الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية .. آلياتها .. والإسلام السياسي

ماجد فيادي

2005 / 12 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عقارب الساعة تمر على الدقائق والساعات, وها نحن نقترب من أهم استحقاق انتخابي يخوضه الشعب العراقي, يتمثل بتاريخ 15/12/2005, فهل يعي العراقيون كيف التعامل مع الزمن. إن التقدم والسباق بين الشعوب يقاس بالزمن, فلا مقياس للثقافة أو المادة أو السلاح إلا وقورن بالزمن, فنقول مثلاً أن العراق متأخر مئة عام عن العالم المتحضر. اليوم يمر على سقوط الدكتاتورية سنتان وثمانية اشهر, جربنا خلالها القوى الشعبية لحماية المدن, خاصة بعد سقوط الدكتاتور مباشرةً, وجربنا مجلس الحكم, والحكومة المؤقتة, والحكومة الانتقالية, جربنا الحوار والحرب الأهلية, جربنا القوى التي دخلت العملية السياسية والتي لم تدخل, جربنا وجربنا خلال فترة قصيرة ما جربته شعوب خلال سنين طويلة, فهل نضع خبرتنا التي اكتسبناها سابقا في الانتخابات القادمة, ونحترم الزمن, كمقياس للتقدم, وننظر الى الوراء لنقوم المستقبل؟؟؟
أتناول اليوم قوى الإسلام السياسي, وتجربته في حكم العراق, من خلال حكومة السيد الجعفري, وسلوكها في التعامل مع الديمقراطية وآلياتها.
وصلت هذه الحكومة الى سدة الحكم عبر الانتخابات, والانتخابات لا تعني الديمقراطية, فهي احد آلياتها, كما لها آليات خاصة بها, على من يقبل بالانتخابات أن يتبعها, مثل التنافس الشريف عدم اللجوء الى استخدام العنف عدم تجاوز القانون, وما الى ذلك من آليات توفر للمواطنة والمواطن حرية الاختيار, وإبعادهم عن الإرهاب الجسدي والفكري, حتى يكون قرارهم مبني على قناعة ذاتية, توصلهم في لحظة الانتخاب الى وضع علامة الصح في المكان المناسب.
ما جرى على الساحة العراقية, بعد سقوط الدكتاتورية, أن عادت القوى السياسية الى الساحة, وعبرت عن نفسها بعدة وسائل, منها قانوني ومنها غير( .... ), وبما أن الحديث عن الإسلام السياسي, فقد أعلنت هذه القوى عدم إيمانها بالديمقراطية, لأنها مستوردة وغير موجودة في القرآن الكريم, وبعد أن تفاجئت برفض العراقيات والعراقيين لهذا المنطق الذي عانوا منه على يد الدكتاتور, عادت هذه القوى وتلونت بالديمقراطية كي تصل الى اكبر عدد من الجماهير, وكي تكون مقنعة باستخدامها لآليات الديمقراطية, فهل نحن أمام قوى ديمقراطية أم قوى ( .... ) ؟؟؟
جربت قوى الإسلام السياسي في عدد من الدول, وسنأخذ الحكومة الإيرانية كتجربة حية لأنها تحكم بلد جار, وهم على نفس مذهب حكومة السيد الجعفري. التجربة تقول, إن أحزاب إسلامية إيرانية في بداية الثورة تعاملت مع عدد من القوى مثل حزب تودة ( على سبيل المثال لا الحصر), وبعد أن تم لها ما تريد, وعبر نضال مشترك مع قوى أخرى, تمثل نفسها وفكرها وطموح جماهيرها, جاء الدور على الشريك في الإطاحة به وعبر آليات الديمقراطية. كيف جرى هذا؟؟؟
بعد أن تمكنت من الوصول الى السلطة ( قوى الإسلام السياسي) انتشرت في الوزارات التي تتعلق بأمن البلد مثل الدفاع والداخلية وشكلت المخابرات على عقيدة إسلامية ترتبط بالمرشد الديني الأعلى للثورة الإسلامية, وتأخذ تعليماتها من أحزابها مباشرةً, و مارست عملية التصفية الجسدية للقوى السياسية الأخرى, وأدخلت البلد في حرب مع الجارة العراق ( مع إن صدام كان البادئ لكن هذا لا يعني عدم استخدام العقل في إبعاد الدمار عن البلاد), وفي ضل الدفاع عن البلد مورست آليات إبعاد القوى السياسية بالتكفير والخيانة والفساد الإداري, هذا الإسلام السياسي لا يزال يصر على استخدام آليات الديمقراطية في تداول السلطة بالرغم من غياب المنافس العلماني لهم.
قوى الإسلام السياسي في إيران حاربت الطلبة ونزعتهم التحررية, حاربت العلمانيين, حاربت العرب في الأهواز, حاربت الكرد في كردستان إيران, حاربت كل من يخرج عن توجيهات المرشد الأعلى, واليوم تحارب خارج الحدود, في لبنان من خلال حزب الله, وفي العراق من خلال المخابرات الإيرانية والغطاء الذي توفره لها بعض الاحزاب الشيعية, وتحارب في شؤون ليست من اختصاصها مثل نكران محرقة الهلكوست.
