الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-تعريب الغشّ-، و-عولمة تسريبات الاختبارات ومباريات الامتحان- في الدول العربية: ظاهرة تسريبات أسئلة امتحانات الباكالوريا (الثانوية العامة) في صمر والجزائر والمغرب وتونس والأردن.. بعض الدروس والعبر

عصام بن الشيخ
كاتب وباحث سياسي. ناشط حقوقي حر

(Issam Bencheikh)

2016 / 6 / 21
التربية والتعليم والبحث العلمي


"تعريب الغشّ"، و"عولمة تسريبات الاختبارات ومباريات الامتحان" في الدول العربية:
ظاهرة تسريبات أسئلة امتحانات الباكالوريا (الثانوية العامة) في صمر والجزائر والمغرب وتونس والأردن.. بعض الدروس والعبر

د. عصام بن الشيخ
- 21/06/2016
*********************************************
كان فلاسفة التربية العرب يواجهون مشكلات التعليم، بطريقة منهجيّة لا تخلو من الأدلجة أحيانا، لما لتلك الحقب السابقة، من ثراء فكريّ يعكس مستوى التعليم ورقيّ القيم وتدافع الإرادات، أمّا اليوم، فقد أضحى المصلحون في قطاع التربية والتعليم في العالم العربيّ، عاجزين أمام معضلات بسيطة، أوغلت في خطورتها، مهدّدة قوام المجتمعات العربية، كظاهرة (عدم توحيد المناهج التربوية في القطر الواحد، اكتظاظ الأقسام، نقص المدرسين، انعدم كفاءة كوادر هيئات التدريس، ضعف المستويات المعرفية للمناهج التربوية، انعدام وسائل الإيضاح والتدريس، انتشار الدروس الخصوصية...)، وغيرها من الظواهر السلبية التي حطّمت واجهة قطاع التربية والتعليم، وجعلت القطاع التعليميّ العامّ نموذجا للتخلّف والركود والسخافة والابتذال، أمام النهم والفساد الطبقيّ الكبير، الذي يمارسه القطاع الخاص، وما يقترفه من أخطاء التمييز الطبقيّ المرفوض، تجاه فئات "غير المحضيّين" من التلاميذ المعوزين والفقراء، ناهيك عن انتشار ظاهرة اجتماعية سرطانية خطيرة، ظاهرة الغشّ، التي تطورت في أشكال مختلفة في جميع القطاعات الأخرى، حيث انعكس الغشّ في التعليم، على القطاعات الصناعية والفلاحية وفي قطاعات الصحة والتعليم والجامعات وفي الإعلام، وتسبّب في خداع المستهلك وتفويت الفرص على النزهاء، بسبب ما يتجاوز مرحلة التشجيع على الرشوة والمحسوبية في المقاولات والإدارات العمومية والقضاء والمستشفيات، ليصل إلى مرحلة تطبيع الفساد وإشاعته.
لقد شهدنا خلال الأسابيع الماضية، مشاهد مروّعة، للأخطاء الفضيعة التي ارتكبتها وزارات التربية في كلّ من مصر والمغرب وتونس والجزائر والأردن، نتيجة فضح وسائل التواصل الاجتماعيّ - بطريقة شبه "ويكليكسيّة، بنميّة"؟؟ -، لمضامين اختبارات ما كان يعرف بـ: "أقدس شهادة في البلاد العربية"، والتي يفترض بها أن تحمل بدلالاتها الأخلاقية قيم الانضباط والاعتراف بجدارة "نواة" النخب وأهل المعرفة والحاملين لمشروع نهضة الأمة العربية من المهندسين والأطباء والقضاة والمحامين والأدباء، الذين ستساهم هذه الشهادة في تمكينهم من فرصة بناء ذواتهم ومجتمعاتهم ودولهم من خلالها، بعد إتمامهم فرصة التعليم الجامعي بامتياز، فحدث هذا الزلزال الذي أكّد ما خلص إليه الفيلسوف والسوسيولوجي الفرنسيّ الكبير آلان توران، في أنّنا "لم نعد اجتماعيّين"، بل أضحينا "ثقافيّين"، افتراضيّين وهمّيّين، نهدم في الفضاء الرقميّ، كلّ ما بنيناه طوال قرون في الفضاء الاجتماعيّ، سواء قبلنا الانخراط والانضواء في ظاهرة العولمة، أو كفرنا بها. فأمام فضيحة "إفلاس التربية" و"تلف التعليم" في البلاد العربية، ازدادت رقعة الانكشافية لما أضحى يسمى "المظلومة التربوية" - بدل المنظومة التربوية-، وهو ما يؤكّد فشل جميع مقاربات الإصلاح التربوي التي اعتمدت، سواء كانت عبر الأهداف أو الكفاءات أو غيرها من النماذج الفكرية المختلفة، لأننا سنعود للعصور القروسطية في محاولة انتقاء أفضل النماذج المعرفية التي لم تفسدها المدرسة العربية، ولم تغرها موجة الطوفان الرقمي بأجيالها المختلفة (الثالث والرابع والخامس)، حيث أنّ الانترنت نفسه، ظاهرة اختلقها الإنسان الكترونيا وعن طريق التواصل الثقافي الافتراضيّ، الذي لا يمكن له أن يصبح بديلا عن التواصل الاجتماعيّ، بوصف الأخير من الظواهر الدائمة، غير القابلة للانمحاء، رغم ما يكتب ويروّج على الصعيد العالميّ من مقاربات في هذا السياق، لتبرير الانغلاق الاجتماعي لصالح الانفتاح الثقافيّ البديل، ومحو الهويات، وصقل أجيال قابلة للتحكّم، لما تبديه من ميول للإذعان والانصياع الرقميّ، والعصيان والتمرّد الاجتماعيّ في المقابل.
فهل بقي بعد ما حدث في تسريبات الباكالوريا عبر الفضاء الرقميّ، ما يحفظ للمعرفة قداستها كما يقول شيخ التربويين الأمريكيين جون ديوي؟، وكيف تتحول المدرسة في رؤيتها التربوية، إلى تخريج شباب بهذه المستويات من السطحية والتفاهة، والاستسهال، وكأننا لم نقرأ في ملاحظات ميشال فوكو الشهيرة، أنّ أشهر النماذج التعليمية، تلك التي تستمد فكرتها من الانضباط العسكريّ، بغية بلوغ الرقيّ الأكاديمي والمعرفيّ، الذي بلغه مفكرون وعباقرة، لم يعرفوا الفضاء الجامعيّ مطلقا.
ففي التجربة الجزائرية، في هذا البلد "الحمائيّ" الذي لم يتعولم مثل دول الخليج العربيّ، خشية فقدان سيادته، تمّ تسريب اختبارات الاختصاص العلميّ الذي جرت عملية إعادة جزئية له في منتصف شهر رمضان لسنة 2016 الحالية، لإرسال ثلاث رسائل هامة:
ــ وزير التربية نورية رمعون بن غبريط التي هزمت النقابات، ومنعت الإضراب، ستهزم وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال "غلق مؤقت" لكلّ الاتصالات الرقمية طوال فترة الاختبارات الجزئية.
ــ ستحافظ الباكالوريا الجزائرية على قداستها رغم المؤامرت، وسيكون عيد الاستقلال موعدا مقدسا لإعلان النتائج المنتظرة، كما جرت العادة.
ــ إعادة الاختبارات دفاع عن مبدأ مقدس هو "تساوي الفرص" أمام جميع المترشحين، لطمأنة الأولياء، وإحالة كافة المتورطين في التسريبات، إلى القضاء الجزائريّ ليبتّ في شأنهم، ويتخذ الاحتياطات اللازمة مما يعتور التشريعات العقابية الجزائرية في هذا الشأن، مستقبلا.
