الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغنوشي.. بريق السلطة يخرجه من دائرة العقل..

فاضل عزيز

2016 / 5 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ممارسات قادة تيار الإسلام السياسي اليوم المنافية للعقل والمرتهنة للتاريخ تؤكد أنهم غير قابلين للتطور ومواكبة سنن التقدم الإنسانية، بالرغم مما مر بالعالم من تطورات سياسية، إلا أنهم يصرون على التمترس في "سقيفة بني ساعدة" ويرفضون مغادرة ذلك التجمع الذي أسس لدولة الإسلام الأولى، محولا الدين الإسلامي من دين دعوي نزل من اجل إصلاح الإنسان، إلى دين سياسي مسخر لاستغلال الإنسان لأغراض دنيوية .

هذا المشهد المغرق في التخلف مثَّله بكل فجاجة قبل أيام الشيخ راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة التونسي (حزب قائم على عقيدة الإسلام السياسي) بإعلانه عن خروج هذا الحزب من دائرة الإسلام السياسي، وتحوله إلى حزب سياسي لا يدخل الدين في حراكه ومفاهيمه وسياساته!!

ولوح الغنوشي في إعلانه الذي اختار منبرا فرنسيا لإطلاقه (صحيفة لوموند) في خطوة تؤكد للمتابع أنه إعلان موجه الى المجتمع السياسي الفرنسي بقدر ما هو موجه للشعب التونسي الذي يعاني مرارات تخبط هذا الحزب وما أنتجه لتونس من جماعات متطرفة منذ إطلاقه وحتى اشتعال انتفاضة الشعب التونسي في 2011، لوح بتعهدات قاطعة بتخلي حزبه عن كل ما له علاقة بالإسلام السياسي والتفرغ للسياسة الدنيوية، معتقدا أن رعاته وملهميه القابعين في باريس وحتى أبناء الشعب التونسي ستنطلي عليهم هذه المناورة السمجة التي لا تدل إلا على سطحية التفكير وتخلف العقل، إذ لا يمكن لأي متابع بسيط أن يستوعب أن يتخلى الغنوشي الذي امتطى الدين منذ بدايات شبابه وخاض تحت رايته معاركه السياسية والأمنية ضد الدولة العلمانية في تونس وجرب مرارات السجون والمطاردة على خلفية هذه القناعات، لا يمكنه أن يتخلى عن هذا المبدأ في لحظات لا تتجاوز دقائق ومن خلال بيان يلقيه من على منبر فرنسي كان حتى الأمس القريب هدف كل تهجماته، معتقدا أنه بهكذا بيان من هذا المنبر سيقنع المراقبين في الخارج والشعب التونسي أن حزب النهضة تحول في غضون تلك الدقائق من حزب محافظ معادي للحداثة، إلى حزب متنور يؤمن بالحداثة كطريق وحيد للانتقال من وهدة التخلف الى فضاء التقدم والرخاء .

إن مشهد "سقيفة بني ساعدة" كما نقلته لنا روايات المؤرخين في جانب إدارته لذلك الصراع قياسا بما أعلنه الغنوشي اليوم، يعد متقدما بقرون على حزب النهضة؛ ففي تلك السقيفة جرى حوار ونقاش وصراع سياسي بين رموز مجتمع المدينة الإسلامي الناشئ لملأ الفراغ الذي تركه رحيل النبي صلى الله عليه وسلم ، وبغض النظر على صحة وصواب نتائج ذلك الصراع في تلك الفترة، فيمكننا أن نلمس فيه أول مظهر من مظاهر الشورى في ذلك المجتمع وإن كانت مشوهة وفق معاييرنا اليوم.. إلا أن ما أعلنه الغنوشي قبل أيام لا يرقى إلى مستوى ما جرى في ذلك التاريخ بهذه السقيفة، بل هو أقرب ما يكون إلى قرار إمبراطور من أسوأ أباطرة روما، ذلك أنه إذا ما افترضنا جدلا أن هذا التغيير حقيقيا وجاداً ويتم بمقتضيات ومفاهيم القرن الواحد والعشرين السياسية، ما كان ليتم هكذا بإعلان في صحيفة أجنبية، وبدون الرجوع الى اللجنة السياسية للحزب ومستشاريه وكوادره القيادية، هذا اذا كان فعلا حزبا سياسيا بمفهوم عصري..

