الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استقالة أوغلو أم إقالته

صلاح الدين مسلم

2016 / 5 / 9
القضية الكردية


كان أوّل عمل لأبي العباس السفّاح الخليفة الأوّل للدولة العباسيّة، هو قتل أبي سلمة الخلّال؛ مؤسّس الدولة العبّاسيّة، وكذلك فعل خلفه أبو جعفر المنصور من خلال قتل أبي مسلم الخرسانيّ؛ حامي الدولة العبّاسيّة، وهذا ما شرحه ابن خلدون في مقدّمته؛ مقدّمة ابن خلدون في تفسير قتل الأخ أخاه، كما فعل المأمون بالأمين، والقضاء على من أوصلوه إلى الحكم، كما فعل عبد الرحمن الداخل من خلال القضاء على كلّ من أوصله إلى الحكم، وشرح ابن خلدون كلّ هذا في كيفية الوصول إلى السلطة من خلال شرحه التاريخ الإسلاميّ ونقده.
هذا دأب السلطويين وعاداتهم في الحكم، والأمثلة لا تعدّ ولا تحصى، فأردوغان الذي كان محروماً من استلام رئاسة الحزب، انتظره عبد الله كول، حتّى زال الحكم عنه وسلّمه رئاسة الوزراء، لكن بعد أن وصل أردوغان الحكم وبعد فترة، قضى عليه، وأقصاه عن الدولة التي لا يريد لأحد أن يقاسمه فيها المغنم، وأخيراً وصل الأمر بأوغلو أن يقدّم استقالته من رئاسة الوزراء دون تفسير واضح.
إنّ حادثة استقالة أوغلو تعبيرٌ عن تفرّد أردوغان بالحكم، مع أنّ أردوغان لا يمتلك قانونيّاً تلك الصلاحيّات التي يمتلكها رئيس الوزراء في إدارة البلاد سياسيّاً وعسكريّا وأمنيّاً واقتصاديّاً، لكنّ مفاصل الدولة كلّها بيده، وقرار الحرب والسلم والقانون الذي يفصله على مزاجه بيده، أوغلو ذاك المطيع الذي لا يتصرّف بشيء من شؤون الدولة إلّا تحت وصاية السلطان الذي تكبّر وتجبّر، مع ذلك قدّم استقالته، مع أنّ حوادث الاستقالات من الحكم نادرة جدّاً في شرقنا المدمّى.
من هنا نستطيع أن نقرأ قراءات عدّة لاستقالة داوود أوغلو، لكن هناك معنى واحد وهو المعنى الجوهريّ؛ هو أنّ السلطان يريد أن يستفرد بالحكم، يريد أن يكون فوق القانون، فوق الحياة، يريد أن يصيغ الحياة حسب هواه، فيستطيع أن يقيل فلاناً، أو يستبعد فلاناً، أو يهمّش فلاناً، لكن في المحصّلة فالسلطة تأكل نفسها في داخلها، وتقتات على غِلّها ووحشيتها في داخلها، والتاريخ شاهد على هذا.
من الصعب أن تتخيّل دولة لها قائدان، قائد على الورق لا صلاحيّة له، وهو أردوغان، لكنّه يمتلك كلّ زمام الأمور، وقائد فعليّ حسب القانون لكنّه لا يستطيع أن يفعل شيئاً، هي الأزمة بعينها، فالدولة لا تنتج التوافق، والدولة تعتمد على القوّة، وبما أنّ أوغلو لا يمتلك القوّة الفعليّة، وكلّ صلاحياته بيد السلطان فهذا يعني إشكاليّة تنتهي باستقالة أوغلو.
مع أنّ معظم التحليلات تؤكّد أنّ هناك كياناً موازياً للدولة اسمه الدولة العميقة، وهو في جدال مع الدولة، وأنّ أردوغان يريد القضاء على هذه الدولة العميقة، من خلال النظام الرئاسيّ؛ حلم أردوغان ليكون الرئيس الأبديّ كدأب السلطويين الشرقيين جميعاً، لكن من يدقّق في الأمور فسيرى أن أردوغان هو نفسه الدولة العميقة، فلم تقد الدولة نفسها إطلاقاً، إنّما كان الرابح دائماً هو الدولة العميقة، وأرغنكون والغلاديو، والكونترا كريلا، وهذا ما يقود أردوغان، فهذه الدولة العميقة تنتعش مع الحروب، بل هي الحرب لا محالة، وقد استطاعت هذه الدولة العميقة من خلال خلق الصراعات باسم الأمّة التركيّة، أن تكون الرائدة في تسيير أمور الرأسماليّة بل هي المرتع الخصب لدولة الكذب والنفاق واللااستقرار، فكلّما اختلّ الأمن كان هناك دافع لتعزيز المنظومة الأمنيّة، وكلّما كانت هناك ثورة، فلابدّ أن تنشط المنظومة العسكريّة، وهو المرتع الخصب للدولة العميقة والموظف فيها أردوغان لا محالة، لذلك من يقيل أردوغان أو أغلو أو غول هو الدولة العميقة التي استسلم أردوغان إليها بعد أن بدأت بوادر الديمقراطيّة بانتزاع حزب الشعوب الديمقراطيّة نسبة خياليّة حسب تاريخه، فاختار أردوغان الحرب، وسلّم دفّة الحكم للدولة العميقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان وأزمة اللاجئين السوريين.. -رشوة- أوروبية أم حلول ناقصة


.. وقفة لرفض اعتقال ناشط سياسي دعا لا?سقاط التطبيع مع الاحتلال




.. الاتحاد الأوروبي: ملتزمون بحماية استقلالية المحكمة الجنائية


.. مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون بتل أبيب للمطالبة




.. ميقاتي: الحديث عن رشوة أوروبية للبنان من أجل إبقاء النازحين