ الانقطاع يعني أن حضارتنا توقفت عن النمو، وكان معظم العلماء في العصور اللاحقة يستنسخون كتبَ وأفكارَ العلماء في القرنين الثالث والرابع الهجريين ولا جديد.
2- هنا نقول أنك اذا استنسخت فكرة معينة بدون أن تضيف إليها شيئا فإنك تكون قد استولدت بذرة ميتة، وان من يأتي بعدك لن ينتج منها إلا فكرة ميتة أيضا.
3- نضرب لذلك أفكار العلماء الذين نتغنى بهم مثل ابن الهيثم وابن سيناء والخوارزمي وجابر بن حيان، الذين تم طمس آثارهم من قبل أئمة وفقهاء، فإن تلامذتهم الذين أتوا من بعدهم لم يستطيعوا أن يكملوا أفكارهم، لآن الحروب الصليبية انهكت الدول، والفقها اجهزوا عليهم، لذلك فإن أفكارهم تم استنباتها في أوروبا.
4- الأوروبيون الذين ادركوا ما في بذور أفكارهم من حياة فإنهم إستنبتوها وبنوا عليها العلم الحديث، ولو عاد علماؤنا أحياءً لهالهم ما بني على أفكارهم من علوم الفيزياء والكيمياء.
5- إن الفكرة الحية كما هي البذرة الحية، لا يكفي أن تكون حية لتنبت، فهي بحاجة إلى تربة صالحة للإنبات، وإلى ماء يكفيها للنمو، وإلى شخص خبير يعرف كيف يستنبتها، ويعرف فصيلتها وتاريخها وميزاتها وإمكانية الاستفادة من ثمرها.
6- نستشهد بما ذكرناه، بفكرة الاعتماد على الآلة لتحل محل اليد الإنسانية، إنها فكرة مكنت المقتنعين بها من أن يستبدلوا العمل اليدوي بالعمل الآلي، انظروا كيف نمت الصناعات والاختراعات والتقنيات والتجارة والتحضر والرفاهية، وأصبحت الدول الكبرى هي التي تنتح الآلات التي تريح الإنسان ، بينما أصحاب المفهوم القديم القائم على فكرة العبودية بأن هناك عبيد يقومون بكل الأعمال، فلماذا الآلة؟ فإنهم ظلوا في الحضيض.
7- وحينما اكتشف جيمس وط الآلة البخارية كانت مرحلة جديدة، فقد ألغت فكرة السفر على الدواب إلى فكرة السفر بالقطارات، واستبدلت السفن الشراعية بالسفن البخارية، أما حينما تم اكتشاف البترول أصبحت الآلة الغازية اكثر قوة وأوسع استعمالا.
8- وكانت فكرة ديكارت فيما يسمى ( الكوجيتو) فكرة جعلت أوروبا متقدمة، إذ قال أن علينا أن ننزع من ذهننا كل أفكارنا التي نحملها، ونضعها أمامنا على الطاولة، ونبدأ بتنقيتها وفحص صلاحيتها، فنحتفظ بالأفكار الصحيحة والملائمة، ونطرح الباقي في سلة المهملات، هذه الفكرة هي أساس النهضة في العالم الغربي، فصاروا يأخذون الأفكار الصالحة للإنبات وترك الأفكار الميتة، فنمت حضارتهم مع نمو الأفكار الحية.
9- لن نطيل في إيراد الأمثلة لتدعيم مقولتنا وضرورتها، فهي متاحة لكل ذوي بصيرة، ولكننا تضع لها بعض الشروط التالية:
أ‌- الأفكار الحية هي المسماة بالأفكار المُلهمة، فهي ذات قدرة على أن تومض في الذهن، فتجعلك تبصر في جوانب ذهنك أفكارا لم تكن تراها مسبقا، بالطبع إنها تومض في ذهن متميز، دأبه يبحث عن الجديد، وليس في أذهان مطموسة بالأفكار العادية البسيطة.
ب‌- الأفكار الحية هي إنتاج مقصود لعقل إنساني ، وليس إنتاجَ الصدفة أو العاطفة أو التجربة الحياتية الضحلة، وليست إنتاج العرافين أو المتنبئين أو المنجمين، الأفكار الحية إنتاج عقل عبقري واسع العلم واسع التجربة يعرف مقصده.
ت‌- في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، من استن بالإسلام سنو حسنة فله أجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة، هذا الحديث الشريف يحض على الأفكار الملهمة التي يقتدي بها الآخرون، وهذا العمل مأجور ما دام نفعه متواصلا، وهذا الحديث أيضا لم يميز بين مسلم وغير مسلم، ولم يحدد مجال (السنة التي استنها)، أهي في الدين أم الدنيا، وهذا الحديث أراه مثالا للأفكار الملهمة الحية.
ث‌- وكما قلنا، فالأفكار الحية إيجابية بالمطلق، لأنها جديرة بالاقتداء، لا يمكن أن تكون أفكارا شريرة أو مضرة أو مريبة، ذلك أن الأفكار الشريرة هي خاطئة بالضرورة، لذلك لن يقتدي بها احد، ومن يقتدي بها فإنه لن يمض بها طويلا،
ج‌- والأفكار الحية كالبديهيات يراها العقل صادقة بداهة، لا يحتاج معها إلى تبرير أو تأويل أو برهان، كقول عمر ابن الخطاب ، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟
ح‌- أن لا تكون مقتصرة على زمن معين أو مكان معين، فهذه الأفكار مطلقة في الزمان والمكان، كما هي القيم من عدل ومساواة وحرية، وتسامح وغيرها، فإنها بذلك تبقي على ديمومتها وبالتالي صدقها وصلاحيتها.
خ‌- الأفكار الحية دائما في مصلحة الإنسان عامة، ليس لطائفة أو وطن أو ديانة أو قومية معينة، لأننا هنا نكون قد حصرنا الأفكار لفئة معينة، قد يستفيدون منها لمرحلة ثم تموت مع انقضاء فعاليتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - الأمم المتحدة: نحاول إنقاذ الأرو


.. ماذا يجري في فصول صفقة تبادل الأسرى؟




.. المتحدث باسم الخارجية الأميركية: لا نعتبر الأونروا منظمة إره


.. مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة يرفض مواصلة عمله بسبب شقة.. م




.. أميركا.. مقهى في فلوريدا يوظف فقط أشخاصا من ذوي الاحتياجات ا