الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مزايا وسمات النقد في منهج البحث التاريخي

نور خضير بدر

2016 / 5 / 4
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ربما كوني باحثة ودارسة ومهتمة في التاريخ القديم، يضاف لها عملي شبه اليومي في تحرير البحوث والدراسات وتقويمها لصالح المجلات والاصدارات التي اتعامل معها، لذلك وجدت من الضروري بل من الحتمي ان ازج نفسي في فرضيات منهج البحث التاريخي. فمنهج البحث التاريخي، ويسمى أيضا المنهج الاستردادي، وهو الذي تقوم فيه كباحث باسترداد الماضي تبعا لما تركه من أثار، أياً كان نوع هذه الآثار، وهو المنهج المستخدم في العلوم التاريخية و الأخلاقية. و يعتمد في الأساس على استرداد ما كان في الماضي ليتحقق من مجرى الأحداث. و لتحليل القوى و المشكلات التي صاغت الحاضر. ايضاً، هو عبارة عن إعادة للماضي بواسطة جمع الأدلة وتقويمها، ومن ثم تمحيصها وأخيراً تأليفها؛ ليتم عرض الحقائق أولاً عرضاً صحيحاً في مدلولاتها وفي تأليفها، وحتى يتم التوصل حينئذٍ إلى استنتاج مجموعة من النتائج ذات البراهين العلمية الواضحة. وهو أيضاً “ذلك البحث الذي يصف ويسجل ما مضى من وقائع وأحداث الماضي ويدرسها ويفسرها ويحللها على أسس علمية منهجية ودقيقة؛ بقصد التوصل إلى حقائق وتعميمات تساعدنا في فهم الحاضر على ضوء الماضي والتنبؤ بالمستقبل. كما يعرف، بأنه ذلك المنهج المعني بوصف الأحداث التي وقعت في الماضي وصفاً كيفياً، يتناول رصد عناصرها وتحليلها ومناقشتها وتفسيرها، والاستناد على ذلك الوصف في استيعاب الواقع الحالي، وتوقع اتجاهاتها المستقبلية القريبة والبعيدة.

وعلى ضوء التعاريف السابقة للمنهج التاريخي، يمكن إبراز أهمية هذا المنهج من خلال انه يمكّن استخدام المنهج التاريخي في حل مشكلات معاصرة على ضوء خبرات الماضي وكذلك يساعد على إلقاء الضوء على اتجاهات حاضرة ومستقبلية ومن ثم يؤكد الأهمية النسبية للتفاعلات المختلفة التي توجد في الأزمنة الماضية وتأثيرها، وأخيراً فهو يتيح الفرصة لإعادة تقييم البيانات بالنسبة لفروض معينة أو نظريات أو تعميمات ظهرت في الزمن الحاضر دون الماضي.

على الجانب الاخر، فيمكن للباحث الذي يريد دراسة ظاهرة حدثت في الماضي بواسطة المنهج التاريخي ان يتبع بعض الخطوات والتي تتطلب توضيح ماهية مشكلة البحث والتي تتناول خطوات الأسلوب العلمي في البحث، وهي: التمهيد للموضوع، وتحديده، وصياغة أسئلة له، وفرض الفروض، وأهداف البحث، وأهمية البحث، والإطار النظري للبحث، وحدوده، وجوانب القصور فيه، ومصطلحات البحث. ويشترط في مشكلة البحث توافر شروط منها أهميتها، ومناسبة المنهج التاريخي لها، وتوافر الإمكانات اللازمة. وأهمية النتائج التي سيتوصل إليها الباحث.

