الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


و من الرجال أيضاً عاهرون (4)

منال شوقي

2016 / 6 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن الحدث الأعظم في تاريخ البشرية و نقطة التحول في مسار الحضارة الإنسانية كان خروج الإنسان الأول من الكهف و إدراكه لذاته و لإرادته بمعزل عن الطبيعة الأم التي كان يلتحم بها إلتحام الجنين برحم أمه .
خرج الإنسان من الكهف و أصبح فاعلاً متحكماً في الطبيعة من حوله و لو بمقدار هين فصار مسيطراً و لو بشكل جزئي علي عناصر الطبيعة من حوله كالأرض و النبات و الحيوان و هكذا عرف الزراعة و الإرتباط بالأرض و الرعي و تدجين الحيوانات و نشأت الحضارة الإنسانية .
و بينما يذهب باحثون إلي القول بأن العصر الأمومي كان سابقاً علي العصر الأبوي يذهب أخرون و منهم الدكتور سيد القمني إلي تواجد العصرين جنباً إلي جنب في نفس الحقبة الزمنية و لكن في مكانين أو حضارتين مختلفتين و هو الرأي الأرجح .
.
المجتمع الأمومي أو العصر الأمومي
.
كان لخصوبة المرأة و قدرتها علي الإنجاب و إمداد القبيلة بالأجيال التالية دوره في تعظيم المرأة إلي درجة تأليهها فأصبح كل ما هو أنثوي مقدس و حكمت المرأة المجتمعات القائمة علي الزراعة و التي عرفت الإستقرار .
و لأن النساء كن متفرغات لرعاية الأطفال و لم يخرجن للصيد فقد إكتشفن الزراعة نتيجة مكوثهن في الأرض و مراقبتها فامتلكت النساء أسرار الزراعة و مهاراتها و بالتالي تدجين الماشية مما قلل من الإعتماد علي الصيد كمصدر أوحد للغذاء و بالتالي قلل من نسبة المخاطر التي كان الرجال يواجهونها في صيد الطرائد و من هنا نُسِبت الحكمة و المعرفة للنساء في تلك المجتمعات .
و جدير بالذكر أن الإستقرار الذي وفرته الزراعة كان له دوره الكبير في نشأة حضارة تلك المجتمعات التي بدأت تعرف النظام و المعاملات و تكون الروابط و العلاقات و سكنوا البيوت ونشأت القري .
.
في العصور البدائية لم يكن معروفاً أي دور للرجال في عملية إخصاب المرأة و لعل ذلك كان راجعاً لبُعد الفترة الزمنية بين العملية الجنسية و الولادة من ناحية و من عدم حتمية حدوث حمل بعد كل علاقة جنسية من جهة أخري إلي جانب ملاحظة عدم حمل بعض النساء نهائياً رغم إقامتهن علاقات جنسية و بالتالي عاد الفضل كله في الإنجاب و زيادة أفراد القبيلة إلي المرأة و عظموا فيها الخصوبة و وجدوا بين خصوبتها و خصوبة الأرض الأم مانحة الحياة شبهاً كبيراً و خاصة أن النساء كن سيدات الأرض و الزراعة فقدسوا المرأة و الأم المنتجة مانحة الحياة و كان من مظاهر هذا التقديس أن كانت ألهتهم أناث .
و لعل هذا الإستقرار الذي خبرته المرأة منذ القدم و هذا الدور المحوري الذي لعبته كأم راعية للقبيلة و حكيمة تدير شؤون القبيلة هو ما عزز المهارات اللغوية عندها و كذلك الذكاء الإجتماعي و المهارات اليدوية و كلها ملكات أكثر تطوراً في مخ المرأة منها في مخ الرجل ( زيادة المادة البيضاء بمقدار 9.5 مرة عند المرأة علي مثيلتها عند الرجل )
.
لم يكن غريباً إذن أن تكون الألهة أنثي عند كثير من الشعوب القديمة التي عرفت الإستقرار و الحضارة منذ فجر التاريخ فيقول فراس السواح عن العصر النيوليتي في كتابه لغز عشتار ( فالديانة النيوليتية الأولي هي ديانة زراعية في إعتقادها و طقسها و الأسطورة الأولي هي أسطورة زراعية تتركز حول إلهة واحدة هي سيدة الطبيعة في شكلها الوحشي و شكلها المدجن الجديد الذي تشارك يد الزارع في قولبته و تأهيله ) .
و من أسماء الألهة الأم عند الشعوب القديمة نجد نمو إلهة المياة و إنانا إلهة الطبيعة و في سومر و في بابل عشتار و في كنعان عناة و عستارت و في مصر نوت و إيزيس و سيخمت و هاتور و عند الإغريق ديمتر و رحيا و جيا و أرتميس و أفروديت و في أسيا الصغري سيبيل و في روما سيريس و ديانا و فينوس و في جزيرة العرب اللات و العزي و مناة و في الهند كالي و في حضارة السلت الأوربية دانو و بريجيت ( فراس السواح : لغز عشتار ) .
.
