الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية والمسيحية

أمير مجدى

2016 / 6 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد عاش الجنس البشرى قرونا طولى يرسف فى أغلال العبودية ويكافح من أجل الحرية عبر تاريخ طويل من المد والجزر حدثت خلاله الحروب الدامية والصراعات المريرة والثورات العنيفة التى غيرت وجه التاريخ . لقد استحق كفاح الانسان ان تكلل جهوده بتاج العلمانية منذ حوالى ربعمائة عام حتى أصبحت العلمانية اليوم وصفة سحرية لعلاج الامراض السياسية والاجتماعية التى تتوجع منها الشعوب وتئن منها الانسانية طالبة خلاصها ونجاتها من وحش الطغيان اللعين. لقد نجحت العلمانية فى فصل سلطة الحاكم عن كل سلطة أخرى أخلاقية أو عرفية أو دينية تؤدى الى تضخم سلطته ضد شعبه الامر الذى يخلق منه طاغية وسيد على عبيده. اذن نحن اذاء عملية تهذيب وتقنين وتحديد وتخصيص ورقابة لسلطة الحكم وهذا باختصار ما قدمته العلمانية للانسان وجعلته يسترد حريته وينطلق فى طريق الحضارة والتقدم. غير ان ذلك الذى حدث وقلب مسار الحضارة الانسانية لم يبدأ منذ ربعمائة سنة فقط بل ان ظهور العلمانية وجد فى تلك اللحظة التى نطق فيها السيد المسيح منذ الفى عام عبارته الخالدة " اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله" فاصلا وعازلا بتلك الكلمات سلطة السياسة عن سلطة الدين بشكل قاطع ومباغت ومفاجئ للبشر. انها المرة الاولى فى التاريخ التى يسمع فيها الانسان هذا الكلام وتهدد فيها سلطة الطاغية بهذه القوة. غير ان نفس هذا الشخص الذى يعده كل المسيحيين فى العالم الها لهم فجأ البشر عندما دعا اتباعه ان يصلوا الى الاله قائلين "ابانا الذى فى السموات ..... الخ " لقد غيرت هذه الصلاة صورة الاله من سيد الى أب ومن متسلط الى متحنن وهو التغير الى سدد ضربة أخرى الى أهم سلطة وهى سلطة الاله المطلقة التى حولت الله لكائن مرعب وسادى يستمتع بارهاب واستعباد البشر وهذه السلطة تحديدا هى التى استغلها الطغاة فى الانظمة الثيوقراطية طوال التاريخ والى اليوم لاستعباد الشعوب. بالاضافة الى ان المسيح غير مفهوم الدين بأكمله من كونه مجرد شريعة الى كونه علاقة ودية بين الله والانسان وبذلك فقد أسقط تعريف الدين كشريعة تلزم الانسان بقواعد معينة وتشرع جزاء بدنيا أنيا للمخالفين ومكافئة اخروية للملتزمين وبالضرورة فقد سقطت الدولة او السلطة السياسية الضرورية لاقامة وتنفيذ احكام الشريعة الدينية على الشعب وسقط معها ايضا مفهوم الامة ومفهوم الزعيم والقائد المبارك او الملهم. الا أن هذا المفهوم الجديد للدين قد اخلى مسئوليته تماما عن استغلاله فى الاستبداد السياسى وأسس للعلمانية السياسية واستقلال سلطة الحكم عن سلطة الاخلاق بل خلق دورا جديدا للحاكم بعيدا عن مراقبة الفضيلة وتطبيق احكام الشريعة . وبالتالى لم يعد هناك فائدة من وجود دولة تتخذ من الشريعة دستورا لها ولم يعد هناك قيمة لدين شرعوى يفرض الاخلاق والقيم بالامر والتخويف. لقد نضج الان الدين ووصل الى كمال معناه وهو ان يكون الانسان انعكاسا لصورة ابوه السماوى حسب المفهوم الثورى الجديد بدل من شريعة اليهود للامر بالمعروف والنهى عن المنكر. وكذلك نضجت السياسة حين شبت عن طوق الدين وصارت تنظم حياة الانسان لا ان تنظم شئون الدين. فالمسيح نفسه عاش هذه الحكمة كواقع طوال حياته فقد رفض تماما السلطة السياسية ورفض دعوات تنصيبه ملكا من الشعب وقال ايضا لبيلاطس البنطى ممثل السلطة الرومانية "ان ممكلتى ليست من هذا العالم" عندما توهم انه ينافس السلطة الحاكمة. ومنع ايضا رجال الدين من العمل سوى فى شئون الدين وقال " لايستطيع احد ان يخدم سيدين ..... الله والمال"، بيد ان تلاميذ المسيح انفسهم تنازعوا على السلطة فانتهرهم قائلا " أن الاول فيكم هو الاخر وأن الخادم هو السيد " وبذلك أصبح دورهم لا أن يكونوا حكاما بل رعاة وخداما وبذلك فقد فصم التحالف الجهنمى بين رجال الدين ورجال السلطة كما بين الدين والسياسة بدون أن نرى فى ذلك تهميشا للدين بل على العكس تماما فالعلمانية السياسية هى اكرام للدين. الامر الذى وضع حدا وخندقا فاصلا بين المسيحية والتسلط او التلاعب بالسلطة لذلك فكثير من الكتاب يرى ان العلمانية منتج مسيحى من الاساس وفصل الدين عن السياسة والاخلاق عن السلطة هو طرح مسيحى من البداية وان مشاكل اوروبا فى القرون الوسطى ظهرت بعد ان خالفت الكنيسة رؤية المسيح وسارت على امتداد المنهج القديم فعانت من عصور الصراع والتأخر. أما عن الاصولية فى المسيحية فهى نابعة من ثبات طبيعة الاله فيها فهو يقول عن ذاته فى سفر الرؤيا " انا هو الالف والياء ،البداية والنهاية ،الالفا والاؤميجا " ويقول ايضا " انا هو أمس واليوم والى الابد" معلنا عن عدم قبوله للتغير ولا للنسبية فهو يعرف نفسه على انه مطلق وكلى فى كل صفاته ونفهم من ذلك ان الله هو الدوجما وهذا بطبيعة الحال لايترتب عليه اى التزام قانونى او سياسى غير ان ذلك الاله الثابت يتحدث الى البشر المتغيرين فيخاطبهم بلغة عصرهم ومستوى حضارتهم ويستخدم لغتهم وكثيرا مما خاطب به اليهود فى العهد القديم من تشريعات مدنية ونواميس وغيرها اصبحت اليوم لاتناسب العهد الجديد بعد تغير مفهوم الدين فى المسيحية. أما ما يتعلق بالالتزام القانونى فهو لا يتعدى حدود الاحوال الشخصية وليس هناك ما تفرضه الاصولية المسيحية على السياسة ولا الدستور فلذلك هى ليست عقبة فى طريق التقدم وتطبيق العلمانية حيث انها لاتتعدى كونها ثوابت ايمانية عقائدية نابعة عن طبيعة الله الثابتة. واخيرا اصبح علينا ان ننتبه الى ان السيد المسيح هو اول شخص علمانى فى التاريخ فصل الدين عن الدولة بشكل كامل وقاطع وظل متمسكا بكونه معلم ورجل دين ورفض اى دور سياسى فهل لنا نحن ايضا ان نعقد التصالح بين الدين والعلمانية فى مجتمعاتنا ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 110-Al-Baqarah


.. لحظة الاعتداء علي فتاة مسلمة من مدرس جامعي أمريكي ماذا فعل




.. دار الإفتاء تعلن الخميس أول أيام شهر ذى القعدة


.. كل يوم - الكاتبة هند الضاوي: ‏لولا ما حدث في 7 أكتوبر..كنا س




.. تفاعلكم | القصة الكاملة لمقتل يهودي في الإسكندرية في مصر