الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روج آفا واستعادة المجتمع ذاكرته الأخلاقيّة السياسيّة

صلاح الدين مسلم

2016 / 6 / 9
القضية الكردية


لطالما تمّ الفصل بين الأخلاقيّ والسياسيّ وبين السلوك السياسيّ والسلوك الأخلاقيّ، وحُدّدت القواعد العامّة لكلّ سلوك سياسيّ حتّى باتت الدولة التي احتكرت السياسة التي سرقتها من المجتمع كما سرقت كل شيء، تتصرّف في سياستها دوماً على أنّ البشر كانوا على الدوام خبثاء، وأشرار، لذلك أخذت تنظَّم القوانين والدساتير والمراسيم لترويض المجتمع الذي وصفه معظم علماء الاجتماع الوضعيين بالغوغائيين الديماغوجيين، وهذا ما أدى إلى أنّ يفكّر بعض المتهالكين المتقوقعين القابعين في أبراجهم العاجيّة بنعت المجتمع على أنّه ينحو نحو الشعبويّة، ودائماً لا يفتأ إلى إصدار الأوامر من ناطحات سحابه، من خلال فشله في امتطاء الثورة، وفشله في تكريس غروره فلسفة تتكرّس في تسلّق المجتمع، وما نعت المجتمع بالشعبويين إلّا أكبر إجحاف بحقّ المجتمع، وما تفسيرات غوستاف لوبون في وصف سيكولوجيّة المجتمع التي لا تنحصر في المعامل البيولوجيّة التي أقحمت كلّ الأفكار والكائنات فيها كما يُقحم الخيط في ثقب الإبرة، فبالتالي أصاب النكوص والخذلان أولئك البعيدين كلّ البعد عن الواقع الذي وصل إليه مجتمع روج آفا، وهذا المقال موجّه إلى تلك الشريحة النخبويّة التي لم تقتنع بعد أنّ الهرميّة قد بدأت تتلاشى، وتلك الأبراج بدأت تتداعى، وصار المجتمع مسيّساً يستعيد رويداً رويداً ذاكرته الأخلاقيّة السياسيّة.
لقد اعتبرت الأخلاق منذ نشأة الفكر الفلسفي مبحثاً أساسيّاً من مباحث الفلسفة، واهتمّ الفلاسفة على مرّ العصور، بتخصيص مكان مهمّ للأخلاق في مذاهبهم الفلسفيّة، على اعتبار أنّ الفلسفة تبحث في القيم الثلاث الأساسيّة وهي (الحقّ، والخير، والجمال).
لكنّ المدرسة الاجتماعيّة تقول: إنّ الإنسان الذي يعيش في مجتمع معيّن لابدّ أن يعكس المبادئ الأخلاقيّة والعادات السائدة في مجتمعه، والضمير الأخلاقي عند الإنسان يتقيّد كثيراً بما يسود في المجتمع من معتقدات وعادات وتقاليد، ولذلك فإنّ الإنسان يحكم على الأفعال من خلال ضميره وضمير المجتمع، لكنّ علماء المدرسة الاجتماعيّة كما يحبون أن يطلقوا على أنفسهم هذه التسمية، قد أطلقوا على الأخلاق اسم "علم الظواهر الأخلاقيّة" فاعتبروا الأخلاق ظاهرة، وهنا وقعوا في المشكلة عندما نظروا من هذه الزاوية.
كان هناك تفريق بين السياسة والأخلاق عند معظم علماء الاجتماع والفلاسفة، وكأنهما مجالان لا يجوز الخلط بينهما بتاتاً، حيث أنّ الأخلاق تنظّم سلوك الفرد، وبالتالي جعلوا الأخلاق خاصة بالفرد دون الجماعة، وجعلوا مجال السياسة ينظّم سلوك الجماعة بما يفرضه من قوانين سياسيّة هي التي تحكم الجماعة في النهاية، وكانت روج آفا خير مثال على أنّ فقدان المجتمع هويّته السياسيّة بالتالي فهو فاقد هويته الأخلاقيّة.
