الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتماء الوطني بين الشعورية والعقلانية

محمد الحاج ابراهيم

2005 / 12 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يتحقق الانتماء للوطن بحالتين: إما شعوريا، أو عقلانيا، وكلا منهما يُحدد العلاقة الالتصاقية بالوطن أوكلاهما، لكن العظمة حين يتوفران مع بعضهما البعض في الذات ليُنتجا القوة المطلوبة، وذلك حين يتعرض الوطن للمخاطر.
شعوريا يرتبط المواطن بوطنه عبر الإرادة، وعقلانيا يرتبط عبر تحديد العلاقة به بدءا من المواطنة، أي ألاّ يشعر بالغربة في وطنه،مُضافا لهذا تأمين العمل والحياة الكريمة له ولعياله، هذا مايُحدد الإمكانات كما هي، ويعمل على تطويرها إعداداً للتحديات، لكن الخطورة تأتي حين تغلب الشعورية على العقل الذي يُقرُّ بالحقيقة كيفما كانت، فتفعل الشعورية فعلها بتحقيق الهزيمة إن لم تتوفر على إمكانات تستطيع دعم الإرادة.
للمقاومة مقومات مادية ومعنوية ولاتقوم إلا بتوفر هذه المقومات،وكل الحروب التي خاضتها الأمة العربية غلبت عليها الشعورية بدلا من العقل ولغة الواقع، لذلك لم تحقق غير الهزائم واحدة تلو الأخرى، كان آخرها انتحار الغزاة على أسوار بغداد في آذار 2003م.
مقومات المقاومة تعتمد الأساسيات التي هي العنصر البشري بما يمتلك من حريته وكرامته وأدوات الدفاع عن نفسه لصد المعتدين، وما يُدركه حول مكانته بمعناها المواطني في مجتمعه دون تغييب أو تهميش، وهذا مايجعله يلتصق على ضوء الفهم المدني للعلاقات السياسية والاجتماعية دون فرز من خلفيات ماقبل وطنية، هذا كله يُساهم إلى حد بعيد بتحقيق مقومات المقاومة في المجتمع المُهدّد خارجيا، ودون ذلك لن يكون بديلا لكل هذا غير ركوب الشعورية موجة التحديات، فينتحر الغزاة على الأسوار وتُنتهك كرامات الناس باسم الوطنية المنفعلة بالشعورية والوجدانية واللاعقلانية.
كان يجب أن تكون المرحلة بين احتلال فلسطين عام 1948واحتلال العراق عام 2003درسا ميدانيا للعرب، ليتعلموا قول الحقيقة ووصف الحقائق والاعتراف بالقدرات، لاأن يُكفّروا من يقرأ الإمكانات ويُحدّد ضعفها حين تكون ضعيفة، ويفرضوا عليه المبالغة بالامكانات وهي دون ذلك ، فعندما يتعرض الوطن للمخاطر أول مايجب معرفته:
1-بنية المجتمع والإجابة على سؤال: كيف يُساهم المجتمع بصد العدوان؟، وحول بنية المجتمع يجب معرفة العلاقة بين الشرائح التي تُشكّل المجتمع أفقيا وعموديا، وطبيعة الترابط بينها أو التباعد إن وُجد وأسباب ذلك، ليتسنى معالجة الأسباب المؤدية لأي خلل مجتمعي،فإن كان المجتمع يعاني من احتقان لابد من إزالة أسباب الاحتقان، وذلك بتدعيم العلاقات المجتمعية التي تُحقق حالة التماسك الضامنة للعمل الموحد بمواجهة الضغوط أو التهديدات الاقتصادية أو العسكرية، وإزالة الاحتقان يرتبط صميميا بالتساوي بين المواطنين، وإلغاء التمييز بينهم كيفما كان دافعه،وذلك بإعطاء الجميع حقوقهم وأهمها السياسية تليها الاقتصادية وتحقيق هذه الشروط يصنع اللحمة بين أبناء الوطن الواحد.
2-الأدوات المُستخدمة في هذا الصمود أو التصدي السياسي أو العسكري وشكل إدارتها.
ومن الأدوات الواجب معرفتها هي المسألة الاقتصادية وأهمها المواد الأساسية، لأنه في حال الحصار الاقتصادي يُمكن أن تقع البلاد بأزمة الحاجة والفقر نتيجة الشح في المادة الاقتصادية المستوردة، فتتحول السوق الاقتصادية إلى حالة من الاحتكار الموجع إن لم تكن تحت مُراقبة الدولة المحمولة على المجتمع، وليس على فئة منه سياسية أو اجتماعية، وبذلك لابد من مُشاركة المجتمع الأهلي والمدني عبر منظماته ولجانه العاملة ميدانيا، والتي تستطيع ضبط الشارع وديّا بحكم المصداقية وليس قسريا، وذلك بتأمين توزيع عادل لحاجات المواطن ولو كانت مقننة حتى لاتتشاكل الناس بسبب المواد الأساسية التي تسببها الضغوط والحصار، من ثم نشر الوعي الوطني الميداني الذي يُحيي الإيثار بعد غيابه من حياة الناس،هذا الإحياء يبعث المحبة الغارقة في وحول الأنانية والمصلحة الخاصة إلى الظهور بشكلها الطبيعي الذي هو جزء من كياننا النفسي كتربية وتنشئة، فيقضي على التوجس الذي عززته غربة المجتمع عن السياسه.
عندما تكون التهديدات عسكرية هذا يعني تهديد المجتمع ككل بتوافقاته وتناقضاته وعلى ذلك لابد من ثقافة الاستعداد وهذه من حق المجتمع ككل أيضا، وفي مثل هذه الأحوال تحديدا لاتبقى المسؤولية محصورة بالسلطة فقط، بل كل مواطن مُعرّض للموت والمخاطر، وهذا يُحتّم على السلطة من باب الأمانة الوطنية إشراك القوى الحية في المجتمع لتُنسّق بينها للمقاومة عندما تفرضها التهديدات،وتحت التهديد يبقى واجب السلطة بكل المعاني إلغاء الفروق بين المواطنين خاصة في هذه الظروف التي تُحرّض على العمل الوطني المُشترك، وتدفع باتجاهها لتحصين المجتمع وتمكينه من أداء دوره الواجب القيام به بمواجهة التحديات.
عندما يتعرض الوطن للمخاطر يجب على المُقصّر إعادة النظر في أخطاءه حاكما كان أو محكوما سلطة ومُعارضة، وذلك لإنتاج الدفاعات اللازمة والضرورية حتى لايفقد الوطن بما فيه نحن كجيل وأبنائنا وأحفادنا كرامته وحريته وثروته، فنترك للأجيال القادمة أن تعيش الفوضى لتصنع واقعها من جديد، بل علينا جميعا أن نساهم في إنجاز حماياتنا خدمة لمن أنجبناهم وأنجبهم أبناؤنا من بعدنا من ضياع مُحتّم ضمن تخبطات الغطرسة الخارجية والداخلية،فالوطن يحميه الوجدان الذي يخلق الدفء فيه، والعقل الذي يرسم قدراته ويُطورها بشريا وماديا تحت سقف القانون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح