الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تباين الإسلام السياسى بين المشرق والمغرب العربى

رياض حسن محرم

2016 / 5 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مصطلح الإسلام السياسى ليس له تاريخ محدد، فالبعض يرجعه الى زمن دولة الرسول بالمدينة وآخرين يحددون ظهوره مع ما يطلق عليه بالصحوة الإسلامية فى سبعينات القرن الماضى، ولكنى أرّجح بدايته الى نهايات القرن التاسع عشر وظهور جمال الدين الأفغانى وردوده على الدهريين "العلمانيين" ومحمد عبده فى رسائله الى تولستوى وحواراته مع فرح أنطون وغيرهم، وبدايتة الحقيقية جاءت بعد سقوط الخلافة العثمانية على يدى أتاتورك ثم ظهور جماعة الإخوان المسلمين فى 1928 و إعلان حسن البنا عن مراحل الإستيلاء على السلطة وإستعادة الخلافة، مرورا بحرب فلسطين وموقف الإخوان المعادى لثورة يوليو، على أن ظهور المصطلح بمعناه الحديث بدأ إعتماده فى سبعينات القرن الماضى فى كتابات المستشار محمد سعيد العشماوى ومن تلوه، وارتيط ذلك بما عرف حينها بالصحوة الإسلامية و الإحياء الثانى لجماعة الإخوان فى عهد المرشد الثالث عمر التلمسانى وبدء ظهور الجماعة الإسلامية والتيار السلفى بمختلف إنتماءاته وحدوث أول صدام حقيقى مع الدولة المصرية فيما أطلق عليه عملية الفنية العسكرية التى شارك فيها حوالى 400 عضو من تنظيم صالح سريةعام 1974، وتلا ذلك أكثر من عملية لجماعات مختلفة منها التكفير والهجرة يليها جماعة الجهاد المصرية وجماعة "جهيمان العتيبى" التى إحتلت الحرم المكى وأعلنت الخلافة فى 1979، وانتهى ذلك العقد بإغتيال أنور السادات بواسطة تنظيم الجهاد الذى أسسه المهندس محمد عبد السلام فرج صاحب الفريضة الغائبة المتحالف مع الجماعة الإسلامية بالصعيد، وإنتشرت بعدها جماعات السلفية الجهادية " أو الإسلام المسلح" على خريطة الوطن كالشوقيون والتوقف والتبين والناجون من النار والعشرات غيرها، بعدها بقليل وقع الصدام بين النظام البعثى فى سوريا وجماعة الإخوان المسلمين التى عرفت بمجزرة حماة فى 1982، كما بدأ الصدام بين النظام البورقيبى فى تونس وحركة الإتجاه الإسلامى التى سميت فيما بعد بحركة النهضة فى يوليو 1981، كما بدأ الصدام الحقيقى فى الجزائر بين نظام جبهة التحرير الوطنى وجبهة الإنقاذ عشية الإنتخابات التشريعية فى 1991 ومرور الجزائر بأكثر عقودها عنفا ووحشية فيما عرف بالعشرية السوداء، الناظم لكل تلك الحركات والجماعات هو إنتمائها تاريخيا لما سمى بالتنظيم الأم الذى إنبثقتت عنه كلها وهو جماعة الإخوان المسلمين فى مصر وخاصة فى طابعها التنظيرى الجديد للأخوين سيد ومحمد قطب وتأثرها بالأفكار الوهابية القادمة من صحارى نجد.
المقصود بالمغرب العربى هنا هو تونس والجزائر والمغرب مع إستثناء ليبيا لخصوصيتها، أما المشرق ففى القلب منه مصر وكذلك سوريا والعراق ومعهم بقية الدول والبلدان المشرقية، ويكمن الخلاف الجوهرى فى أن الفصل بين العمل السياسى والدعوى غائب كثيرا فى دول المشرق العربى ومصر نموذجا واضحا لهذا الإختلاف، فما يسمى بالأحزاب الدينية " أو ذات المرجعية الإسلامية كما يدعى مؤسسيها" قد نشأت احزابها بقرار من تلك التنظيمات الدينية فحزب الحرية والعدالة نشأ كذراع سياسى لجماعة الإخوان المسلمين وحزب البناء والتنمية يتبع الجماعة الإسلامية.. والنور يتبع المدرسة السلفية السكندرية.. والأصالة والفضيلة يتبع مدارس سلفية قاهرية وهكذا لا يتحرك الحزب إلا بإذن الجماعة.. وبذلك يفقد الحزب السياسى استقلاله ويذوب خطابه فى خطاب الجماعة وقيادته فى قيادتها وميزانيته فى ميزانيتها ومواقفه فى مواقفها.. وصداماته مع صداماتها ويتحول خطابه من سياسى مرن إلى دينى ثابت لا يتغير ولا يتحول، ويخلط قادة الحزب فى خطابهم بين العقائدى الشرعى الثابت وبين السياسى والحزبى المتغير خلطا معيبا.. أو بين المقدس والبشرى، وتعتمد تلك الأحزاب الدينية على ثقافة البديل