اليوم وقد ثبت بالأدلة والتحقيقات, أن حكومة الجعفري ومن خلال وزارة الداخلية تمارس أعمال لا تمت للديمقراطية بشيء, وهي التي وصلت للسلطة بآليات الديمقراطية ( حق التنظيم الحزبي والصحافة والانتخابات... الخ), فالتقرير الذي صدر عن فضيحة ملجئ الجادرية يشير الى تدخل إيراني, وموافقة وزارة الداخلية, وتستر من قبل رئيس الوزراء في محاولة منع نشر التقرير, ممارسة رئاسة الوزراء التهديد باستخدام القوة تجاه القوائم المنافسة, مثل قائمة حركة المجتمع الديمقراطي, السكوت عن ممارسة الإرهاب تجاه قوائم أخرى, مثل مقتل شيوعيان في مدينة الثورة وشاب يلصق بوسترات للقائمة العراقية الوطنية في البصرة, وأحداث أخرى من نفس النوع, نشر الطائفية من خلال فصل بنات وأبناء السنة من دوائر الدولة, تعذيب وقتل معتقلين بدون تقديمهم الى العدالة( حتى وان كانوا إرهابيين), رفض تعيين عدد كبير من المفصولين السياسيين ممن ينتمون الى أحزاب سياسية أخرى .... الخ
هذه السلوكيات لم يكن بمقدور قوى الإسلام السياسي ممارستها بدون آليات الديمقراطية, وهي لا تنوي التخلي عن هذه الآليات, لأنها وسيلتها في الظهور الى الجماهير والمجتمع الدولي, وهي جواز السفر الذي يسمح لها ممارسة كل انتهاكات حقوق الإنسان, دون التعرض للمحاسبة الفعالة, كما إنها ( قوى الإسلام السياسي) تستخدم آليات أخرى في توسيع انتشارها مثل منضمات المجتمع المدني, كالصحافة والجمعيات و الاتحادات والنقابات والأحزاب, في الوقت التي تحارب به منضمات المجتمع المدني التي لا تواليها. بالديمقراطية وعبر المسؤولين في الوزارات تعيق الحكومة تنفيذ برنامج بناء العراق, لأسباب من المفروض أن تحلها بنفسها, فمدن الجنوب التي تحضي بالأمان, ليس فيها خدمات أفضل من مدن غرب العراق, لكن الفساد الإداري الذي تمارسه الحكومة, وإتباع مبدأ المحاصصة والمحسوبية والطائفية والتحزب والمناطقية, هو المسؤول عن تأخر وصول الخدمات وتوفير فرص العمل وتقليص أعداد البطالة. إذن عبر آليات الديمقراطية والوصول الى السلطة, تمارس قوى الإسلام السياسي إفراغ الديمقراطية من محتواها.
مشكلة الديمقراطية إنها تحتاج الى وعي وثقافة عالية, تأتي بتقديم برامج منفتحة على كل بنات وأبناء الشعب, دون تمييز, هي حالة بناء مستمر لا تتوقف عند حد معين, وهي تحتاج الى نكران ألذات, وتقديم الآخر, بالاعتراف به والعمل معه, وفسح المجال للأفكار الجديدة, مادامت تعمل بأساليب سلمية, وهذا ما تفتقر له قوى الإسلام السياسي.
إن اخطر ما تمارسه قوى الإسلام السياسي هو تحويل الدين الى هدف, بدل استخدامه وسيلة لخدمة المجتمع, مستغلة بعض ما يرد في القرآن, من آيات كريمة, وتحريف معانيها, خدمة لمصالح سياسية واقتصادية ضيقة, تتجه بالعراق نحوه انتهاكات حقوق الإنسان وتضيق الحريات وسوء الخدمات وارتفاع البطالة وانتشار الإرهاب وتوسع دائرة الحرب الأهلية, مما يعني عودة الدكتاتورية من جديد.
لقد عانى العراق من المركزية الشديدة على يد الدكتاتور صدام, وقوى الإسلام السياسي تعيدنا الى المركزية من جديد عبر إلغاء الآخر ( بالإرهاب الجسدي والفكري), وتركيز القرار بيد المرجع الديني, إذن قوى الإسلام السياسي لا تؤمن بالديمقراطية بل هي تستخدم آلياتها, وشتان ما بين الاثنين.
بعد ظهور نتائج الانتخابات الأولى, ادعت قوى الإسلام السياسي, أن الديمقراطية هي حكم الأغلبية, ومن حقهم حكم العراق استناداً الى الديمقراطية, فجاء إبعاد القوى العلمانية والديمقراطية والليبرالية من الحكومة الانتقالية, لأنها تحضي بأصوات الأغلبية من العراقيات والعراقيين, وهذا يعني جهلها بالديمقراطية, لان هذا المبدأ قد تطور منذ قرن من الزمان, وأصبحت الديمقراطية, حكم الأغلبية والتوافق مع الأقلية في إدارة شؤون البلاد.
فهل ستعيدنا قوى الإسلام السياسي مئة عام الى الوراء, كي ندخل بالتجارب الإنسانية من جديد لنصل الى ما وصلت إليه اليوم؟؟؟
بحسبة بسيطة, نحن متأخرين عن العالم المتحضر مئة عام, والإسلام السياسي يعيدنا الى الوراء مئة عام من التجارب الإنسانية, يعني إننا نتخلف عن العالم مائتي عام, ولو أضفنا التطور السريع لتقدم العالم سنجد نفسنا نقف أربع مئة عام عن العالم الآن.
فهل من يستطيع إيقاف عقارب الساعة كي نلحق بالعالم؟
الجواب :. لا, لكننا نستطيع أن نختصر الزمن, بأن نستفاد من تجارب الآخرين ونضيفها الى تجاربنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah