الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديمقراطية محمية بعسكر غير مُتحزّب

عدنان فارس

2005 / 12 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المجتمعات التي عانت من تسلط الدين السياسي ومن تفشي ثقافة الكراهية القومية والدينية لا يمكنها النجاة من تحكم وهيمنة هذا الموروث الثقيل وبلوغ شاطىء الحرية والتحضر والديمقراطية إلاّ بهيمنة مؤسسة عسكرية جديدة نوعياً عن سابقتها.. مؤسسة عسكرية غير متحزبة، فوق الميول والاتجاهات، وغير تابعة للسلطة السياسية.. ومثل هكذا مؤسسة عسكرية (نزية سياسياً) يمكن بناؤها فقط بمساعدةٍ مباشرة من الخارج العسكري الذي ساهم بشكل أو بآخر باسقاط أو خلع نظام الفاشية الدينية والشوفينية القومية.. وإن ما حدث في تركيا في 1924 خير دليل على ذلك.
ان النموذج التركي هو النموذج الأمثل والحي لنجدة تلك المجتمعات ذات الموروث التاريخي الضخم في سيادة وتحكم الاسلام السياسي الذي ينطوي على استبداد الدين والنزعة القومية الشوفينية.
الاستعمار البريطاني والفرنسي المنتصر في الحرب العالمية الاولى ساعدَ السياسيين الاتراك الجُدد، أنذاك، ومن خلال تقليم أظافر الامبراطورية العثمانية ساعدهم على عزل هذه الامبراطورية ومهّد لخلعها باتجاه إقامة نظام علماني بديمقراطية بسيطة ومشروطة لازالت لحد الآن في طور التكوين والتكامل وكما نرى فان الاتحاد الاوروبي يمارس منذ نشوئه الضغوط السياسية والاقتصادية على النظام السياسي التركي باتجاه إرساء وتمين قواعد التكامل الديمقراطي... النظام التركي المتأسس على أنقاض الامبراطورية العثمانية الدينية القومية تمكّن وبنجاح باهر تفويت الفرصة على المتشددين من الاسلاميين والقوميين الاتراك أن يستخدموا الديمقراطية جسراً يركلونه ويهدمونه في نهاية الطريق الى السلطة وإحياء المجد العثماني المندحر.. ومن ناحية اخرى اتخذ النظام التركي الجديد من الغرب حليفاً ستراتيجياً وانضوى عسكرياً تحت مظلة حلف شمال الاطلسي كصمّام أمان خارجي لتركيا الحديثة وحتى أن النظام التركي قد دخل، بكل جرأة وشجاعة، في حلف ستراتيجي مُعلن مع دولة اسرائيل كقوة سياسية واقتصادية ضاربة وخبرة غنية وناجحة في منطقة الشرق الاوسط ضد الارهاب السياسي والتعصّب القومي الشوفيني... ولكن ورغم تعثر الديمقراطية التركية فيما يخص التعامل غير الديمقراطي وغير الموضوعي وغير المنصف مع الطموحات المشروعة لكورد تركيا إلاّ أن ديمقراطية تركيا المحمية بعسكر غير متحزّب لازالت هي النموذج لنجدة وتطوير وتحديث مجتمعات التعصّب الديني والكراهية باسم الدين والقومية.
بُناة وأنصار الديمقراطية الحقيقيون في بلدٍ خارج لتوهِ من براثن الديكتاتورية والاستبداد لابد من حمايتهم بعسكر غير متحزب وليس بأحزاب دينية او قومية همّها الأساسي إعادة هيكلة النظام السياسي الدكتاتوري والعمل على تأسيس ديكتاتورية جديدة منبثقة من أسفل الى أعلى، بعد ان كانت من أعلى الى اسفل، بحجة الأغلبية المظلومة وبدعوى الحفاظ على الهوية الاسلامية كما جرى في ايران وكما تحاول الآن تحقيقه احزاب الاسلام السياسي، شيعية وسنية، في عراق مابعد صدام.
