الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهيد الحزب الشيوعي العراقي ساسون شلومو دلال

نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)

2016 / 5 / 25
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


بعد تشكيل تنظيم عصبة مكافحة الصهيونية في عام 1945م من قبل الحزب الشيوعي العراقي, انتمى للتنظيم مجموعة من يهود العراق لمناهضة الصهيونية, وهدفها للعمل على تخفيف الكراهية بين الطوائف, وعدم التمييز بين الطوائف والمذاهب والقوميات, وسرعان ما لمعت أسماء الوطنيين ومنهم أسم ساسون دلال الذي احتل مراكز هامه في الحزب الشيوعي العراقي, يذكر المفكر حسقيل قوجمان ما لدور ساسون دلال في تعرفه على الفكر الماركسي وتزويده بأدبيات الفكر والحزب وكان السبب الرئيسي لاعتناقه الفكر الماركسي, فقد ضمت خلية النقابي القدير (عبد تمر) ساسون دلال الذي كان ملماً بالماركسية وممن تضلعوا فيها وثقافته الواسعة, وفي شهر تموز 1946م أعلنت الحكومة الملكية عدم شرعية العصبة وعطلت صحيفتها واعتقلت رؤسائها.
بعد أن حكم المجلس العرفي العسكري على قادة الحزب الشيوعي العراقي (يوسف سلمان يوسف وزكي بسيم وحسين محمد الشبيبي) بالإعدام, وتسلم مسؤولية التنظيم يهودا صديق ومن ثم مالك سيف, وبعد إلقاء القبض على مالك سيف وأبدى تعاونه مع مديرية التحقيقات الجنائية على تحطيم التنظيم, كونه المسؤول الأول الذي يعرف كل خيوط التنظيم, أصبح ساسون دلال المسؤول الأول على التنظيم بعد مالك سيف, وبدأ بالأشراف على مطبعة الحزب والاستمرار في إصدار جريدته القاعدة والنشرات الاحتجاجية وقيادة التظاهرات ضد النظام الملكي, والقيام بالإضرابات لإسقاط الوزارة لتخليص المحكومين بالإعدام من قادة الحزب.
في فترة تولي ساسون دلال للقيادة تميز نشاط الحزب في هذه الفترة بهجوم واسع على الحكومة من خلال المظاهرات, وكان ساسون يردد في رسائله (أرادوها حرب إبادة فلتكن حرب إبادة), وكان يحث على المصادمات في الشوارع حيث يُلمس ذلك في رسائله إلى حميد عثمان مسؤول لواء السليمانية والتي أشار فيها «أن يكون مبدأهم العنف بالعنف»(1). وفي رسالة بعث فيها إلى فؤاد بهجت مسؤول لواء كركوك في 25/1/1949م أكد على ضرورة إعلان العمال الاشتباك مع العدو (يقصد الحكومة) وأشار في الرسالة إلى استعمال الشدة فقال : «إذا استعملت النار ضدكم فليكن مبدأكم العنف بالعنف»(2).
كأن الحزب يفكر بثورة شعبية عامة, ولكن الظاهر أن الحزب بمظاهراته الصدامية أراد إضعاف الحكومة ومحاولة إسقاطها والمجيء بحكومة يرأسها الجادرجي أو من حزب الأحرار بحيث تدفع بالحركة الوطنية إلى الأمام, كانت التظاهرات تحرك الشارع العراقي, ولهذا اتخذ الحزب بعد المصادمات بين المتظاهرين وقوات الشرطة بخطة التراجع المنظم في اجتماع سريع لقيادة الحزب, وفي رسالة بعثها ساسون دلال إلى زكي وطبان مسؤول البصرة يتضح أن الحزب اتخذ هذه الخطة بعد أن درس الظروف الموضوعية للقائمة الداخلية والخارجية, وفي رسالة أخرى بعث بها ساسون دلال إلى مسؤولي الألوية كافة يشير إلى أن هذه الخطة لا تعني رفع الأيدي أو الهزيمة, بل تنظيم الهجوم وتركيزه في جهة أخرى وهي جهة داخل الحزب, وكان ساسون يبغي من وراء ذلك تطهير صفوف الحزب من العناصر الغريبة عنه أو التي خارت قواها, بالإضافة إلى إعادة تنظيم المنظمات التي تفكّكت(3). واتُهم ساسون من قِبل الحزب بعد ذلك بأنه أراد للشيوعيين نهاية انتحارية وأنه شخص مغامر ولم يكن يمثل الخط المبدئي للحزب, ويحمل أفكاراً غريبة عن منهج الحزب (فوق اليسارية)(9).
بعد الكشف عن أوكار الحزب في بغداد ومنها وكر اللجنة المركزية في السنك محلة الحاج فتحي وبتاريخ 19/2/1949م(5) تم إلقاء القبض على حسقيل قوجمان ونجية قوجمان وديزي حسقيل – صبيحة صالح – وسمحة يعقوب وجماعة آخرون, تم العثور في الوكر على مطبعة الحزب ومجموعة من المناشير المطبوعة وعلى أعداد كبيرة جداً من جريدة القاعدة ومحافظ المخابرات العائدة للحزب وصور المناشير والأوامر الحزبية وأوراق الترشيح للانتماء للحزب وإلى غير ذلك, كما تم العثور على 61 دينار تعود للحزب ومسدس واطلاقات وكتب شيوعية, ومن خلال الاعترافات تم القبض على يعقوب مصري وعمومة مصري وعبد الهادي هاشم ومحمد علي الشبيبي وساسون دلال وصبري عبد الكريم, وأثناء ما كانت الشرطة في الدار حضرت إلى الدار سعيدة ساسون مشعل – شعلة – فتم القبض عليها ايضاً.
بعد التحقيق اعترف صبري عبد الكريم على ساسون دلال باعتباره المسؤول الأول في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي, تم إلقاء القبض على ساسون دلال, وقد أيد ذلك باعتباره المسؤول الأول في الحزب, تمَّ إحالة أوراق التحقيق مع ساسون دلال وبقية الملقى القبض عليهم إلى رئيس المجلس العرفي برقم 57/49, وقد تشكل المجلس العرفي العسكري الأول بتاريخ 26/4/1949م من كل من العقيد عبد الله النعساني وعضوية الحاكمين خليل زكي مردان وفريد علي غالب والعسكريين المقدم محمود عبد القادر والرئيس الأول احمد داوود, كانت تهمة ساسون دلال الانتماء للحزب الشيوعي العراقي واعتباره المسؤول الأول, إضافة إلى كتابته البيانات المنشورة في البيان الصادر في 23/1/1949م الذي كان يوصي في الفقرتين العاشرة والثالثة منه بلزوم التغلغل بين صفوف الجيش بكل قوة وحملهم على الاشتراك في الحزب وفي المظاهرات والأعمال الثورية الأخرى, كان حكم المحكمة العسكرية الصادر بتاريخ 27/4/1949م على ساسون دلال بالإعدام شنقاً حتى الموت وفق الفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون ذيل قانون العقوبات البغدادي رقم 51 لسنة 1938م, أما بقية أعضاء الحزب الملقى القبض عليهم فكانت عقوباتهم بين الأشغال الشاقة والسجن سبعة سنوات أو سنتين(6).
تم تنفيذ حكم الإعدام على ساسون دلال وهو في أجمل ما لبس من ملابس, ضاحكاً مستقبلاً الشهادة, وكان هنالك موقف بين صعود ساسون دلال منصة الإعدام والشرطي المشرف على التنفيذ, نقلها الكاتب خالد القشطيني قال : شكّل اليهود الجناح اليساري المتطرف في أيام العهد الملكي, أصبح الكثير منهم شيوعيين وماركسيين، تولى اثنان منهم قيادة الحزب الشيوعي، ودفعا الثمن بحياتهما, يهودا إبراهيم صديق وساسون شلومو دلال, آل دلال من العوائل الغنية, لاحظ الشرطي أن ساسون وهو في طريقه إلى المشنقة كان يلبس حذاءً اسفنجياً غالياً, قال له : تدّعي بالشيوعية ولابس قندرة إسفنج؟ أجابه : ليش؟ هي الشيوعية بالقندرة أو بالراس؟ فأعدموه، ورحلت أسرته مع بقية اليهود إلى إسرائيل, أصبح الأمر بيدهم هناك، فإذا بهم ينقلبون من التطرف اليساري إلى التطرف اليميني, إنهم يشكلون الآن عمدة حزب الليكود.
ذكر الكاتب عزيز الحاج في كتابه راحلون عن القيادي الشيوعي ساسون دلال الذي أعدم عام 1949م إذ قال : (.. إن ساسون مات باسم الشيوعية لا باسم الصهيونية وإسرائيل) ولكن ساسون دلال لماذا يضع في قائمة النسيان وكذلك الشهيد شاؤول طويق والشهيد يهودا إبراهيم صديق الذين كانوا مثالاً لحب العراق وللتضحية من أجل شعبه وتربة الوطن.


