الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التواصل الاجتماعي الاغترابيّ وثورة روج آفا

صلاح الدين مسلم

2016 / 5 / 8
القضية الكردية


لقد أضحى الشرخ كبيراً بين العالم الحقيقيّ والعالم الافتراضيّ، وهو في توسّع وتمدّد يوماً بعد يوم، بين العالم المرئي والعالم اللامرئيّ، وقد بات النقاش عقيماً دون جدوى بين إنسان بعيد عن روج آفا، وبين إنسان يعيش الواقع والثورة في الحياة الحقيقيّة، بين من غادرها جسداً، لكنّ روحه ظلّت تحوم وتحوم في عوالم الوطن، يتصفّح صفحات التواصل الاجتماعيّ ليعرف ما الذي يحصل في روج آفا؟! ويبني نظريّاته وأفكاره حسب تواصله اللاروحيّ مع النت، وبين من يعانق الروح والحياة، ولا يستبدل مكانه بكل العوالم الأوربيّة.
لا يصبّ هذا المقال في بوتقة محاربة الهجرة، إنّما يصبّ في خانة الفارق بين العوالم الإخباريّة التي يعيشها أولئك البعيدون عن حيثيّات الواقع وبين العالم الحقيقيّ، أولئك الراضخون للحرب الإعلاميّة التي تصبّ في دائرة الحرب الخاصّة غير الأخلاقيّة التي تزوّر الحقيقة، وتضخّم حدثاً ما على حساب الحدث الرئيسيّ المحوريّ المركزيّ، وتشوّه الحدث في الأساس، وتظهر المنتصر مهزوماً والمهزوم منتصراً، وتظهر العادل ظالماً والظالم عادلاً، وتظهر الكاذب صادقاً والصادق كاذباً، فيغدو المبتعد عن ساحة الصراع البطل المغوار الذي لا بطل سواه، وتظهر الإعلاميّ غير المنخرط في صفوف الحدث بطلاً عظيماً مضراساً وكأنّه يخوض ساحات الوغى بمتراسه، وتظهر البطل الحقيقيّ غبيّاً ساذجاً لا يعرف شيئاً من الأمور، ولا يدرك كواليس السياسة ولا صولاتها ولا جولاتها المجتمعيّة العظيمة.
الطامّة الكبرى في أولئك البعيدين كلّ البعد عن الواقع هي تلك الأوامر والفرامانات التي تصدر منهم، الموجّهة إلى عوام الشعب في روج آفا، وعلى روج آفا أن تنصاع إليه، فهو صوت الحقّ لا محالة، وهو العليم الخبير الذي لا يعلوه عليم، وهو الذي يعيش في المجتمع الأوّلي أو الطبقة العليا التي يعتقد فيها أنّه يرى بوضوح كلّ شيء، وكلّ الناس لا ترى مثلما يرى هو كلّ الواقع الذي يراه هو فحسب، وهي النظرة التي اكتسبها مجدّداً بحكم الغزو الثقافيّ الغربيّ لعقله الشرقيّ الذي أنتج هذا المسخ الفكريّ؛ هذا الفكر الذي يشابه فكر الرهبان السومريين الذين يحصرون الحقيقة في أنفسهم، والكلّ خاطئ لا محالة، وهو يعطف على هذا الشعب المسكين الذي لا يعرف مصلحته.
اللغة الثانية السائدة هي لغة تأنيب الضمير، لغة العاجز الذي لا يستطيع أن يفعل شيئاً، فمن جهة لا يستطيع أن يترك مكانه، ومن جهة أخرى يريد العودة إلى تراب الوطن، ويظلّ يعيش هذه المأساة الغريبة، وكأنّه في سجن، لكنّه سجنٌ غريبٌ، فالأبواب مفتوحة لكنّه لا يستطيع أن يغادر السجن، يتلذّذ بعذابته التي يسردها على صفحات النت، يفرّغ حزنه الذي طوّره بالماسونيّة الغريبة، في تلذّذه بهذا الألم.
اللغة الثالثة هي لغة من لم يصل إلى مراده، المظلوم التعيس الذي لم يصل إلى مكانه؛ لأنّ هناك أغبياء حسب نظره قد استولوا على مقدّرات الأمور، وهو الأحقّ بهذه المكتسبات، لنظرته الفوقيّة التي ترى الناس أقزاماً لا يعَون ماذا يفعلون؟ وهو الذي يستطيع أن يقتحم الأسوار، يقاتل بدونيكشوتيّة طوباويّة، يعيش في يوتوبيا الأنا الأعلى، فكان الأجدر أن يستلم المكان الفلانيّ، وكان على الشعب أن يهتف باسمه منادياً عليه، كي يستلم المنصب الفلانيّ، ولا يجدر بفلان أن يتسنّم ويتبوّأ هذا المكان أو ذاك.
ما يجري على أرض الواقع من حياة حقيقيّة لا يستبدلها ذاك القابع بالخنادق، وذاك المرابط غير المتزحزح، الذي لا يرتضي الهوان، ولا يستبدل مكانه بكلّ كنوز العالم، قد يرى ذاك المنطقيّ الغربيّ أنّه مخدّر لا يعي ماذا يفعل ذاك المتحمّل كلّ أنواع الحصار والتضييق، لكنّ الوجود يتكلّم، ويثبت من هو في سجن الغربة والاغتراب، السجن الذي لا يستطيع الهروب منه، لم يستطع أن ينحلّ كاملاً في هذا الفكر الذي لا يمثلّه في الغرب، ولم يعد إلى وطنه، فبات معلّقاً بين الحياة والموت، بل بات معلّقاً بين الموت والموت فحسب، هو الموت بعينه.
ما يهوّله أولئك الاغترابيّون على صفحات التواصل اللااجتماعيّ من سواد يجتاح روج آفا ومن طاقات سلبيّة يبثّونها على صفحاتهم الرعناء، باتت تقضّ مضاجعهم أنفسهم، فكأنّهم هم المحاصرون، لا شكّ أنّ هناك مجموعات تعيش هذا العالم الاغترابيّ في روج آفا، لكنّنا نتحدّث عن المجتمع بشكل عام، ولا نحكي عن الطفرات.
كلّ هذه الصولات الفيسبوكيّة لا تؤتي أُكلاً، ولا تنفع بشيء، فالعدو يفهم لغة الحرب فحسب، في الشيخ مقصود وفي قامشلو وغيرها من معارك التضحية والفداء والحياة الحرّة، والحصار هو حصار الفكر لاريب، هو حصار الإرادة، فقد برهن أولئك الأحرار الصامدون أنّ الإرادة الحرّة لا تُحاصَر، وكلّ يوم يُسقط صنم في روج آفا، كلّ يوم تتداعى الأفكار الثابتة غير المتحوّلة، ولمّا تدركْ معنى الثورة إن لم تعش الحياة الحرّة في روج آفا، إن لم تستطع أن تحاور العظمة المتجسّدة في التطلّع إلى سماء الحرّيّة بلون المقاومة ولون التصدّي، لا بلون البكاء والنحيب والتكبّر والانزواء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بإبرام صفقة تبادل فورية


.. طلاب نيويورك يواصلون تحدي السلطات ويتظاهرون رفضا لحرب غزة




.. نقاش | اليمن يصعد عملياته للمرحلة الرابعة إسناداً لغزة ... و


.. لحظة اعتقال قوات الاحتلال حارس القنصل اليوناني داخل كنيسة ال




.. حملة أمنية تسفر عن اعتقال 600 متهم من عصابات الجريمة المنظمة