هَوَس الانتخابات منذ اليوم الأول لتحرير العراق من نظام صدام وبعثه وهَوَس كتابة دستور، يؤكد هيمنة الطائفية باسم الاغلبية، رغم وجود قانون إدارة الدولة العراقية في المرحلة الانتقالية الذي وقعت عليه الاحزاب الشيعية العراقية في بغداد ورفضته بعد أيام قلائل من النجف!!؟؟ ومشاريع عقد انتخابات (ديمقراطية) بأحزاب غير ديمقراطية والعمل على إذكاء الروح الطائفية من خلال التركيز على أغلبية ومظلومية شيعة العراق ومحاربة الارهاب المتفشي بنفس طائفي وليس من منطلقات سياسية إنما هو محاولة من قبل احزاب الاسلامي السياسي الشيعي لتطويق الديمقراطية وتجييرها حزبياً وفئوياً باتجاه عرقلة بناء البديل الديمقراطي الذي يكفل تأسيس دولة قوامها حقوق المواطنة وسيادة المواطن لا حقوق الطائفة والاستبداد الطائفي.
ان الصراع الذي خاضته احزاب الائتلاف الشيعي لتشكيل الحكومة والذي دام أكثر من ثلاثة شهور بعد انتخابات يناير كانون الثاني 2005 تمحور بالأساس حول من سيتولى حقيبتي وزارتي الدفاع والداخلية وهذا عكس جلياً نية الائتلاف الشيعي في تسييس وتحزيب العسكر وتحويله الى أداة حزبية طيّعة بيد جماعة الائتلاف الشيعي المكلف بتشكيل الحكومة وبذا يتم تعطيل العسكر كمؤسسة تخدم قانونية الدولة ومن ثم توظيفه لخدمة حزبية الحكومة.. وزارة الداخلية ومؤسساتها بيد الائتلاف حيث أن وزيرها عضو في قيادة هذا الائتلاف الشيعي الذي عمل منذ اليوم الاول لتوليه المنصب على تشييع وزارة الداخلية.. اما وزارة الدفاع فقد انيطت بشخصية سنية غير منتمية لحزب سني وهذا يعني انه مُزكّى ومسنود فقط من قبل الذين عينوه وزيراً وهم جماعة الائتلاف مما اتاح للائتلاف الشيعي التحكّم بوزارة الدفاع والاستحواذ على تشكيلاتها وتحرّكات ومخططات هذه التشكيلات، وليس بخافٍ على أحد انه حتى تصريحات السيد وزير الدفاع تأتي متشبّعة بروحية وأنفاس الائتلاف الشيعي.. وبهذا نجح الائتلاف الشيعي بتحويل العسكر من مؤسسة أمنية دفاعية غير مسيّسة الى جهاز من أجهزة الائتلاف الشيعي الحاكم الذي يقود حكومة الجعفري.. إضافة الى انتشار واستفحال سطوة الميليشيات غير القانونية التابعة لأحزاب وجماعات الائتلاف الحاكم.
لقد طار صواب السيد ابراهيم الجعفري ورجالات ائتلافه الحاكم عندما حضر أحد السياسيين العراقيين وهو السيد اياد علاوي استعراضاً عسكرياً لإحدى القطعات العسكرية في مدينة الرمادي التي يعاني اهلها الأمرّين من عصابات الارهاب في مدينتهم وبقصد الشد من أزرها في محاربة الارهابيين.. لقد فسروا ذلك على أنه تمهيداً لانقلاب عسكري!؟.. إن هذا هو بعينه الذي يُدعى في علم النفس بالعملية الإسقاطية.. أي أن الواحد يُسقط مابنفسه على الآخرين!!.. حكومة الجعفري تلتزم الصمت بل وتبارك استعراضات جيش مقتدى الصدر عندما يفتل عضلاته بوجه العراقيين وبوجه قوات التحالف وتبارك أغاني واهازيج (الانصار والموالين): كل الشعب فيلق بدر موتو يبعثية!؟..
تعامل حكومة الائتلاف الجعفرية مع المؤسسة العسكرية الرسمية ومباركتها الميليشيات الخارجة على القانون هل هذا التعامل ينسجم ونصوص قانون إدارة الدولة العراقية في المرحلة الانتقالية او مع نصوص الدستور العراقي الجديد الذي أصمّوا الآذان بالتطبيل والتزمير لكتابته والاستفتاء عليه؟