المجتمع الأبوي و الإله الذكر .
.
قام المجتمع الأبوي الذكوري البدوي الرعوي علي تعظيم دور الأب المهيمن الذي حاز السيادة المطلقة في تلك المجتمعات البدائية و التي إتخذت من الرعي حرفة لها فكان التنقل المستمر من مكان إلي أخر سعياً وراء مصادر المياة و الكلأ و بالتالي لم تعرف هذه المجتمعات الإستقرار الذي عرفته المجتمعات الأمومية الزراعية المستقرة .
و قد عرفت المجتمعات الرعوية من الأخطار ما لم تعرفه المجتمعات الزراعية حيث فرضت حياة التنقل و الترحال علي تلك المجتمعات ضرورة الإستعداد باستمرار لمواجهة المجهول المتمثل في الطبيعة المتوحشة من مناخ و ضواري كانت مصدر تهديد مستمر للحياة مما حمل المجتمعات الرعوية علي تنمية مهارات القتال و البأس و تطوير مهارات الذكاء المكاني الذي إضطرهم إليه تنقل مستمر إستدعي وعياً جغرافياً متطوراً و هو ما يتفوق فيه دماغ الرجل في العصر الحديث علي دماغ المرأة ( زيادة المادة الرمادية في مخ الرجل بمقدار 6.5 مرة عن مثيلتها في مخ المرأة ) .
.
و قد كان للقمر مكانة عظيمة في ثقافة المجتمعات الرعوية و هي المكانة المقابلة للأرض في قدسيتها عند المجتمعات الزراعية و ذلك لما للقمر من أهمية كبيرة في تأمين حياة أفراد القبائل الرعوية و حيواناتهم التي هي مصدرالغذاء الأول لديهم من إعتداء الحيوانات الضارية ، فاليل بظلمته حيث تكمن المخاطر لم يكن يضيئه سوي القمر أكثر الواكب ضياءً و الذي لولاه لضلت القبيلة طريقها أو لتعرضت في الظلام الدامس لهجوم الحيونات الضارية علي أفرادها و حيوناتها و من هنا كان تقديس القمر و تأليهه عند القبائل الرعوية فعُرف بأسماء عدة منها ( عم ) عند الحميريون و القتبانيون و( سين ) عند الحضارمة و (ود ) عند المعينيون و( المقة ) في حضارة سبأ .
و من الجدير بالذكر هنا أن نشير إلي ما ورد في كتاب الدكتور سيد القمني الأسطورة و التراث من أن (المقة ) أو الإله القمر في حضارة سبأ كان يُعبد في معابد أُطلِق عليها ( المقات ) و التي نقلها السبئيون معهم إثر إنهيار سيد مإرب إلي الحجاز حيث إستوطنوا شمال شبه الجزيرة العربية بعد نزوحهم من اليمن في الجنوب و بنوا مقاتهم أو معابد الإله سين و منها مقة أو مكة كما عُرفت لاحقاً و ما كعبة قريش إلا إحدي المقات التي نشرها السبئيون في جزيرة العرب .
( وجدت نقوش أثرية بحرف المسند، منها نقش يفهم منه أنه كان هناك هيكلاً لعبادة إله القمر وهو إله سبأ الشهير المعروف بـ مقة وكان يقع بالقرب من قرية مأرب فى اليمن ) . جورجي زيدان "العرب قبل الأسلام"
.
و يلفت كثير من الباحثين النظر إلي شعار الإلة في المجتمعات الرعوية القديمة و أعني بذلك الهلال الذي يشبه قرني كبش و هو ما نجده في النقوش القديمة و تماثيل الإله ( إيل ) عند القبائل الرعوية اليهودية القديمة قبل أن يتطور الإلة لديهم عبر تراكم جهود قادتهم أو أنبيائهم بالإضافة لاحتكاكهم بثقافات الشعوب الأخري و من ذلك الأسر البابلي فكانت المحصلة النهائية إعلاء إيل علي ما عداه من الألهة و إضفاء صفات الإله في شكله النهائي و ظهور التوحيد في نهاية المطاف .
و لم يخالف الإسلام اليهودية في الكثير كونه مأخوذ منها أو نسخة معدلة منها فالهلال رمز الإله القمر أو قرني الكبش هو شعار الإسلام فوق المأذن و شهر رمضان تحدده رؤية الهلال ، كما يرتبط الوقوف علي جبل عرفات إحدي مناسك الحج في الإسلام إرتباطاً وثيقاً بالقمر حيث أن وقت الوقوف بعرفة هو من زوال شمس يوم عرفة إلى طلوع فجر اليوم التالي وهو أول أيام عيد الأضحى .
