الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماضويون و الفصام الزمني

جلال مجاهدي

2016 / 5 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بين الفينة و الأخرى يخرج علينا فقهاء الدين بفتاوى مثيرة للاستغراب كرضاع الكبير و زواج المتعة وتحليل قتل تارك الصلاة و ما الى ذلك من فتاوى كل واحدة منها أغرب من الأخرى و الأدهى و الأمر أن هذه الفتاوى رغم غرابتها تجد لها مناصرين كثر داخل مجتمعاتنا الإسلامية التي تعاني من الفصام الزمني , هاته الفتاوى هي نتاج لماضوية مطلقيها الذين يعيشون في الحاضر بعقلية تعود لأزمان خلت , الحاضر ملغى فكرا و فلسفة ,حداثة و حضارة . فقهاء و متدينون برمجت عقولهم ببرامج ماضوية فأصبحوا يعيشون حالة شيزوفرانيا زمنية حادة و كلما زاد ارتباطهم بالحرف و النص و بالشخصيات التراثية كلما زادت حدة الفصام الزمني لديهم ,إنهم يعيشون الماضي و يتعايشون مع هذه الشخصيات ويتفاعلون مع أحداث الماضي وأحاديثه وانشغالاته بينما هم يتواجدون بيننا , كل المسافات الزمنية كسرت , لا وجود لأي حد فاصل بين الزمن الماضي و الحاضر , أناس يعيشون خارج التاريخ , المسألة لا تقف هنا فالماضويون لهم أيضا حلمهم ولهم تطلعاتهم المستقبلية, لكن باتجاه الماضي ,يحلمون باستعادة الماضي وإعادته على حالته في المستقبل ,و حركة داعش خير مثال على ذلك , فمشروع الخلافة الاسلامية الذي كان نظام حكم في الماضي السحيق حسب نظرتهم الساذجة قابل للتحقق في الوقت الحاضر , هذا التيار المتحجر و المرضي ذي المرجعية الوهابية و التنظيم الإخواني ليس الوحيد الذي يتبنى هذا الطرح فحركات الاخوان المسلمين تسعى كلها لإقامة دولة الخلافة الإسلامية و لا غرابة أن يخرج علينا الأمين العام لجماعة العدل و الإحسان بالمغرب محمد عبادي لينادي بإقامة دولة الخلافة, مشددا على أن إقامة دولة الخلافة الإسلامية تعتبر أم المقاصد في الدين, مضيفا في تصريحه الأخير أنه لا يجوز للمسلمين أن يظلوا بدون خلافة فوق ثلاثة أيام وأن من يخالف ذلك وجب ضرب عنقه كائنا من كان ,نعم فرغم ما أتأرث تصريحات هذا الرجل من انتقادات و تعليقات فهو لم يأت بشيء من عنده بل إن كل ما صرح به موجود في كتب التراث القديم المتوارث و من تم لا تقوم اللائمة عليه فهو يتحدث من الماضي , فهو يغوص في أعماق الماضي و ينهل منه ليطل علينا بين الفينة و الأخرى بقفشات فكرية ماضوية ساذجة ,الإسلام ليس له نظام حكم, فهو لا يملك نظاما سياسيا و لا اقتصاديا و لا أي مشروع مجتمعي متكامل و الخلافة الاسلامية هي مجرد مفهوم ايديولوجي ناقص تم زرعه في وعي المسلمين من طرف منظري الحركات الإسلامية فأصبح المسلمون يظنون بأن دولهم غير إسلامية و بأن لهم مشروع دولة إسلامية متكامل يمثل البديل الأمثل و الحال أن لفظ الخلافة نفسه يحتاج إلى تفسير, فالخليفة كمصطلح ظهر إثر وفاة نبي الإسلام و كان الناس يبحثون عن من سيخلف النبي و سمي حينذاك القائم على أمورهم بخليفة رسول الله و لا يسوغ حاليا تسمية رأس الدولة بخليفة رسول الله بالنظر للفارق الزمني الكبير بين وفاة النبي و هذا الخليفة , الخلافة لم تكن نظام حكم فأبو بكر أول الخلفاء لم يكن له و لا لأي من المسلمين تصور واضح عن الحكم و كان حكما بلا نظام يؤطره , حكم شخصي يقوم على شخصية محورية تتمثل في ابو بكر بعينه, لذلك فنظام ابي بكر في الحكم كان نمطا بدائيا لتصريف أمور الناس و مع مجيء عمر ابن الخطاب طرأت متغيرات اضطر معها هذا الأخير إلى اعتماد أنظمة الدول غير المسلمة كفارس مثلا فأحدث نظام الدواوين كديوان الخراج و ديوان الجند و غير ذلك من الأمور بل أبقى على الأنظمة الإدارية نفسها بالبلدان التي تم ضمها لبلاد المسلمين كفارس و بلاد الروم و من ثم يطرح السؤال للماضويين عن أي نظام للحكم تتحدثون طالما أنه لا يوجد فرق بين خلافة عمر و بين حكم كسرى سوى من حيث اختلاف الشخصين , النظرة الماضوية لطريقة الحكم هي نظرة طفولية ساذجة لا ترى في نظام الحكم إلا لحية تسدل و حجابا يضرب و أيد تقطع و نساء تجلد هذه النظرة المبسطة للأمور التصقت بالخلافة و لا يرى المسلم الماضوي تطبيقا للشريعة الاسلامية إلا بإقامة خلافة تقطع يد السارق و ترجم المحصن وفي معرض الحديث لا يختلف عاقلان أن العقوبات الجسدية تشكل إهدارا للإنسان فالعقوبات ليست مطلوبة في حد ذاتها لكن لأثرها و رجوعا لموضوعنا فإن الماضويين اختزلوا الخلافة و الاسلام في البتر و الجلد و الرجم و حسب هذه النظرة الساذجة فبالعقوبات تقام الخلافة و لا وجود للدولة الاسلامية الا إذا بترت يد السارق , أي نظام حكم هذا الذي يحدثوننا عنه , هم لا يحدثوننا عن دستور إسلامي أو قانون سير إسلامي أو عن قانون مدني إسلامي أو حتى نظرية اقتصادية إسلامية واحدة, هل يريدون إعادة نظام الدواوين الفارسية التي كانت على عهد عمر ابن الخطاب , عن أية خلافة يتحدث الماضويون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