الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيء من مهدي عامل

موسى راكان موسى

2016 / 5 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




يقول جيل دولوز : (( أليس حقا أن الأموات الذين يعودون هم وحدهم الذين دفناهم سريعا و عميقا دون أن نبدي لهم ما يستحقون من إحترام و أن الندم يعبر عن عجز أو عن إخفاق في إعداد ذكرى أقل من تعبيره عن ذاكرة مُشطـّة ؟ )) ــ مهدي عامل الذي وقع إغتياله 18 مايو ، فأُعلن على أثر ذلك أن 19 مايو هو يوم (الإنتصار لحرية الكلمة و البحث العلمي) في لبنان ، ذا حضور خجول في الأوساط الأكاديمية و الثقافية العامة ! ؛ فعلى الرغم من أن مؤلفاته لا تزال حاضرة من خلال دار الفارابي ، و اسمه ينتفض بين الفينة و الأخرى في العالم الإفتراضي ، إلا أنه في الحقيقة مُغيّب .

مهدي عامل ليس بغائب لكنه مُغيّب ، و لا يُستند في ذلك على نص (( و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون )) ، لكن يُستند على أعمال و مؤلفات مهدي عامل نفسه ، التي لا تزال في بعضها تنبض بواقع المنطقة العربية في ظل مجريات الراهن و العصر .


# لذلك فهذا الطرح سيكون تعريفا بمهدي عامل عن طريق عرض نص له ، مع التعليق و بعض الملاحظات ــ و النص من مؤلفه (مقدمات نظرية ــ لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني) :

إنّ هذا التحديد النظري للعلاقة الكولونيالية هو الذي يعطينا التفسير العلمي لهذه الظاهرة التاريخية من عدم انقطاع علاقة التبعية البنيوية للامبريالية في بعض البلدان العربية ذات ((الأنظمة التقدمية)) ، كمصر و سوريا أو الجزائر مثلا ، برغم وصول طبقة أخرى إلى السلطة ، غير البورجوازية الكولونيالية ، و أكثر عداء منها للامبريالية . فالتبعية الطبقية التي تربط البورجوازية الكولونيالية ، بشكل مباشر ، بالبورجوازية الامبريالية ، لا وجود لها في علاقة البورجوازية الصغيرة ، من حيث هي طبقة مسيطرة ، بالبورجوازية الامبريالية ، بل إن هذه الطبقة المسيطرة في ما يسمى ((بالأنظمة التقدمية)) هي في علاقة موضوعية من العداء مع الامبريالية سمحت لها ، في شروط تاريخية محددة و لأسباب متعددة لا سبيل إلى ذكرها الآن ، بأن تكون في قيادة حركة التحرر نفسها ، في مرحلة من مراحل تطورها . و مع هذا ، لم تنقطع العلاقة الكولونيالية ، بل بقيت الإطار البنيوي الذي تتحرك فيه علاقة العداء هذه . و بتعبير آخر ، إنّ وجود التناقض الموضوعي بين البورجوازية الصغيرة المسيطرة و الامبريالية لا ينفي وجود العلاقة الكولونيالية و لا يقود إلى قطعها ، لسبب بسيط هو أن تحركه قائم أصلا ً على أساس وجود هذه العلاقة من التبعية البنيوية و في إطارها ، أي في إطار بنية علاقات الإنتاج الكولونيالية و على أساس وجودها و بقائها . فالوجود الموضوعي لهذه البنية ، من حيث هي القاعدة المادية لوجود البورجوازية الصغيرة كطبقة مسيطرة ، و لتجدد سيطرتها الطبقية ، هو الذي يمنع إذن ، هذه الطبقة من أن تقوم بقطع العلاقة الكولونيالية ، برغم وجودها في تناقض مع الامبريالية ، و هو الذي يعطي هذا التناقض طابعه المحدود ، أي طابعا ً نسبيا ً معينا ً يمنعه من أن يقود إلى قطع هذه العلاقة . فعملية القطع هذه لا تخضع لمنطق تطور هذا التناقض ، بل لمنطق آخر من التناقض ، هو منطق الصراع الطبقي نفسه الذي يتولد داخل البنية الاجتماعية الكولونيالية على أساس علاقات الإنتاج المحددة فيها . ( ص 328 ــ 329 )


