الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفيدراليّة والمجتمعيّة

صلاح الدين مسلم

2016 / 5 / 11
القضية الكردية


نحو مجتمع يعيد ترتيب آليات ذهنيته المطعّمة بعلائق الدولة القوموية السطويّة الجنسويّة، ويخلّصها من تلك العلائق، نحو مجتمع تسوده الكومونالية والتوافقيّة والعدالة والحرّيّة والديمقراطيّة، نحو مجتمع يمتلك من القدرة التحصينيّة التي تجعل أفراده متوافقين مع المجتمعيّة توّاقين إلى الانسجام والمسؤولية التي تسعى إلى مجتمع فعّال يمتلك من الذات والموضوع ما تمتلكه الطبيعة من ذكاء فطريّ كونيّ قادر على التوافق بين المجتمعيّة والفرديّة، متخلّصة من الفردانيّة التي تقولب الأفراد في عزلة عن المحيط الذي يعيث فيه الطبقيّون فساداً وجوراً وانتهاكاً.
ليتوافق هذا المجتمع مع القوانين الدولتيّة التي قولبت كلّ شيء وفق جبال من الدساتير والقوانين التي تسرّبت إلى مسامات الإنسان الذي صار مروّضاً من قِبل هذه الهيكليّة القانونيّة، التي فرضت على المجتمع أنواعاً من الحكم لتعترف بهذه السلطة وفق منظومتها السياديّة التي احتكرت كلّ شيء وفق برنامج جديد لترويض البشر ألا وهو الاعتراف القانونيّ، فبجرّة قلم قُسّمت البلاد وفق أهواء القوّة، وحرمت شعوب من العيش، فتشرذمت وفق إله العلم الواحد واللغة الواحدة والوطن الواحد والحدود التي قسّمت الشعوب.
لا مناص للشعوب الثائرة المنتفضة إلّا التأقلم مع هذه الرؤية أحادية الجانب، لتدافع عن مصائرها في محاكم قوانين دولة القوّة التي احتكرت الحياة والهواء، وجمعت كل الألوان في لونها الواحد، لا مناص للمجتمعات الثائرة إلّا الحفاظ على مكتسباتها ومقدّراتها لئلا تضيع في يد الاحتكاريين المتلوّنين بألف لون ولون، وكي تحافظ على ما وصلت إليه من تناسب ما بين البنى الترميميّة للمعاني والروح المُراقة، فكيف لها أن توازن بين وصلت إليه وتجعله دستوراً؟ لئلا يعود أولئك السلطويّون إلى ما كانوا عليه ويخرج الشعب خاسراً كالمعتاد عبر تاريخ الدولة، وتاريخ الدولة القوميّة.
لذلك كانت الحلول المؤطّرة في بوتقة الدولة من النظام الجمهوريّ البرلماني أو الرئاسيّ أو الملكيّ أو الاتحاديّ.... هي الخيارات الوحيدة لتحقيق التوافق بين المجتمع واتحاد الدول القومية الممثّلة في الأمم المتّحدة ومجلسها الهيمنيّ؛ مجلس الأمن، فكانت أقرب التوافقات هي تبنّي مشروع الفيدراليّة ليكون المعيار بين المجتمع الذي ينحو نحو المجتمعيّة والديمقراطيّة وبين الدولة القوميّة القانونيّة، لتكون التركيبة بين الأخلاق المجتمعيّة والقوانين الدولتيّة.
الفيدراليّة الاتّحاديّة التوافقيّة هي السبيل الأقرب للوصول إلى الحلّ في المعضلة السوريّة التي صعّدت فيه النخبة الطبقيّة أواصر التنوعات الإغنائيّة لتحوّلها إلى تفريقات واختلافات، لتستطيع القوى الديمقراطيّة رأب هذه التصدّعات والتخريبات لتحوّلها إلى طاقة دافعة، لا إلى طاقة سلبيّة تخدم النخبويّة المقتة.
ألا تمكن هذه القوى المجتمعيّة في كلّ مدينة ومنطقة وناحية وضيعة من إعادة ترتيب بيتها المهدّم؟ وتدير نفسها بنفسها من خلال الاعتماد على رأب صدع الذهنيّة التي تفتّتتْ، وإعادة روح الوئام والتوافق بين الأفراد المشرذمين، والمجتمعات المتهالكة، من خلال العودة إلى روح الطبيعة المجتمعيّة التي تسودها الأخلاق، ومن خلال إعادة المؤسّسات البنيويّة القادرة على استيعاب المعاني والروح المغيّبة، ضمن قانون له أسس ودساتير تضمن عدم تدخّل الدولة في كلّ شاردة وواردة.
لطالما كان التاريخ يؤكّد أنّ الدولة إذا كانت قويّة فالمجتمع هشّ لا محالة والعكس صحيح، فإذا استعاد المجتمع هويّته فستضعف الدولة لا ريب، فالفيدراليّة أقرب نموذج لهشاشة الدولة وقوّة المجتمع، خاصة إذا ضعف المركز، وكان اللامركزيّة هي المسار الإداريّ، لذلك فإنّ دعاة الدولة القويّة هم القومويّون الراديكاليّون الذين يريدون أن تنساق الدولة نحو المركزيّة الصارمة ليسربوا أحاديتهم الصلبة صلابة رؤاهم إلى الرؤى والآفاق، فلذلك ارتأت المعارضة والنظام السوريّ إلى توحيد نظرتهم إلى الدولة المستقبليّة ألا وهي قوّة المركز، لكنّ الخلاف على من سيستلم دفّة الحكم.
إنّ القوى الديمقراطيّة الحرّة التي استعادت القليل من عافيتها لا ترضى بهذا الحلّ الأحاديّ، فمستقبل سوريا يخطّ بيد المجتمعات لا من خلال القوى النخبويّة، التي تغذّيها المنظومة الرأسماليّة العالميّة، لكنّها بالمقابل لا تستطيع إنكار هذه المقدرة المجتمعيّة في روج آفا، وهذه المؤسّسات والمجالس متكاملة النظرة والفكرة حول إعادة تنظيم نفسها، فبات من المحال التفكير بعيداً عن المجتمع وبعيداً عن التوافق معه، لذلك كان قرار إعلان الفيدراليّة قلباً للطاولة الفوقيّة في جنيف، لأنّ الفيدراليّة كنظام حكم معترف به في كلّ القوانين الدوليّة، وهي سائدة في الكثير من الدول في العالم، فكان الهجوم الإعلاميّ الكثيف على الفيدراليّة هجوماً مطعّماً بالابتعاد عن الموضوعيّة، فباتوا بين مطرقة القانون وسندان القومويّة الفجّة.
لقد كان الهجوم على مشروع الإدارة الذاتيّة مطعّماً بالقانون حيث أنّ الشكل الذي طرح شكلٌ غير معترف به أمام القانون الدوليّ، وبالتالي لقوا الحجّة ليصبغوا طابع الانفصال والتقسيم على هذا المشروع، لكنّهم فشلوا في تسويق فكرة الانقسام وإصباغ الفيدراليّة بطابع الانفصاليّة، لذلك كان الهجوم هجوماً غير منطقيّ، فكيف سيحاربون الإمارات العربيّة المتّحدة، أو الويلات المتّحدة الأميركيّة أو ألمانيا وغيرها، لذلك استطاع هذا المشروع أن يقول لهم: الفيدراليّة في ساحتكم ولنا مجتمعنا، فصارت الكرة في ملعب القانون الدولي الذي أراد منذ بداية الثورة احتكارها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسائل إعلام إسرائيلية تتناول مخاوف نتنياهو من الاعتقال والحر


.. تونس.. مظاهرة في مدينة العامرة تدعو لاجلاء المهاجرين غير الن




.. إخلاء مركز للمهاجرين في تونس ومظاهرة لترحيلهم ورفض توطينهم


.. الأمم المتحدة: دارفور معرضة لخطر المجاعة والموت




.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بإبرام صفقة تبادل فورية