الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الحاجة الوجودية إلى الفلسفة

الهيموت عبدالسلام

2016 / 6 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الفلسفة ليست محفوظات مسكوكة وليست مجازات لغوية وليست فذلكات منمقة وليست استعارات يسكنها الشعراء هاربين من صراخ المجتمع وليست حتى تعليما سكولائيا ،بل هي وعي متوقد و ضجر ومنطلق لذلك مارسها سقراط في الهواء الطلق هربا من جدران المؤسسة ،هي قلق معرفي ووجودي ،هي عقيدة السؤال حول الموت والوجود والمعنى.


الفلسفة هي رياضة العقل،هي دهشات الطفل الأولى ،هي الأسئلة الأولى الخام التي لا تعير اهتماما للضمير الجمعي الزائف أي اعتبار ، الفلسفة يضيرها أن تتمترس بأجوبة جاهزة مطمئنة بل إن لديها الأسئلة أكثر أهمية وأكثر حيوية من الأجوبة كما يرى "كارل ياسبرز".


الفلسفة لا تتملق الحشود ولا تغزل على منوال عواطف الحشود ومشاعرهم أفكار غريزية وقناعات وثوقية، الفلسفة تعادي إعمار الأرض بالحقائق النهائية بل خلقت لتزرع الشك في كل مكان وكل زمان.


إعمال الفلسفة وحده يجعلك تسير على سكة نشدان الحقيقة ،ليست الحقيقة التي وجدنا عليها أباءنا نتوارثها أبا عن جد ، الحقيقة التي تتعدد بتعدد السالكين كما يقول "محيي الدين ابن عربي" ......


الفلسفة لا تعير اهتماما للأجوبة بل تمجد وتغازل وتناجي الأسئلة ،لا يقين ولا مطلق في محراب الفلسفة، الفلسفة كابوس للميتافيزيقا ، الفلسفة ليست مذهبا وليست عقيدة هي دينامية مسترسلة كما يقول "لودفيغ فيتغنشتاين".


الفلسفة ليست فقط أم العلوم بل هي مستقبل المسرح كما يقول "بريخت" ،وهي ليست فقط بنت الشعر بل هي ناصية الوجود ،الفلسفة لا أب لها لأن كل مؤسسة نكوصية ، هي سليمة معافاة متمنعة لا تعاني من المرض بل هي المستشفى لمرضى التعصب والعصاب ولمرضى اليقين والهدوء الزائف ...


الفلسفة هي الأول والأخر والظاهر والباطن هي الفوق والأسفل هي السماء والأرض هي الغابة الممتدة والصحراء والبحر هي الوجود والعدم ،الفلسفة هي بلغة "ابن عربي" كل مشهد لايريك الكثرة في العين الواحدة لا يعول عليه.


الفلسفة هي سؤال المطرقة للحقائق التي تحولت إلى أصنام والتي خلقناها لنعبدها خانعين ذليلين صاغرين، الفلسفة ببساطة كما يقول "نتشه" هي ذلك الانفجار المخيف الذي يجعل كل شيء في خطر.


الفلسفة ترفض أن تستعيض عن عبث الوجود باستعارات جميلة نسكنها ،الفلسفة تدعوك لتحمل شقاوة وسطوة ومحنة ومأساوية الوجود مسلحا بثلاثية الأمل والضحك والنوم "إيمانويل كانط"


الفلسفة لا تسافر للماضي ليس لأن الماضي مضى بل لأن من يتحصن بالماضي لا حاضر ولا مستقبل له، الفلسفة ليس تلقينا ولا حفظا ولا ذاكرة ميكانيكية بل هي سعي للفهم والفهم هو الأساس الأول والوحيد للوصول للفضيلة كما يرى ذلك "اسبينوزا"


الفلسفة هي الوحيدة التي تدعونا لنسخر منها وتحرضنا أن ندفن الفلسفة إلى جانب صاحبها ،الفلسفة لا تجيد الإخلاص للمراجع والسدنة بل تعشقهم دفينين وللفلاسفة فيما يعشقون مذاهب.


الفلسفة لا تمجد الأقوياء بل تحتقرهم ،تستعين بالمجهر لرؤيتهم نظرا لصغرهم وضحالتهم وتفاهتهم ،تراهم مجرد طاقة غريزية يعتاشون على العنف ،إنهم من بقايا الغابة ،مصاصو دماء يعطلون العقل ويعكرون بهاء الحياة.


بالفلسفة وحدها تستطيع فهم أسرار كل هذا المسخ البشري وهذه الحماقات التي تورط فيها الإنسان وعجز عن تجاوزها...


الفلسفة وحدها من لا تجف صحفها ولا ترفع أقلامها ولا تخاف وحشتها وغربتها وعزلتها ،السير وحيدا يحررك من ضغط القطيع ومن مواضعات المجتمع الموغلة في الاصطناع والهشاشة والاستيلاب.


الفلسفة ترفض أن يموت من يعمل بالجوع ويموت الإقطاعي الذي لا يعمل من الشبع.


قدر الفلسفة كمن يحاول إمالة رجل سكير يركب حصانا كلما أملته من هذا الجانب مال من الجانب الأخر.


الفلسفة تسمح بأن يتسسل إليك الغضب العاقل والحيرة الأنيقة والجنون المبدع والتعاسة الأفضل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفلسفة مرادفة وجودنا
نور الحرية ( 2016 / 6 / 13 - 20:01 )
السبب الحصري والوحيد لما نحن فيه من تخلف ونكوص حضاري وفكر داعشي بامتياز هو تحريمنا للسؤال اي للفلسفة هذه هي الحقيقة. مقالة رائعة استاذ عبد السلام

اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!