وانقل هنا عن الدكتور سيد القمني (الأسطورة والتراث ص 128:126) ” ما قاله بخصوص عرفة وطقوس أخرى مازالت تمارس حتى يومنا: ” وهناك رواية إسلامية أخرى تقول إن آدم وحواء عندما هبط من الجنة نزلا مفترقين، وظلا هائمين حتى التقيا، وعرف آدم حواء أي جامعها (هناك مبادلة بين الحرفين الفاء والباء، فاليمنيون وحتى اليوم يستخدمون كلمة عرب بمعنى المباشرة الجنسية)… ولذلك عرف الجبل باسم عرفة لأن آدم عرف أو جامع حواء عليه ، ومن هنا تقدس الوقوف بعرفة، وكان الوقوف بعرفة من أهم مناسك الحج الوثنى، فكان عرفة محبب لهم يتجهون إلى هناك زرافات ذكورا وإناثا يبيتون ليلتهم تحت ضوء القمر إلاه الخصب حتى يطلع عليهم النهار، وكان هذا ليس إلا تجمعا لممارسة طقس الجنس الجماعي طلبا للغيث والخصب .
.
لقد حدث أن سادت المجتمعات الرعوية الذكورية الأبوية علي المجتمعات الزراعية الأمومية و لعل ذلك راجع إلي همجية المجتمعات الرعوية التي كانت لطبيعة ظروف حياتها الشاقة دوراً كبيراً في إتسامها بالغلظة و القسوة و الميل للحرب و الإعتداء و هو ما لم تكن المجتمعات الزراعية مؤهلة للصمود أمامه نظراً لطبيعة حياة الوداعة و الإستقرار فيها . ثم جاء فرض المعبود الذكوري علي المجتمعات الزراعية و نُزِعت الإلة الأنثي عن عرشها بالتدريج ، بصفة رسمية في البداية ظلت معها الإلهة الأنثي في وجدان الشعوب يلجأون إليها عند الحاجة بوصفها الأم الرؤوم إلي أن ظهرت الأديان الإبراهيمية لتحل بالتدريج محل عبادة الأوثان و إن كانت الأديان الإبراهيمية نفسها إمتداداً و تطوراً للأديان الوثنية ، فمع نمو النضج الإنساني التراكمي و كثرة الشعوب كانت الحاجة ملحة لتوحيد هذه الشعوب كخطوة حضارية و تنظيمية تهدف إلي إرساء السلام و تنظيم العلاقات و وضع القوانين التي لم تكن الشعوب لتخضع لها لو لم تكن من لدن كائن فوقي مسيطر يملك العقاب و الثواب ، و لجمع القبائل و توحيد المصالح كان لابد من توحيد المعبود الذي يخضع الجميع لشريعته .
.
تتفق الأديان الإبراهيمية الثلاثة في كثير من الأساطير التي إنتقلت إليها من الحضارات القديمة و أريد أن أتوقف هنا عند قصة الخلق و تحديداً عند الصراع الشهير بين قابيل و هابيل و هي القصة التي تتبناها الأديان الثلاثة .
كان قابيل عاملاً بالأرض أما هابيل فكان راعياً للغنم، وفي يوم قررا أن يعبدا الله فقدما قرابين . جاء في التوراة ( وحدث من بعد أيام، أن قابيل قدم من ثمار الأرض قرباناً للرب. وقدم هابيل أيضاً من أبكار غنمه ومن سمانِها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه، ولكن إلى قابيل وقربانه لم ينظر. فأغتاظ قابيل جداً، وسقط وجهه . ولم ينظر الرب إلى قربان قابيل لأنه كان مخالفاً لما كان يتطلبه وهو الذبيحة الدموية أما هابيل فقد فعل ) .
( فقام على أخيه هابيل في الحقل وقتله، فقال الرب قابيل أين هابيل أخوك ؟ فقال لاأعلم؛ أحارس أنا لأخي. فقال: ماذا فعلت ؟ صوت دم أخيك صارخ من الأرض. فالآن، ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك. متى عملْت الأرض لاتعود تعطيك قوتها. تائهاً وهارباً تكون في الأرض ) .
و في القرآن : واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين ( المائدة 27 ) .
و لا أري في الأسطورة سوي قصة رمزية للصراع الذي كان بين المجتمع الأمومي الزراعي ممثلاً في قابيل و المجتمع الأبوي الرعوي ممثلاً في هابيل و بما أن التاريخ يكتبه المنتصرون فقد قَبِلَ الرب الإله قربان الراعي بينما رفض قربان العامل في الأرض أو الزارع الذي صار تائهاً هارباً في الأرض ملعوناً من الإلة الذكر إله المجتمع الرعوي و الذي حل محل الإلهة الأنثي و سادت عبادته في الأرض و الذي تفنن من يومها كهنته و أنبيائه المزعومين في الحط من شأن الأنثي و احتقارها و تمجيد الذكر و إعلائه عليها خوفاً من عودة سيادة المجتمع الأمومي الزراعي الأكثر تحضراً و هو الخوف الذي توارثته الأجيال فصار أصيلاً في الوعي الجمعي للبشر و تبنته المرأة نفسها و التي تم أدلجتها و تضئيلها في عين نفسها حتي صارت خصوبتها و مصدر قوتها و قدسيتها في الماضي هي نفسها سبب عوارها و الحط من شأنها و لا عجب أن صارت عند الإله الذكر للبدو الرعاة حرثاً يأتيه الذكر آني شأء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا