الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غابة المثقفين والنزعة المكارثية !

جبار عودة الخطاط

2016 / 6 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع





لنقرأ اولا هذا الخبر الذي يجعلنا نلامس وازع العنف المضمر, والذي يبدو بالظهور تدريجيا عقيب استفزاز بعض المثقفين , والذي يمكن ان يتطور ليتخذ شكلا مكارثيا (اقصائيا) قاتلا يجنح الى السعي الغريب لتصفية الآخر !
" الخبر يفيد باقدام شاب روسي على قتل صديقه بعدما تجادلا حول رؤيتهما لقصيدة النثر.., المحققون قالوا إن الصديقين كانا يتناولان الخمر في منطقة جبلية بمدينة إربيت الروسية , عندما احتدم النقاش حول قصيدة النثر، لتتطور المناقشة إلى جدال بشأن أيهما تمثل الشعر الحقيقي قصيدة النثر ام القصيدة العمودية ؟"
وتصاعد الخلاف الأدبي بين الصديقين ليتحول إلى مشاجرة، ويقوم شاعر القصيدة العمودية ذو الـ 53 عاما بطعن صديقه المدرس شاعر قصيدة النثر بسكين حتى الموت, الشرطة لاحقت القاتل في وقت لاحق بعدما اختبأ في بيت أحد أصدقائه لتقوم وتعتقله .
................
هو عنف .. بل ارهاب ثقافي لدى شريحة يفترض انها تسلك الحوار المتحضر سبيلا للتعاطي مع جميع الاختلافات والخلافات ! هذه الشريحة تدعي بانها ابعد الناس عن اساليب القوة والعنف , فيما يعمد الكثير من (المثقفين) الى اساليب تصفية معنوية مستترة ومتنوعة , ولو اتيحت لهم الفرصة لاجترحوا القتل الجسدي لاقصاء (الآخر) كما حصل مع صاحبنا الشاعر الروسي في الخبر المار ! , ولعل المناكفات والصراعات التي تنشب بين المثقفين لدواع تتصل بذواتهم النرجسية هي خير دليل على ما نقول !
في هذا المعنى استوقفتني عبارة رائعة للروائي الشهير ميلان كونديرا نقلها الشاعر العراقي شاكر لعيبي في صفحته عبر الفيسبوك.. تقول
(إذا أتيح لكل إنسان أن يقتل بشكل خفي وعن بُعْد، فالإنسانية يمكن أن تختفي بدقائق)!
فعلاً هي مقولة مؤثّرة ومعبّرة عن حقيقة ما بات يعتري الكينونة البشرية , في راهننا الذي يعج بحالة سعار من التنافس غير الشريف, بين مختلف شرائح المجتمعات, حتى تلك التي يمكن تصنيفها ضمن خانة المثقفين! بل إن هذه الشريحة ربما هي الأكثر نزوعاً نحو توظيف أسلحتها وأدواتها المتاحة لـ (قتل) من يختلف معها ,أو من تجد أن ثمة (مزاحمة) لديه يمكن أن يتهدد وجودها الوظيفي الذي تستمد منه عوامل وجاهتها الاجتماعية.. القتل هنا يمكن أن يغادر مسألة التصفية الجسدية , ويعمد إلى اجتراح أساليب أخرى لا تقل خطورة عن سفك الدم ,في عملية إهدار روح أو مروءة الآخر, لاسيما أن المثقف يتمتع بأسلحة أو قوة ناعمة تتيح له التنفيس عن نوازعه وغرائزه في (قتل) المختلف, بل وقتل الآخر الأرجح منه لأنه يستشعر بأن وجود ذلك الأرجح ما هو إلا تهديد على (كيانه) ,الذي عجز عن مطاولة المقدار الذي بلغه ذلك الآخر الأرجح ,فيحاول قتله معنوياً ,واعتبارياً, بكل بشاعة لتصفيته ,وتسقيطه!
إذن.. هل يمكن عزل الثقافة والمثقفين عن كل الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية؟ كما ابتعد الساسة في معترك تنافسهم الميكافيلي ,عن الاعتبارات السوية وراحوا يبررون وسائلهم مهما انحدرت إلى درجات دونية من حضيض الواسطة ,إذا كان ذلك يوصلهم إلى ضالتهم أو الغاية المنشودة! نتساءل هل يمكن عزل الثقافة والمثقفين عن كل الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية؟! الجواب بالتأكيد لا وإلا وجدنا أنفسنا إزاء غابة كبيرة تسمى غابة المثقفين ! .. وحتى لا تختفي الإنسانية في دقائق كما قال صديقنا ميلان كونديرا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التبوريدة: فن من الفروسية يعود إلى القرن السادس عشر


.. كريم بنزيمة يزور مسقط رأس والده في الجزائر لأول مرة




.. بعد إدانة ترامب.. هل تتأثر فرص فوزه في الانتخابات الرئاسية ا


.. لابيد يحث نتنياهو على الاستجابة لمقترح بايدن بخصوص اتفاق غزة




.. الوسطاء يحثون إسرائيل وحماس على التوصل لاتفاق هدنة في غزة