(مع الأخذ في عين الاعتبار، أنّ الانضباط الذي نبحث عنه، هو إبقاء سيران اختبارات الباكالوريا على شكلها السابق للسنوات الماضية فقط، حيث تحافظ ولاية تيزي وزو التي لا يحسن غالبية سكانها اللغة العربية، على الريادة الوطنية في النتائج، و تتذيل ولايات أدرار والجلفة المراتب الأخيرة على الرغم من جدارة جيل الشباب في المدينتين، وما يمتلكونه من مواهب وابتكارات، سجلتها كلّ القطاعات، وفي مقدمتها، الفنون).
وكالعادة، لم تسلم قضية الباكالوريا في الجزائر من التسييس، ودخلت أحزاب المعارضة على الخطّ، في محاولة التذكير بالتسريبات السابقة التي سجلتها الجزائر في عهد الوزير السابق علي بن محمد، ومحاولة إسقاط نفس التجربة على الوزيرة بن غبريط، لإجبارها على الاستقالة، السيدة رمعون لتي رأست سابق مركز أبحاث الكراسك لدراسات الإنثروبولوجيا في ولاية وهران الجزائرية، تنحدر من منطقة الغرب، التي ينتمي إليها الرئيس الجزائري وعدد كبير من الوزراء الذين مروا على الحكومة، تمتلك من الأوراق ما يؤهلها لخوض معركة "منع تطبيع تسريب الباكالوريا بالجزائر"، هذه الدولة التي لا يزال قوامها مرتكزا على هيبة المؤسسة العسكرية الأكثر انضباطا في جميع التجارب العربية، ونستحضر في هذا السياق برنامجا ساخرا كانت قد قامت به الممثلة الجزائرية "بيونة" قبل سنوات، في استخدمها لقوات الأمن والجيش لحراسة الاختبار، مع الفارق في أنّ هذا الحلّ "اجتماعيّ" بامتياز، وليس "ثقافيا رقميا"، حيث مرت التسريبات عبر "كابلات النت" باستخدام طرق غير مرئية مثل: الواي فاي، البلوتوث، شاريت، .. وغيرها.
أما في مصر، فقد نشر على توتير، صورة مجموعات الشباب وهي تمتحن في اختبارات الثانوية العامة، واقفين (غير جالسين)، كلّ شاب يسجّل ما استطاع أن يتلقفه من معلومات، ما يطرح قضية أخرى على مستوى مختلف، وهي التواطؤ في الغشّ داخل قاعات الاختبار، ناهيك عن التسريبات التي عرفتها الشبكة العنكبوتية، ونشرت عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ففي إحدى التبريرات السطحية السخيفة التي استمعت إلها عبر قناة فرانس 24 الناطقة بالعربية، استحضر أحد المحللين المصريين، تسريبات باكالوريا سنة 1967 قائلا أنّ لإسرائيل ضلع فيها، لإظهار قدرتها على إختراق نظام السادات آنذاك، وبعيدا عن هذا المستوى من البله، تخرج أمّ مصرية باكية على شاشات التلفزيون، في القول أنّها مصدومة في ما آل إليه ناتج تعب سنة كاملة مع ابنتها المرشحة لنيل شهادة الثانوية العامة، وفي خشيتها من الكلفة الاقتصادية لتمديد الاختبار، حيث أضحى التعليم في البلاد، فريسة للدروس الخصوصية، ومغتصبي المناهج التربوية، الذين حولوا منازلهم إلى "بيوت للسخافة المدرسية". وعطفا على معضلة التعليم في مصر، يمكن طرح السؤال: هل مشكلة لتعليم في مصر مرتبطة بالتمويل؟. تقول الدراسات الحديثة أنّ "الإنفاق على التعليم" ليس مشكلة في حدّ ذاته لكونه مسألة نسبية، فالإنفاق الضئيل على التعليم، في الدول التي عرفت تجارب تعليم عريقة، ومدارس كافية، ومعلّمين أكفاء، تحوّل الميزانية المحدّدة إلى ميزانية كافية، ولا يوجد أيّ داع للمطالبة بزيادة ميزانية التعليم بحجة كونها أقلّ من بقية الميزانيات القطاعية الأخرى.