نحن لا نرفض و لا نستغرب تحول الأحزاب عن بعض قناعاتها وسعيها للتطور ومواكبة تطور البشرية وسياسات العالم، فهذا المبدأ يعد من بديهيات إدارة الأحزاب في الزمن المعاصر، ولنا في الكثير من التحولات السياسية التي شهدتها الكيانات السياسية في العالم خلال العقود الماضية أمثلة كثيرة، وأبرزها وأكثرها دراماتيكية التحول الذي شهده الاتحاد السوفييتي السابق الذي تحول من دولة قائمة على حزب شيوعي يتخذ من أفكار ماركس مرجعية له، إلى دولة ليبرالية تؤمن بالديمقراطية ومبدأ الاقتصاد المفتوح وتخلت على كل الكيانات والدول التي كانت حليفة لها، هذا التغيير بكل ما خلفه من زلازل في تلك الرقعة من العالم، لم يتم بإعلان مفاجئ من على منبر صحيفة روسية او حتى اجتماع مفاجئ للحزب الحاكم، بل تم عبر سلسلة من الحوارات والصراعات السياسية وحتى العنيفة بين رموز الحزب وقياداته وكوادره شهدتها ردهات الكرملين وساحات موسكو، واستمرت لسنوات حتى انتج الوضع الحالي لتلك الكتلة التي تشظت إلى دول وكيانات سياسية مختلفة المشارب والتوجهات.. هذا النوع من الحراك والتفاعل، لم نسمع بأي اثر أو تلميح له في تونس في أي مناسبة من هذا الإمبراطور الانتهازي لتغيير جذري في عقيدة حزبه الذي يمكن وصفه بأنه ملك شخصي للغنوشي وأن كل أعضائه وكوادره لا يزيدوا عن كونهم أقنان يعملون تحته.. هكذا تغيير دراماتيكي يمس عقيدة الحزب، إذا كان فعلا حزبا يؤمن بقواعد التحزب العصرية، كان يستوجب طرح فكرة التغيير على كل أعضائه والدعوة إلى اجتماعات ومناظرات مطولة يقدم فيها المشاركون رأيهم ومشورتهم للخروج برؤية للتغيير يتم طرحها للتصويت داخل اللجنة المركزية للحزب، وتكون معبرة عن قناعات شريحة واسعة من المنتمين للحزب وقابلة بالتالي للتطبيق..

إن ما يمكن أن يوصف به إعلان الغنوشي عن مغادرة حزبه حظيرة الإسلام السياسي، هو أنها لا تزيد عن كونها فرقعة إعلامية لشق صفوف مؤيدي الأحزاب والتجمعات العلمانية والتنويرية التونسية الذين دفعهم خطاب النهضة الذي يتكئ على أدبيات وأفكار الإسلام السياسي وما أنتجه هذا التوجه من جماعات متطرفة يدعي عدم ارتباطه بها، دفعهم للاصطفاف ضد النهضة والانضمام إلى مختلف الأحزاب التي تفصل بين الدين والسياسة.. إلا أن هذه الفرقعة وإن كان الغنوشي قد اختار لإعلانها منبرا فرنسيا لإدراكه مدى ارتباط التونسيين بمصادر الإعلام الفرنسية ، لن تحقق له ما يرمي له وذلك للأسباب التي سردتها، فالشعب التونسي اليوم لم يعد من السذاجة ليمرر عليه الغنوشي هكذا مناورة سمجة سطحية، لأنه يدرك أن الغنوشي وكوادر حزبه الفاعلة لا يمكنهم الخروج من جلودهم ، ولو فعلوا فإن مرجعيتهم الدولية (تيار الاسلام السياسي الدولي الذي يقوده حزب اردوغان التركي) ستدينهم بالكفر والردة والخروج عن الإسلام ، وهو ما لن يرتضيه حتى التوانسه أنفسهم لهذا الزعيم اللاهث وراء سلطة تحرسها نصوص مقدسة تكون عصية على السقوط ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج