الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التنمية المستدامة بالعالم العربي .. علاج أخير لجسد يحتضر

مصطفى المغراوي

2016 / 6 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


التنمية هي التحديث الذي يحقق أفضل الظروف الإنسانية للفرد والمجتمع ، وهي كذلك تعظيم لفرص الحياة وتحقيق المساواة للدفع بالمجتمع إلى درجة من التقدم، تقدم يمكن قياس نتائجه بمؤشرات عديدة، تدخل في إطارها جملة من العناصر منها: حجم الاستثمار ومستوى الدخل الفردي وتعميم التعليم وتجويده والاستفادة من الخدمات الصحية والبحث العلمي، ونشر ثقافة حقوق الإنسان وإشاعتها بين كل أطياف المجتمع لإرساء مظاهر الديمقراطية.
يعتبر الإنسان هو محور التنمية، وذلك واضح في أهم الحقوق التي ركزت عليها مواثيق الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية، بل حتى جميع الأديان السماوية، بغية صيانة كرامة الإنسان وسد حاجياته في الطعام والسكن والصحة والتعليم والضمان الاجتماعي وحرية التعبير... باعتباره فاعلا في التنمية ومُنظمَها وسائسَها ومطورَها ، فأصبح بذلك هدفا ووسيلة، فالتنمية تكون من أجله وبواسطته، ولا يتم ذلك إلا باستمرارها عبر الأجيال، عن طريق عمل واع مدروس ومنسق، لأجل السيطرة الاقتصادية والاجتماعية على الموارد المحلية وتسخيرها لخدمة مصلحة الفرد والجماعة.
وهذا أمر قليل حدوثه في العالم العربي، إن لم نقل يكاد ينعدم ، فالعالم العربي لازال يعيش حالة من الفوضى الناتجة عن سوء تدبير شؤونه الداخلية، في خضم صراعات مذهبية وعقائدية تزيد الفجوة اتساعا بين مصالح الفرد ومصالح الجماعة، فالأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقرا، رغم المحاولات الشحيحة لخلق فئة وسطى تقف حائلة بين تصادم الفئتين المذكورتين.
وطبقا للمؤشرات الدولية فقد فشلت الدول العربية في خفض مستدام للفقر، بحيث أصبحت الفجوة في نمو نصيب الفرد من الناتج الداخلي، أكثر تراجعا واتساعا مقارنة مع بعض البلدان النامية الأخرى، ناهيك عن الانتشار المهول للأمية والجهل واللذين يخلقان صعوبات جمة على رأسها معضلة التزايد السكاني، خاصة بالمدن الكبرى التي تعرف نزوحا جماعيا باعتبارها مناطق جذب، الأمر الذي يتطلب الرفع من الجهود للتصدي لهذا الزحف الذي تعجز الدول عن مواجهته، محاولة خلق آليات عديمة الجدوى لتثبيت عدد السكان، من أجل ضبط سبل الارتقاء بهم وتنميتهم.
وارتباطا بما سبق فإن التزايد السكاني يخلق أزمات اقتصادية واجتماعية حادة، تقف البلدان العربية حائرة، بل مراقبة للوضع دون تدخل فعال، يحصر التردي المتوالي لهذه الأوضاع ويخفف من وطأته، فالمشكلة الاجتماعية تزداد تعقيدا بانتشار البطالة إثر انخفاض معدلات التشغيل، حيث تحولت الأرقام من أحادية في ثمانينيات القرن الماضي، إلى أرقام عشرية في عقد التسعينيات ومطلع القرن الحالي، فقلة فرص العمل بين فئات الشباب، وضحالة الدعم الموجه للفئات التي توجد منها في وضعية هشة، ترتبت عليه ظواهر أخرى كالإنحراف السلوكي والأخلاقي الذي يعتبر ثقافة شاذة بعيدة عن الحياة العربية وتقاليدها.
إما المشكلة الاقتصادية فتتفرع إلى مشكلات عديدة، ترخي بظلالها هي الأخرى وتزيد الوضع خطورة وتفاقما، وعلى رأسها الاستنزاف الجائر للموارد الطبيعية والطاقية وسوء إدارتها وتدبيرها، والذي يقابله تباطؤ في النمو الاقتصادي إذ لازال يعاني من التبعية وغياب التوازن، لأنه يفتقر إلى الدراسة والكيفية التي سيتم بها إحداث تغييرات في الهيكل والبنيان الاقتصادي، إضافة إلى إهمال الفئة الفقيرة من خلال عدم التفكير الجاد في البحث عن إستراتيجية ملائمة لإعادة توزيع الدخل بشكل يضمن مصالحها، ويوازي ذلك ضعف الاهتمام بالخدمات المنتجة، وصرف النظر عن إعطاء الأولويات للأساسيات.
إن المجتمعات العربية غير مؤهلة لخوض غمار هذه المعركة الكبيرة لوحدها، نظرا لسريان التخاذل في شرايينها، وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، ففي ظل هذه الظروف تضيع فرص البحث عن رساميل لتمويل المشروعات ذوات المردودية القوية، من خلال تشجيع التعاون والتكامل بين الدول العربية من جهة، ومن جهة أخرى بممارسة الضغط على البلدان المتقدمة للرفع من قيمة الدعم الموجه للدول النامية والفقيرة منها، وكل هذا وغيره يؤدي إلى إحداث عوائق أمام التنمية المستدامة، من خلال تدني معدل الناتج الداخلي المحلي، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام تراكم الديون الخارجية، فتتردى أوضاع السكان وتتدهور خاصة الفئة الفقيرة التي تكابد شتى أعباء الحياة.
وفي ظل هذا الجو المشحون بالمآسي والمعاناة ، تزداد الظروف الاجتماعية قساوة، وتتحول معها حياة المواطن البسيط إلى دراما لن تكون نهايتها سعيدة أبدا، بل ستظل الشخصيات المقهورة تواجه مختلف الصعاب، آملة في غد مشرق يزيح عنها كابوس الخوف والرعب الذي يكتنف قلوبهم الوجلة. ولمواجهة هذا الوضع المتردي، يجب الاعتراف بأن مشكلة التنمية لم تعد كتلة واحدة، كما أنها لا تنحصر في مجال واحد سواء، مما جعل مشكلة التنمية جزء من نظام معقد يتطلب التوفيق بين جل السياسات المختلفة، وهو انجاز يعسر تحقيقه في ظل استشراء الفساد المتعددة أشكاله، لتضيع بذلك حقوق الفئات المهمّشة والمستضعفة من المجتمع والذين يتطلعون إلى رفع مستوى معيشتهم وتحقيق القليل من رفاهيتهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البريك العنابي.. طبق شعبي من رموز مدينة عنَّابة الجزائرية |


.. بايدن يعلن عن خطة إسرائيلية في إطار المساعي الأميركية لوقف ا




.. ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إثر العمليات الإسرائيلية في


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بالمحافظة الوسطى بقطاع غزة




.. توسيع عمليات القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة برفح