الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرن على سايكس بيكو

صلاح الدين مسلم

2016 / 5 / 26
القضية الكردية


تعدّ اتّفاقيّة سايكس بيكو من ضمن الاتفاقيّات العديدة السرّيّة التي كانت تُدار في الكواليس المظلمة للسيطرة على الشرق الأوسط، وعلى موزوبوتاميا أو الهلال الخصيب؛ مهد انبعاث أولى الحضارات، وموطن الخير الوفير والطاقة الكامنة التي تستطيع أن تنعش العالم بأسره.
لقد كانت اتّفاقيّة سايكس بيكو قبل مئة عام بين النظام المهيمن حينذاك (بريطانيا وفرنسا) وبمباركة روسيا القيصريّة قبل اندلاع الثورة الروسيّة، لكن بعد وصول لينين إلى سدّة الحكم في روسيا، تمّ الكشف عن العديد من الاتّفاقيّات السرّيّة، بحكم أنّ الثورة الشيوعيّة كانت تطرح مبادئ الكفاح المسلّح والثورة البلشفيّة ودعم حركات التحرّر ضد قوى الاستعمار، ومن بين تلك الاتفاقيات التي افتضح أمرها اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور.
وكانت اتفاقيّة سايكس بيكو 1916 التمهيد لاتفاقيّة لوزان 1923 التي رسمت فيها الحدود الحاليّة، والتي أجرت تعديلاً طفيفاً على اتفاقية سايكس بيكو، وكانت لوزان الكارثةَ التي ألمّت بالشعوب، وكانت الضريبة التي دفعها الشعب الكرديّ هي الأكبر من بين كلّ الشعوب التي دفعت ثمناً لهذه المؤامرة الظالمة المجحفة بحقّ الشعب الكرديّ.
لا ريب أنّ الإمبراطوريّة العثمانيّة ترى هذه الاتفاقيّة تقسيماً لأراضيها، وكذلك العرب الذين شعروا بالغدر من مكماهون الذي وعدهم بأنّ بريطانيا ستعترف بآسيا العربية كاملةً دولةً عربية مستقلة إذا شارك العرب في الحرب ضد الدولة العثمانية.
لا يمكننا الحديث عن الاتفاقيّة دون النظر من نظرة أحاديّة الجانب، أي اتّهام الغرب بأنّه قام بهذه الاتفاقيّة بمفرده، فلابدّ من وجود اتّفاق مع بعض الشرائح المحلّيّة التابعة لها، وإلّا لماذا يتعاقد ماكمهون مع الشريف حسين ليرضيه بلقب الملك الذي ورّثه لابنيه عبد الله وفيصل، وإرضائه بالأردن والعراق لفترة معيّنة.
إنّ كلّ التحليلات والتصريحات والوقائع التي تصبّ في قراءة الذكرى المئويّة لاتّفاقيّة سايكس بيكو تقع في خانة أنّ الوضع الحالي لن يبقَ كما هو، وأنّ هناك تغييرات على الحدود القديمة، وأنّ التقسيم العرقيّ الأثنيّ أوالطائفيّ لن يكون حلّاً مناسباً، ولن ينجح مشروع الدول الصغيرة، إذْ لا حلّ إلّا أن تفتّت المنطقة إلى ألف دولة، وهذا غير معقول من خلال سيطرة هذه الدول على قرارات الأمم المتّحدة، إذاً ما هو الحلّ؟ أهو الكاوس أو الفوضى الخلّاقة كما صوّرت كلينتون الوضع؟
إنّ من يدافع عن هذه الحدود المقدّسة التي يعتبرها سياجاً لمزرعته الدولتيّة، هم اليائسون من استعمار وتوسيع مستعمراتهم في هذا الشرق الأوسط، وما تداعي الديكتاتوريات واحدة إثر الأخرى إلّا مصير أولئك الملّاكين الجدد في المنطقة، الذين ينظرون إلى الدولة على أنّها عقار ملكه.