إن إعلام وسلوك قائمة الائتلاف الشيعي الحاكم القائم على مسبة الآخرين من سياسيي العراق الجديد والاساءة لأبطال تحرير العراق والتحريض ضد مُحرّري العراق على أنهم محتلين والتهريج الطائفي ودغدغة العواطف الدينية والطائفية والتمترس تحت عباءة المرجيعات الدينية والتستر على التدخلات العدوانية لنظام ملالي ايران في شؤون العراق السياسية وغض الطرف عن التنسيق الايراني الزرقاوي في تصعيد الارهاب في غرب العراق في هذا الوقت بالذات، وقت التحضير للانتخابات، والذي يهدف لحرمان مواطني غرب العراق، أكثر العراقيين معاناةً من الارهاب، من المشاركة الفعالة في الانتخابات القادمة الى جانب فتح الحدود أمام أفواج (الزوّار) الايرانيين 5000 ألف (زائر) ايراني يدخلون العراق يومياً ليس للتأثير ايرانياً على الانتخابات وانما لزيارة مرقد الامام الحسين!!.. لقد اعترف السيد موفق الربيعي، أحد رجالات الائتلاف الشيعي، في لقاء مع قناة العربية مساء 9 ديسمبر 2005 وأقرّ بالنشاط السياسي الايراني في العراق مؤكداً أن هذا النشاط هو لصالح العراق (!؟) ايران التي هي أحد محاور الشر في المنطقة والعالم تعمل لصالح العراق!!؟؟.. ناهيك عن اجراءات المنع العشوائي للعديد من المرشحين في المشاركة بالانتخابات بحجة (اجتثاث البعث)، وكأن قائمة الائتلاف مابيها ولا بعثي.. كل ذلك يوضح ويؤكد امراً واحداً وحيداً هو أن الائتلاف الشيعي الذي يقود حكومة الجعفري ويشرف على إجراء انتخابات 15 ديسمبر كانون الاول 2005 يرمي الى تأسيس ديمقراطية من نوع ايراني في العراق.
لا ديمقراطية في العراق دون تجريد حكومة الائتلاف الشيعي من سلطتها على المؤسسة العسكرية الرسمية ونزع سلاح الميليشيات التابعة لأحزاب وجماعات هذا الائتلاف الشيعي الحاكم وان يدخلوا الانتخابات ببرامج سياسية شفافة ونبذ التكسب السياسي باسم الدين والطائفية..
ديمقراطية العراق الجديد مُهدّدة بوباء تسييس الدين وسيادة الطائفية.. ديمقراطية العراق الجديد لايمكن بناؤها وحمايتها إلاّ بعسكر غير متحزّب ومتحالف ستراتيجياً مع قوات متعددة الجنسيات وعلى رأسها قوات التحرير الاميركية.
أخيراً وليس آخراً:
حكومة السيد الجعفري تحارب الارهاب طائفياً ولذلك لم ينتهي الارهاب.. بل اصبح ممثلو بعض فصائله أعضاءً في حكومة الجعفري وفي جمعية الائتلاف الحسينية الوطنية.
حكومة السيد الجعفري تحارب الفساد الاداري والفساد المالي طائفياً ولذلك سادَ واستشرسَ الفساد.
حكومة السيد الجعفري لم تفِ بتعهداتها بتوفير الخدمات الاساسية للشعب العراقي لأنها منشغلة بتوفير الخدمات والحماية لرؤساء الائتلاف الشيعي وعلى سبيل المثال لا الحصر: واحد من مسؤولي الائتلاف الشيعي عنده 3600 حارس شخصي براتب 400 دولار شهرياً لكل واحد منهم.. كما جاء على لسان السيد ليث كبة الناطق باسم السيد رئيس الوزراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكوين- بمواجهة اتهام -الإلحاد والفوضى- في مصر.. فما هو مركز


.. الباحثة في الحضارة الإسلامية سعاد التميمي: بعض النصوص الفقهي




.. الرجال هم من صنع الحروب


.. مختلف عليه| النسويّة الإسلامية والمسيحية




.. كلمة أخيرة - أسامة الجندي وكيل وزارة الأوقاف: نعيش عصرا ذهبي