علينا أن ننظر إلى السياسةِ على أنها مساحة حرية المجتمع ومساحة الخلق التي يزداد فيها التطور معنىً وإرادة، فبالتالي فإنّ السياسة ظاهرة اجتماعيّة، ومن الخطأ أن ننسب القوانين إلى المجتمع، فلا وجود للمجتمع القانوني، لأنّ القانون منتوج سلطويّ لفرض تنظّيمه على المجتمع الذي يستطيع أن يدير نفسه من خلال الأعراف والعادات والتقاليد،
إنّ السلطة قد حاولت دائماً وأبداً، ومازالت تحاول إقحام المجتمع تحت إرادتها من خلال القانون أحاديّ الجانب، وطمس الأخلاق المجتمعيّة من خلال تهديم السياسة والإرادة الذاتيّة، ويتميّز إنشاء الأمّة الديمقراطيّة بتحقيق التواؤم بين المهام الأخلاقيّة والسياسيّة، والتطلّع إلى الحرّيّة ضمن المجتمع الأخلاقيّ والسياسي وذلك من خلال العيش بالذهنيّة الديمقراطيّة على مدار الساعة.
فما سادَ في القرون الأخيرة من قبيل الحروب وعمليات السلب الاستعماريّ وتعريض المجتمع إلى عبودية مأجورة عصرية أسوأ بكثير من العبودية الكلاسيكية، بل وتعريضه إلى البطالة على نحو أكثر تعسّفاً وجوراً وبهتاناً، وفقدانه بالتالي وحدتَه وتكامله الأخلاقيّ والسياسيّ، من خلال تخريبِ البيئة، والإخلال بالتوازن البيولوجيّ العالميّ، وذلك إفراغٌ وامتصاص ما في باطن الأرض، وتلويث ما على سطحها، وكذلك الكوارث المناخية، وإنّ أفظع أشكال التردّي الأخلاقيّ والشناعة والقبح يتولّد عن نمط الحياة المنغمسة في الرجعية والجهل والبدائية، ولا يكمن الحل في الهروب والالتجاء إلى المدينة الرأسماليّة حيث يصوّر على أنّها الحلّ للمجتمع، من خلال الوعيٍ الذي خلقته الحداثة، هي إقناعها الفرد بإمكانية عيشه من دون أيّة أواصر اجتماعية، وإفراغ المجتمع الكوميني القروي الطبيعيّ من الذاكرة الأخلاقيّة السياسيّة.
وما هذا الانتصار على الترسانة الإعلاميّة وترسانة الحرب الخاصّة التي تضخّ ملايين الدولارات لقمع ثورة روج آفا إلا دليل حيّ على أنّ الإرادة الحرّة والطاقة الكامنة لدى الشعب قد خرجت من مهدها.
أهناك ثورة أخلاقيّة في الكون تشابه الثورة الكرديّة؟! إنّه السؤال الذي يجب أن يسأله كلّ من يسعى إلى الحرّيّة والأخلاق، ويجاوب عنه بأخلاقيّة، فتأييد أيّ شعب للشعب الكرديّ ضدّ الإبادة المنظّمة عليه، وما نضاله الحاليّ ومقاومته ضدّ أكبر عدوّ يهدّد الإنسانيّة هو النقاش الذي يجب أن يدور في المحافل المجتمعيّة كافّة، فالحياة المجرّدة من الأخلاق والعدالة والسياسة، هي حياة ينبغي عدم عيشها على صعيد المجتمعية أبداً، لطالما تكمن غاية الإنسان في البحث عن الحرّيّة والديمقراطيّة والأخلاق والمساواة والعدل والعيش المشترك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نقاش | اليمن يصعد عملياته للمرحلة الرابعة إسناداً لغزة ... و


.. لحظة اعتقال قوات الاحتلال حارس القنصل اليوناني داخل كنيسة ال




.. حملة أمنية تسفر عن اعتقال 600 متهم من عصابات الجريمة المنظمة


.. لبنان وأزمة اللاجئين السوريين.. -رشوة- أوروبية أم حلول ناقصة




.. وقفة لرفض اعتقال ناشط سياسي دعا لا?سقاط التطبيع مع الاحتلال