الإسلامى كوجه مختلف عن الواقع الجاهلى وأن فصائل الإسلام السياسى هى البديل الجاهز دائما عن الآخرين الذين فشلوا قبل ذلك فى كل ما وعدوا به بدءا من تحرير فلسطين إلى تحقيق العدل الاجتماعى والسياسى، وجميعها تتبنى ذلك النهج القطبى فى برامجها وسياساتها وتعتمد فكرة البديل التى هى فكرة تكفيرية فى أساسها تدعى فى طياتها الظاهرة أو الباطنة أن فصائل الإسلام السياسى هى فى مقام الطليعة الأولى والنخبة النقية منذ بدء الرسالة حتى الآن، وهى فى الأصل مفاهيم "جاهلية القرن العشرين" التي دفعها سيد قطب إلى الواجهة ليجعل منها مرجعية ينهل منها الإسلام السياسي حتى الآن، وتبنى تيار انغلاقي شمولي، يؤمن إيمانا راسخا بفكرة الحاكمية الإلهية، وتطبيق الشريعة، وثنائية دار الإسلام ودار الكفر.
أما فصائل الإسلام السياسى فى المغرب وتونس "على سبيل المثال" فهى لا ترى نفسها بديلا عن المجتمع ولكن تعتبر نفسها جزءا منه، ولا تعتبر نفسها أنها تملك الماء الطهور الذى ستطهر به المجتمع وتتميز تلك الأحزاب بسرعة الانتقال من فقه الجماعة إلى فقه الدولة فى فصائل الإسلام السياسى بالمغرب والفرق بين فقه الجماعة وفقه الدولة كالفرق بين الجماعة والدولة.. فالجماعة تتكون من فصيل دينى واحد متجانس فكريا واجتماعيا.. والدولة قد تتكون من أديان مختلفة أو أعراق مختلفة أو مذاهب مختلفة، عموما فلنبدأ بتجربة حزب العدالة والتنمية فى المغرب تلك الدولة ذات التاريخ الممتد والأكثر إتصالا بشبه جزيرة أيبريا إمتدادا للتواجد العربى بالأندلس، لعل تجربة حزب العدالة والتنمية بالمغرب كانت سابقة للحزب الذى حمل نفس الإسم بتركيا، ويقدم هذا الحزب خطابا سياسيا متطورا يقوم على تأصيل فكري يجذر المفاهيم السياسية المدنية في التعامل مع الحياة السياسية الواقعية، وفي الوقت ذاته يحافظ على تواصل الحزب مع جذوره الإسلامية دون إحداث قطيعة كاملة ويظهر ذلك فى تصالحه مع مفاهيم الديموقراطية وتداول السلطة "رضى عبدالإله كيران فى المغرب بالهزيمة الانتخابية ثم قبل المكسب فى المحليات وقبل كذلك رئاسة الوزراء فلما انتخب غيره نزل له عن المنصب" ويقدم نفسه على أنه ليس حزبا دينيا بل حزب سياسى يقوم على أساس الإعتراف بالدولة المدنية ومبدأ المواطنة وعلى مبدأ الفصل بين النشاطات الدينية والوعظية والاجتماعية وبين النشاطات السياسية، وعلى ضرورة إبعاد المساجد عن الصراع الحزبي لتكون مظلة للجميع ويفصل الحزب فصلا تاما بينه وبين حركة التوحيد والإصلاح " جناحه الدعوى"، وينطلق الحزب من القبول بالملكية الدستورية، ورغم إعتبار الحزب أن مرجعيته إسلامية الاّ أنه يسعى "حسب برنامجه" لترسيخ فكر إسلامي إصلاحي حقيقي يقوم على تغليب روح الاجتهاد والتجديد الديني بناء على مقاصد الشريعة وروحها العامة، ويتواصل مع الفكر الإصلاحي الإسلامي الأول وبناء على مساهمات ابن باديس وابن عاشور وعلال الفاسي وقبلهم محمد عبدة وجمال الدين الأفغاني وخير الدين التونسي، ويؤكد الحزب بشكل شبه رسمي على أخذ مسافة مناسبة بعيدا عن تجربة الإخوان المسلمين في العالم. وهو ما تفسره التأكيدات الدائمة لقادة حزب العدالة والتنمية على أن لا علاقة لمشروع حزبهم بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، حتى أن زعيم الحزب بنكيران، ذكر للباحث في الإسلام السياسي آفي شبيغل، بأن إخوان مصر ليسوا إخوانهم، حسبما نقلت عنه "فورين بوليسي".