من جانب اخر، فأن كتابة الباحث للمنهج التاريخي تتطلب مراجعة المصادر الأولية والثانوية، واختيار البيانات التي ترتبط بمشكلة بحثه. ومما تجدر الإشارة إليه هنا، أن على الباحث التمييز بين نوعي المصادر. إذ تتمثل المصادر الأولية في السجلات والوثائق، والآثار. وتتمثل المصادر الثانوية في الصحف والمجلات، وشهود العيان، والمذكرات والسير الذاتية، والدراسات السابقة، والكتابات الأدبية، والأعمال الفنية، والقصص، والقصائد، والأمثال، والأعمال والألعاب والرقصات المتوارثة، والتسجيلات الإذاعية، والتلفزيونية، وأشرطة التسجيل، وأشرطة الفيديو، والنشرات، والكتب، والدوريات، والرسومات التوضيحية، والخرائط.

اما نقد مصادر البيانات فتتطلب هذه الخطوة فحص الباحث للبيانات التي جمعها الباحث بواسطة نقدها، والتأكد من مدى فائدتها لبحثه. ويوجد نوعان للنقد، الأول، ويسمى بالنقد الخارجي، والثاني، ويسمى بالنقد الداخلي. ولكل منهما توصيف خاص به ، فمثلاً النقد الخارجي يتمثل في إجابة الباحث عن ان كتبت الوثيقة بعد الحادث مباشرة أم بعد مرور فترة زمنية، او هل هناك ما يشير إلى عدم موضوعية كاتب الوثيقة، او هل كان الكاتب في صحة جيدة في أثناء كتابة الوثيقة، وهل كانت الظروف التي تمت فيها كتابة الوثيقة تسمح بحرية الكتابة، وهل هناك تناقض في محتويات الوثيقة، وغيرها من التساؤلات.

لا يخلو المنهج التاريخي من المزايا ، كما انه لا يخلو من عيوب ومثالب. فمن مزاياه انه يعتمد الأسلوب العلمي في البحث. فالباحث يتبع خطوات الأسلوب العلمي مرتبة، وهي الشعور بالمشكلة، وتحديدها، وصياغة الفروض المناسبة، ومراجعة الكتابات السابقة، وتحليل النتائج وتفسيرها وتعميمها. وايضاً اعتماد الباحث على المصادر الأولية والثانوية لجمع البيانات ذات الصلة بمشكلة البحث لا يمثل نقطة ضعف في البحث إذا ما تم القيام بالنقد الداخلي والنقد الخارجي لهذه المصادر.

اما عيوب المنهج التاريخي فأهمها أن المعرفة التاريخية ليست كاملة، بل تقدم صورة جزئية للماضي؛ نظراً لطبيعة هذه المعرفة المتعلقة بالماضي، ولطبيعة المصادر التاريخية وتعرضها للعوامل التي تقلل من درجة الثقة بها، مثل التلف والتزوير والتحيز . وايضاً هناك صعوبة في تطبيق الأسلوب العلمي في البحث في الظاهرة التاريخية محل الدراسة؛ نظراً لأن دراستها بواسطة المنهج التاريخي يتطلب أسلوباً مختلفاً وتفسيراً مختلفاً. يضاف لها صعوبة تكوين الفروض والتحقق من صحتها؛ وذلك لأن البيانات التاريخية معقدة، إذ يصعب تحديد علاقة السبب بالنتيجة على غرار ما يحدث في العلوم الطبيعية وكذلك توجد صعوبة إخضاع البيانات التاريخية للتجريب، الأمر الذي يجعل الباحث يكتفي بإجراء النقد بنوعية الداخلي والخارجي، وصعوبة التعميم والتنبؤ؛ وذلك لارتباط الظواهر التاريخية بظروف زمنية ومكانية محددة يصعب تكرارها مرة أخرى من جهة، كما يصعب على المؤرخين توقع المستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور 1.6 مليون شخص مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرتها


.. هل يُحطم رياضيو أولمبياد باريس كل الأرقام القياسية بفضل بدلا




.. إسرائيل تقرع طبول الحرب في رفح بعد تعثر محادثات التهدئة| #ال


.. نازحون من شرقي رفح يتحدثون عن معاناتهم بعد قرار إسرائيلي ترح




.. أطماع إيران تتوسع لتعبر الحدود نحو السودان| #الظهيرة