الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اله الاديان و اله العلماء

محمد بحكان

2016 / 5 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ان الانسان منذ القدم واجه صعوبات و اسرار الطبيعة محاولا فهمها و فهم قوانينها، ليتمكن من التنبأ بظواهرها وضبط تغيراتها، فكون افكارا مختلفة عن الكون و الوجود و الموت، هذه الافكار في تتطورها كانت دائما تنفي ما قبلها عند التوصل الى فهم اعمق للطبيعة.
ان الانسان البدائي و هو يصارع قوى الطبيعة، كان دائما يضع لظواهرها قوانين ميتافيزيقية، بتصوره ان هذه الظواهر تحدث بأمر من كائن قوي يوجد خلف الطبيعة، فابتدع لكل ظاهرة كائنا يتحكم فيها سماه بالاله، هذا الاله كان دائما يحمل صفة القوة التي تتجاوز قوة الانسان و قدراته و سيطرته على الطبيعة، انها قضية نفسية في عموميتها ترجع الى البحث عن الامان و الاحتماء بمن هو اقوى منه، و ان كلفه الامر التنازل عن حريته ليصبح عبدا.
ان فكرة الاله هذه تطورت ككل الفكر البشري مع تطور العلوم و الفلسفة، حيث ان توصل الانسان شيئا فشيئا الى فهم بعض قوانين الطبيعة و ظواهرها، ادت الى موت هذه الاله الفرعية الواحد تلو الاخر، موت او فناء بإنتفاء سبب وجوده، ليتقلص عدد هذه الاله، لنصل الى فكرة الاله الواحد، هذا الاله الذي تختلف تصورات الانسان المؤمن به من شخص لاخر.
هذه الفكرة التي ابتدعها الانسان و سماها الاله لها عند اصحاب الدين فهم و وصف معين، و لدى العلماء وصف اخر بعيد كل البعد عن الاول، حيث ان اله الاديان او اله المتدينين بدقة اكثر، له صفات الانسان، لكن ذلك الانسان الذي يريد الانسان لنفسه ان يكونه، هو كائن منحت له كل صفات الكمال و الجمال، ان اسوء ما فعله هؤلاء المتدينون بأنفسهم، انهم نسبوا كل ما هو جميل و راق في الطبيعة البشرية، الى ما سموه الها، و لم يتركوا لأنفسم سوى ما هو حقير و دنيء، و هذا ما ادى بالانسان المتدين الى حالة من الاغتراب الشديد، لن يشفى منها الا باستعادته لكل صفاته الانسانية التي تخلى عنها بنفسه لصالح كائن هو من ابتدعه و صار يعبده. هذا الاله يملك القوة و الجبروت و هو الخالق لكل شيء و المستحوذ و المتحكم في كل صغيرة و كبيرة تدور في خلقه، و تواصل مع الانسان عبر رسائل حملها الينا بشر مختارون، و نحن مجبرون على عبادته و تمجيده و طلب كل شيء منه، فهو الذي يمنحا اذا تكرم و رضى و يأخذ اذا اراد الانتقام من احد من عباده المغضوب عليهم، و انا ارى في هذا الاله ذاك الديكتاتور المريض نفسيا بجنون العظمة و يحب ان يتملق له، انه حقا لا يستحق منا الى الشفقة و الاحتقار هو كفكرة و بنفس الدرجة من الذم من يتبعونه ايضا. اما من الجانب الاخر، فنجد ان العلماء ايضا لهم الاههم الخاص، لكن في هذه الحالة هم اوجدوه كفكرة و يعلمون انه مجرد فكرة، و هذا يشكل فرقا كبيرا، هذه الفكرة يضعها العلماء كحل لبعض الوقت لمشكلات علمية غير قابلة للحل في وقت معين، اي هي جواب ميتافيزيقي عن وضعية-مشكلة مادية ليس لها تحليل علمي بعد، هذا الاله ينتقل ليملأ به فراغا علميا اخر كلما توصلنا الى تفسير علمي للظاهرة التي كان يحتلها سابقا.
بين اله الاديان و اله العلماء فرق كبير جدا، الاول اي اله الاديان كائن حسب وصف الاديان و ان نزه عن كل الصفات في بعض التوجهات الدينية, و هو ازلي و لا يمكن الوصول الى تحديد ماهيته، اي هو يوجد خارج مجال امكانيات عمل العقل بالاستدلال المنطقي, و الثاني اي اله العلماء, فكرة تجيب عن سؤال يعجز العلم عن الاجابة عنه مرحليا و قابلة للنفي و الدحض متى ما تمكن العلم من تجاوزها بالاجابة عن السؤال الذي ادى الى ودجودها.
و اما انا فلا ارى جدوى من البحث في ما وراء المادة عن الله، ابحث في اسرار الكون و خبايا المادة و حين تنتهي من البحث و تحل كل الاسرار و التناقصات ستجد الله امامك جالسا على عرشه عند اصل الزمن و المكان المطلقين، يتنازل لك عن الالوهية و يعلنك الها فوق كل الالهة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال واقعى جداً
زاهر زمان ( 2016 / 5 / 28 - 17:15 )
الكاتب المحترم / محمد بحكان
مقالتك رائعة ومنطقك وفكرك الإنسانى أروع . تحياتى لك على تحليلاتك الواقعية والمنطقية للكيفية والظروف التى أحاطت باختراع الانسان لفكرة الإله ثم تطويرها على مر الأجيال حتى وصلت الى أن تكون سبباً رئيسيا فى ابادة البشر لبعضهم البعض .
أحييك مرة أخرى وفى انتظار المزيد من تأملاتك وتحليلاتك المنطقية والواقعية

اخر الافلام

.. استقالة أول موظفة يهودية من إدارة بايدن -بسبب سياسة واشنطن م


.. المفكر د. يوسف زيدان: اجتماعاتنا في -تكوين- علنية وبيتم تصوي




.. المفكر د. يوسف زيدان: اتكلمنا عن أشكال التدين المغلوط .. وه


.. دار الإفتاء في طرابلس تدعو ل-قتال- القوات الروسية في البلاد




.. -حافظ البهرة على سرية طقوسهم الدينية عبر العصور بعد اضطهاد ا