# و يمكن تلخيص النقاط المهمة في النص بالآتي :

* العلاقة الكولونيالية هي علاقة تبعية بنيوية .
* إنتقال السلطة من البرجوازية الكولونيالية إلى البرجوزاية الصغيرة هو هو ضمن العلاقة الكولونيالية نفسها [ استبدال طبقي ] ؛ أي إبقاء و تجديد لها و إن كان بمظهر آخر [ عدائي ] ، لا قطع لها ــ فالمظهر العدائي التي تُظهره البرجوزاية الصغيرة يجعل منها ظاهريا طرفا نقيضا للمتبوع بنيويا ؛ لكنها فعلا ليست نقيض له ، لأنها تُبقي على العلاقة التي هي فيها و التي هي سبب وجودها ، و إستمرارها كطبقة من إستمرار العلاقة ذاتها .
* القطع لا يكون من خلال مظاهر العداء للمتبوع بنيويا ، لكن يكون من خلال تناقض فعلي هو من الصراع الطبقي .


# و هناك ملاحظتين تستوجب الذكر :
1) في التسمية ( البرجوازية الصغيرة ) لبس ؛ و الحق أن مهدي رجح هذه التسمية مفضلا إياها بعد تناول ( الطبقة الوسطى ) أو ( الطبقة المتوسطة ) ــ إلا أن البرجوازية الصغيرة التي يقصدها مهدي تتماثل إسميا مع البرجوازية الصغيرة المقصود بها الفئة الدنيا من الطبقة البرجوزاية الرأسمالية ؛ فالبرجوزاية الصغيرة التي يقصدها مهدي هي الطبقة الوسطى [ أو البرجوزاية الوضيعة ] . لذا لتمييز يستحذر اللبس يمكن أن نميّز بالآتي :
ــ البرجوازية الصغير / هي الفئة الدنيا من الطبقة البرجوزاية الرأسمالية .
ــ الطبقة المتوسطة / هي الفئات التي لم ترتق لمستوى طبقات ــ لعدم توفرها على الشروط التي تميّزها كطبقات ؛ أي التفارق الذي يُميّز الطبقة كطبقة .
ــ الطبقة الوسطى أو البرجوازية الوضيعة / هي الفئات التي لم ترتق لمستوى طبقات ، و لا يمكنها الإرتقاء لمستوى طبقات ــ فهي تتميّز بكلها كطبقة ؛ أي فئات طبقية لا تفارقية .

2) يؤخذ على مهدي نزعته المفرطة في العقلانية ؛ فحين يصطدم باللا عقلانية يغطي عليها بأن يسميها بـ(الموضوعية) ــ و إن كانت هذه اللا عقلانية موضوعية إلا أن الهروب من إستعمال هذه التسمية و عدم ذكرها هو تغييب لجزء من الموضوع [ إن لم يكن قدر عظيم من الموضوع ] ؛ و إن كان هذا التغييب يبدو بلا تأثير سلبي واضح ، إلا أنه تغييب يتبدى أثره في الفكر كله و البحث أو الطرح كله عند مهدي [ إذ السياسة تنقلب مجرد عملية هي هي عمليات إدارية ، عمليات إدارية يتناوب عليها التماثل و التناقض ــ و هذا محرج بالنسبة للمخرجات الكلية لمهدي عامل ؛ البحثية و الفكرية ] .


# فهم النمط الكولونيالي من حيث هو التشخيص الذي انتهى إليه مهدي عامل في إطار النظر و التحقيق في واقع المنطقة العربية في حينه ، مهم لنا في محاولة تشخيص واقع المنطقة العربية في حيننا الآني ــ فعلى الرغم من التغييرات التي جرت في المنطقة العربية [ الإستقلال الوطني / الإنقلابات العسكرية / الإنتفاضات الشعبية ] إلا أن الوضع الإجتماعي العام بالكاد حدث فيه تغيير جذري ؛ و مهدي عامل بتناول ما يسمى بـ(( الأنظمة التقدمية )) يسلط الضوء على مسألة غاية في الأهمية ، ألا و هي بقاء النمط رغم ما حل بالمظهر من إختلاف [ من التبعية المباشرة و الودّية إلى التبعية الغير مباشرة و العدائية ! ] .