المصادر
1- الشرطة الجنائية . التحقيقات الجنائية. موسوعة ج3. ص571.
2- الشرطة العامة. نفس المصدر .ص550.
3- الشرطة العامة. مديرية التحقيقات الجنائية, موسوعة سرية ج5, مطبعة الحكومة . بغداد 1949 . ص946.
4- د.عبد الرزاق مطلك الفهد الأحزاب اليسارية في العراق, ودورها في الحركة الوطنية والقومية 1934-1958,شركة المطبوعات للتوزيع بيروت,2011,ص 51.
5- حسقيل قوجمان . ساسون دلال . موقع الحوار المتمدن ليوم 10/2/2006 العدد 1457 .
6- الموضوع مقتبس من موسوعة سرية خاصة بالحزب الشيوعي العراقي السري أصدرتها الشرطة العامة شعبة مديرية التحقيقات الجنائية في بغداد عام1949 الصادرة عن مكتبة النهضة العربية للطباعة والنشر بيروت – بغداد ج4 ص983 /1000.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا.. مقتل 3 متظاهرين إثر احتجاجات اعتراضا على نتائج ا


.. شاهد | تجدد الاشتباكات بين الشرطة الكينية ومتظاهرين في نيروب




.. ماكرون.. بين مطرقة اليمين المتطرف وسندان تجمع اليسار


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: انسحاب أكثر من مئتي مرشح لسد




.. كينيا.. قوات الشرطة تطلق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين