الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يتحدث كهرمان

جمال الهنداوي

2016 / 5 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الكثير من المبالغة قد تكون في ردود الافعال التي تنتحل الصدمة من تصريحات السيد إسماعيل كهرمان رئيس البرلمان التركي من حزب العدالة والتنمية الحاكم ، والتي اشار فيها الى أن الدستور المقبل لتركيا يجب أن يكون "دينيا" وأن "العلمانية" يجب أن لا تكون جزءا منه.
ومن الممكن ان نرفع من مستوى تلك المبالغة الى درجة النفاق عندما تصدر من قبل بعض الاحزاب الاسلامية, وخاصة تلك البيانات المشفوعة بالتأكيد على ضرورة احترام الآليات الدستورية في التداول الديمقراطي للسلطة.. فالسيد كهرمان لم يأت بجديد في كلامه هذا ان لم يكن يستحق الاحترام والتقدير لصراحته ووضوحه في تبيان المقاصد الحقيقية وراء انخراط الاحزاب الاسلامية في الحياة السياسية في الدول الديمقراطية, ومركزية ووثوقية وثبات هدف امتطاء واستغلال الآليات الديمقراطية كطريق افضل واسهل واقل خطرا للوثوب الى السلطة,وللاستيلاء على مسارات المشروع الديمقراطي الوطني الذي دفعت من اجله الجماهير الكثير من الدم والدموع والآلام لتحقيق وبناء الدولة المدنية التعددية الحرة.
فمن البديهي ان المواقف والتوجهات السياسية,خصوصا تلك التي تتعلق بشكل وطبيعة الحكم,لا تكون من بنات لحظتها ولا تتشكل هكذا بقدرة قادر،بل تكون عادة نتيجة لتراكم وتكتل التجارب واعتراكات الايام والاستقراءات المعمقة والالتزام الطويل بالثوابت،وهذا ما قد يجعلنا نلاحظ تعتق المواقف وتقادمها ورسوخها عندما يتعلق الامر برؤية العديد من الجماعات لما يجب ان يكون عليه الامر في مسألة الحكم الرشيد..وان الظروف,والظروف فقط,هي ما قد تدفع طرفا ما الى المواراة والتمويه على معتنقاته حتى حين,ان كان مداهنة او مداراة,او اتقاءً لغضب حكم ما او طمعا لما في يده..والاهم هنا هو الصبر, ففي هذه المساحة بالذات ليست نهاية العالم أن تفشل،ولكن العالم كله قد يكون لك مع النجاح..
بل قد لا ندمغ بالتجني لو اشرنا الى ان ادبيات وممارسات احزاب الاسلام السياسي تتعارض مع قدس اقداس الديمقراطية الا وهي حرية التعبير والاعتقاد,وحق تكوين الاحزاب المعارضة للسلطة القائمة، وحق الاقتراع العام، وتداول السلطة بين أفراد الشعب، واعتماد مبدأ الأغلبية في اتخاذ ‏القرارات وسن القوانين.
اذ ان الممارسة السياسية الديمقراطية تستدعي المشاركة في اتخاذ القرارات التي تستهدف الصالح العام وهو ما يستدعي احترام الاختلاف والقدرة علي تقديم تنازلات وقبول تسويات مع فاعلين آخرين بهدف صناعة التوافق العام.وهو ما يتعارض مع فكر الحركات الدينية التي تتعامل مع وثوقية الخير والشر المطلقة,والنظرة الاحادية المتقاطعة مع قواعد اللعبة الديمقراطية المبنية على التعددية والانفتاح على الآخر..والاهم,مع نظرية السيادة الشعبية المرفوضة إسلاميا لكونها وكما يقول الدكتور لطف الله خوجه:"نقيض لحكم الله سبحانه وتعالى ففي الإسلام الحكم لله وحده و الديمقراطية تعنى حكم الشعب". اي اننا امام خطاب اسلامي ينتحل الالتزام بالتقاليد الديمقراطية دون مطابقة اطارها النظري لمنطلقاته الفكرية والمعتقدية ان لم تكن تتعارض معها..
كما ان قوى واحزاب الاسلام السياسي لا ترى في الديمقراطية الا وسيلة لشرعنة العمل الإسلامي وتقديمه كنظام حكم مقبول للدول الكبرى كما في تجربة الاخوان المسلمين اوفرصة للتأثير على العملية السياسية في الدولة وعرقلة نمو الحياة المدنية كما في تجربة القوى السلفية في الكويت او كعامل فعال للاستيلاء على مفاصل الدولة والمشهد السياسي العام من خلال المقبولية العالية للخطاب الإسلامي في المجتمعات المحافظة كما عندنا في العراق.
ان الوضع السياسي السائد في الدول الإسلامية يؤكد حاجة المنظومة الفقهية الملحة للإصلاح الجذري والحقيقي من خلال القراءة الواعية لحركة التاريخ والتعاطي المسؤول مع الحقوق المدنية والحريات العامة للمواطن بطريقة منفتحة والانصياع للوعي الجمعي المتسيد في مجتمعاتنا بان الحكم الثيوقراطي لم يعد النظام المثالي أو الوحيد الذي يحقق رضا الله ورضا الرسول،بل هو مجرد وجهة نظر وقرار غير ملزم اتخذ في وقته لاعتبارات قد تحتمل الصواب او الخطأ ومحض اجتهاد لا يمثل الإيمان به أو محاولة مناقشته تناقضاً مع انتماء الفرد العقائدي.
كما انه من الاهمية بمكان الوعي بمسارات الصراع في المنطقة التي تبشر بتحولها من مستوى التدافع السياسي المقبول الى درك النزاع المجتمعي الذي يستحضر التقاطعات الايديولوجية والمعتقدية كأدوات للتموضع على سدة الحكم المتمترسة خلف النصوص والتفاسير والملائكة كميليشيا لحماية السلطة الحاكمة من تذمر الشعب ومعارضته.وهو ما يستدعي التحرك من قبل القوى المؤمنة بالحرية وحقوق الانسان الى الانخراط الميداني المباشر بين صفوف الجماهير لقطع الطريق امام احزاب التقية السياسية في دأبها الحثيث لاجهاض المشروع الوطني التحرري الحداثوي, وعلينا ان لا نخدع بربطات عنق بعض قوى الاسلام السياسي ولا وجوههم الحليقة..
اعتقد باننا مطالبون باعتذار علني للسيد كهرمان..بل وابداء كل التقدير لتوخيه الدقة والحرص في تصريحاته,فان كان بعض قوى الاسلام السياسي استغلوا طروحاته للتمويه على مقاصدهم الفعلية,فانه يبقى بينهم الانزه والاصدق لهجة والتزاما بمبادئه ومتبنياته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تبدأ النظر في تجنيد -اليهود المتش


.. الشرطة الإسرائيلية تعتدي على اليهود الحريديم بعد خروجهم في ت




.. 86-Ali-Imran


.. 87-Ali-Imran




.. 93-Ali-Imran