ما يميّز هذه الاتّفاقيّة أنّها لم تستطع أن تعتمد على إرث حضاريّ، فالعراق على سبيل المثال له حدود مع دير الزور، وما زال سكّان مدينة دير الزور يعتبرون أنفسهم امتداداً للعراق، وكذلك سكّان لواء إسكندرون، والكويت التي تعدّ امتداداً للعراق... هذا إذا ما قارنّا بين سايكس بيكو وبين الولايات العربيّة والكرديّة في عهد الإمبراطوريّة العثمانيّة، وإذا عدنا إلى العصر القديم فسنرى تداخلاً حضارياً غريباً من خلال المقارنة بين حدود الآشوريين والبابليين والميتانيين....، ما يميّز هذه المنطقة أنّ الكرد هم القوم الأقدم حسب التاريخ المخفيّ الذي جعلوه مجهولاً، لكن أركولوجيّات كوبكلي تبه وتل حلف والموصل وغيرها تثبت المعضلة الكرديّة التي لم يستطع الاستعمار أن يقضي عليها من خلال التشجيع على الإبادة والصهر، كما حصل مع الأرمن واليونانيين والآشوريين والإيزيديين....
لم تكن اتفاقية سايكس بيكو اتفاقيّة لتقسيم المنطقة جيوسياسيّاً فحسب، بل كانت اتفاقيّة لتقسيمها ثقافيّاً، وإلحاق الشرق الأوسط بالعالم الأوّل كما يصفونه الغرب، وجعل ثقافة الليبراليّة ثقافة هذا الشرق، من خلال محو التاريخ القديم للحضارة الإنسانيّة وجعل الحضارة الأوربيّة الحديثة بداية التاريخ، أي قطع الصلة وبترها عن القديم الجاهليّ، وكأنّ الدولة القوميّة هو الإله الجديد والغرب هو النبيّ الجديد التبشيريّ الذي تكمن مهمّته في إلحاق الأطراف بالنظام المهيمن، وإن انتقل مركز النظام المهيمن من أوربا إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة، لكن الفشل كان دائما من نصيب هذه الفكر الاستشراقيّ، فكان البحث عن الحلول والأفكار الجديدة من خلال النظرة الوضعيّة إلى الشرق، فلم تصعد أيّة تيارات فكريّة متكاملة تناقض هذا الغزو الثقافيّ مثل البراديغما الأوجلانيّة المتكاملة في تحليل هذا الشرق الأوسط وإيجاد الحلّ في الأمّة الديمقراطيّة الحلّ الناجع لهذه المعضلة والإشكاليّة في النظرة للشرق الأوسط.
لقد قالها الكردي ومازال يقول: لقد كان الظلم والإجحاف من نصيب الكرد من خلال تطبيق هذه الاتّفاقيّة، فالكلّ صار يمتلك دولة إلّا الكرد، لكن قد يكون هذا من حظّ الكرد أيضاً، فلم تتلطّخ أيديهم بدم الدولة، وإن كانت هذه الدولة الناشئة في جنوبي كردستان الوليدة، قد تمخّض عنها بعض الاستبداد وبعض اليأس من الكرد بحلم الكيان الكرديّ، لكن هذا ما جعل الكرد يفكّرون ويعيدون النظر في مفهوم الدولة، وأنّ الحدود هي حدود الفكر، وليست حدوداً من الأسلاك الشائكة، وبعض الجدران وبعض الألغام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إخلاء مركز للمهاجرين في تونس ومظاهرة لترحيلهم ورفض توطينهم


.. الأمم المتحدة: دارفور معرضة لخطر المجاعة والموت




.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بإبرام صفقة تبادل فورية


.. طلاب نيويورك يواصلون تحدي السلطات ويتظاهرون رفضا لحرب غزة




.. نقاش | اليمن يصعد عملياته للمرحلة الرابعة إسناداً لغزة ... و