أمّا فى تونس فقد تم توصيف حركة «النهضة» التونسية من بين قوى الإسلام السياسي في الدول العربية على أنها حركة براغماتية وبأن قادتها وعلى رأسهم راشد الغنوشي تأثروا خلال سنوات العيش في الدول الأوروبية، بالأفكار العلمانية التي تعرفوا عليها عن قرب ولمسوا تأثيرها وقيمتها في بناء المجتمعات المستقرة سياسيا والقادرة على توفير مظلة المواطنة للجميع من دون تمييز بسبب العرق أو الدين، لكن ذلك لا يعني أن الحركة قادرة على إعلان الطلاق مع جذورها العقدية والأيدلوجية وتطبيق ذلك على أرض الواقع، رغم توافر الظروف الموضوعية لذلك حيث المجتمع التونسي من أكثر الشعوب العربية انفتاحا وتطورا على المستوى الاجتماعي وقدرته على استقبال الحداثة بكل صورها وجوانبها، وقد تعاطت حركة النهضة مع الواقع التونسي الجديد بعقلانية وخاصة إبان الجدل الذي دار حول إصدار الدستور التونسي الجديد إذ أعلنت الحركة التي كانت ترأس آنذاك الحكومة الائتلافية أن الإسلام لن يكون المصدر الأساسي للتشريع والإبقاء على الفصل الأول من الدستور السابق الذي تم إقراره إبان حكم بورقيبة عام 1959 من دون تغيير، وقد أعلنت الحركة التوجه «الجديد» الذي أعلنت عزمها الولوج فيه -أي التخلي عن العمل الدعوي والخيري والإرشادي والإكتفاء بالعمل السياسى كحزب مدنى محض، وقد تم هذا الإعلان كموقف وقائى بعد سقوط نظام الإخوان فى مصر وتجنبا لمصير مشابه وبالفعل جاءت نتيجة الإنتخابات البرلمانية التالية بحصول حزب نداء تونس ذى الميول البورقيبية بالأغلبية وفوز باجى قايد السبسى رئيس الحزب بمنصب الرئاسة، و لابد من التذكير بأن حكومتين من جملة الحكومات الثلاث التي تشكلت بعد الانتخابات التأسيسية التونسية التي دارت في 23 أكتوبر 2011 كانت للترويكا التي تشكلت من أحزاب النهضة والمؤتمر والتكتل، الأول إخواني والثاني قومى عربى والثالث علماني، كما أيدت الحركة إنتخاب منصف المرزوقى " الليبرالى ذو الميول اليسارية" رئيسا للجمهورية، وبعد خسارتها أغلبيتها البرلمانية التي كانت لها في التأسيسي، وجدت حركة النهضة نفسها خارج دائرة الحكم. ولكن الحزب الفائز بالأغلبية وخصمها اللدود نداء تونس أصر على إشراكها في شؤون الحكم. رضيت النهضة بذلك القسط الهزيل من المشاركة الحكومية بحقيبة وزارية واحدة ولكن مشاركتها في القرار الرئاسي واضحة فالتنسيق بين رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في أعلى مستوياتها، وهذا التعاطي البراغماتي لحركة النهضة مع الحياة السياسية التونسية يلاحظه كل المتابعين، وقد جاء موقف النهضة من عدم الموافقة على قانون إقصاء حزب التجمع البورقيبى " فلول تونس" وهو القانون الذى كان يقضى بحرمان رموز النظام السابق بموجبه من المشاركة في الإنتخابات لمدة عشرة سنوات، بعد اجتماع تم بين الغنوشى وباجى قايد السبسى، وهذه التنازلات السياسية تلتها أيضا تغييرات في مواقف رئيس الحركة الفكرية بخصوص رؤيته للظواهر الإجتماعية التي تتعارض مع بعض النصوص الدينية أو مع بعض تأويلاتها في محاولة منه للظهور بمظهر السياسي المعتدل و المفكر الإصلاحي إزاء الحقوق والحريات. وهذه التغييرات تبلورت من خلال تصريحات اعتبرها البعض غريبة، واعتبرها آخرون سياسية أكد الغنوشى من خلالها عدم تجريمه للمثلية الجنسية في الفضاءات الخاصة وموافقته على إباحة الإجهاض كوسيلة لتحديد النسل وإسقاط أى عقوبة للمرتد.
هكذا يبدو المظهر العام للتباين بين عقائدية جماعة الإخوان المسلمين فى مصر وجمودها السياسى وسعيها الى الهيمنة على الحكم وربما يرجع ذلك الى إعتبارها أنها المنبع والأساس للإسلام السياسى وعلى ضرورة التمسك بالثوابت بينما حركات الإسلام السياسى بالمغرب العربى تنحو الى مواقف مرنة وأكثر برجماتية وعملية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فقط
فريد جلَو ( 2016 / 5 / 17 - 02:35 )
فقط لاتها تعيش في مجتمعات مدنيه علمانيتها متئصله والحقيقه انها تشترك مع الاسلام السياسي في كل ثوابته ولكنها تتمسكن حتى تتمكن

اخر الافلام

.. ناريندرا مودي... زعيم هندوسي في هند علمانية -اختاره الله للق


.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: فترة الصوم المقدس هي فترة الخزي




.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: السيد المسيح جه نور للعالم


.. عدد العائلات المسيحية في مدينة الرقة السورية كان يقدر بنحو 8




.. -فيديو لقبر النبي محمد-..حقيقي أم مفبرك؟