فصحيح أن مهدي عامل حدد العلاقة الكولونيالية على أساس من الوحدة البنيوية بين بنيتين بينهما تفاوت ، مُعتملة في وجودها لصالح بينة التوسع [ بنية الرأسمالية الامبريالية ] ، بالتالي فاعلة فعل الإلجام بالنسبة للبنية الكولونيالية ــ إلا أن البنية الكولونيالية تتميّز عن العلاقة الكولونيالية ، و كل منهما يتميّز عن بنية التوسع ؛ على الرغم من أن بنية التوسع هي التي أوجدت العلاقة الكولونيالية ، و الأخيرة هي التي أوجدت البنية الكولونيالية .
التمييز بين البنية الكولونيالية و العلاقة الكولونيالية و بنية التوسع ، يمكننا من أن نستوعب إمكانية بقاء البنية الكولونيالية كبنية كولونيالية دون وجود كل من العلاقة الكولونيالية و بنية التوسع ــ و هذا ما يقودنا إلى طرح سؤال مباشر : هل النمط الكولونيالي هو نمط المنطقة العربية ؟! ؛ هل سمات نمط الإنتاج في المنطقة العربية هي هي سمات النمط الكولونيالي ؟! .

# و هنا بالذات تكمن الأهمية الكامنة من تناول مهدي عامل ما يسمى بـ(( الأنظمة التقدمية )) [ و إن كان تناولها كأمثلة ] ــ فهذه الأنظمة رغم (الاستبدال الطبقي) و (الاستقلال الوطني) و (العداء اللا عقلاني للامبريالية) و غير ذلك ، إلا أنها بقيت كولونيالية في بنيتها ؛ لأن وجودها من وجود هذه البنية ، و إستمرارها من إستمرار هذه البنية .
فإن كان هذا بالنسبة لما يسمى بـ(( الأنظمة التقدمية )) ، فكيف بتلك التي لم تنل شرف هذه التسمية من أنظمة عربية ؟! . لكن سواء أسميت بذلك أم لا ، من الواجب تشخيص واقع تلك الأنظمة دون الإنجرار خلف التسميات على إختلافها ؛ فليست التسمية أو الدستور أو الشعار أو شكل الحكومة أو شخصية القائد هي التي تحدد النمط ، بل النمط نفسه هو الذي يحدد نفسه .


في الختام ــ بعد كل ما سبق ، قد تُعرف بعض أسباب تغييب مهدي عامل ، و لربما يُعرف من لمصلحته يكون تغييب مهدي عامل ؛ ليس كل الأعداء متماثلين في تصريحهم بالعداء و وضوحهم ، فمن الأعداء من يكون أقرب من حبل الوريد ، و هو فاعل فعل التغييب ، حتى و هو يستذكر اسم مهدي و يحرص على نشر مؤلفات مهدي و يدافع عن اسم مهدي [ و حقيقة النية لا تغيّر من ماهية الفعل ] ، فليس بصحيح أن التغييب هو بسبب لغة مهدي ، و لا بتعقيد فكر مهدي ، أو حتى ما يجرؤ أن يسميه البعض عقائدية مهدي ؛ و لا يعني ذلك نفي لمشاكل أو إشكالات في لغة أو فكر مهدي ، و قد تناولنا بعض من ذلك في الطرح .

# فأن نقرأ مهدي و نفهمه و نتداوله معناه أن نقرأ واقع المنطقة العربية ، فنفهمها ، فنصير فيها فاعلين بعد أن كنا منفعلين ؛ إن تغييب مهدي عامل يتجاوز مجرد تغييب مهدي عامل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهدنة في غزة: ماذا بعد تعقّد المفاوضات؟ • فرانس 24


.. هل تكمل قطر دور الوساطة بين حماس وإسرائيل؟ • فرانس 24




.. 4 قتلى وعدة إصابات بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة -ميس الجبل-


.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن أنها دمرت 23 طائرة روسية موجّه




.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. والضبابية تحيط بمصير محادثا