أكبر الأدلة على أنّ التعليم في مصر لا يحتاج إلى تمويل كبير، هو نجاح انضباط المؤسسة العسكرية في مصر في تخريج الطلبة والباحثين والمهندسين والأطباء، وتذكرني تجربة مدارس الجيش المصريّ، بمدرسة أشبال الثورة ف جزائر الرئيس لراحل هواري بومدين، التي خرجت الأديب العالميّ ياسمينة خضرة (الضابط محمد مولسهول). والتي أعاد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تأسيسها بمسمى جديد (مدارس أشبال الأمة)، ولسان حال المؤسستين العسكريتين في البلدين مصر والجزائر يقول، أنّ الجيش لا يثق إلا في من تمدرس ضمن مدارسه وبمناهجه وقيمه، التي تدل على الانضباط والكفاءة والجدارة، فهل يجب عسكرة المدارس المدنية هي الأخر، لتسريع مشروع نهضة الأمة؟، في ظلّ الفشل الذريع للعسكرية البعثية للمدارس السورية، وتعريب الجامعات هناك، دون ناتج معرفيّ؟؟.
ذكرنا تجربتي تونس والأردن في عنوان المقالة، وليس ذلك لمحاولة الإساءة لكلّ التجارب التعليمية العربي، بل بالعكس، فعلى الرغم من فساد التعليم في البلدين، وحدوث تسريبات خطيرة لأسئلة اختبارات الباكالوريا فيهما أكثر من مرة، غير أنّ التعليم في تونس والأردن، يمتلك دافعية وترابطا كبيرا مع التعليم العالي، الذي أفضى إلى نجاح كبير للتعليم الجامع فيهما، وهو ما نلمسه بشكل واضح في قطاع الصحة، والتطور الكبير لمجال الطبّ، وظهور الخدمات الطبية وشكل جديد من السياحة الطبية في التجربتين، فعلى الرغم من أنّ الأردن أكثر انفتاحا على العولمة من تونس، إلاّ أنّ الأخيرة امتداد لسياسة بورقيبية - نسبة للمجاهد الأكبر، الرئيس الراحل االحبيب روقيبة-، أنتجت مجتمعا راقيا على درجة عالية من التمدّن والتحضّر، وفي المقابل ساعد النظام الملكيّ الأردنيّ على تطبيق نفس التجربة على المجتمع الأردنيّ المحافظ، واستخدام كافة الطرق الممكنة لترقية التعليم والتعليم العالي في البلاد، بما في ذلك، التعاون الأكاديميّ مع تل أبيب طبقا لم ورد في نصوص الاتفاقيات التي عقدت بين عمّان وتلّ أبيب بعد توقيع اتفاق السلام في وادي عربة سنة 1994. وإن كان الافتراض القائل بوجود اعتراف تونسيّ بالكيان الصهيونيّ، فإنّ ثورة الشعب التونسيّ في (14 يناير 2011) تنسف ها الطرح، لأنّ نجاح التعليم في تونس نجاح ثمرة لبذر وغرس بذله الراحل بورقيبة، بنظرة ثاقبة، استشرف من خلالها تونس الغد، وعلى الرغم مما كشفته الثورة من تراكم للمظالم الاجتماعية في تونس، وفشل اقتصاديّ للتخطيط، غر أنّ تونس -ومعها الأردن-، تملك: (مجتمعا متمدنا، مدارس ناجحة، تعليم عالي ناجح)، فلم تؤثّر تلك التسريبات في المجتمع كما حدث في النماذج العربية الأخرى. أما المغرب، فعلى الرغم من أنّ النظام الملكيّ قد نجح في فرض الانفتاح الخارجيّ، والسياحة، لدفع الاقتصاد المغربيّ للحركية والنهوض، غير أنّ عجز قطاعي التعليم والتعلم العالي عن بلوغ النموذجين الأردني والتونسي، يكشف مشكلات الفقر والفساد المنتشر في البلاد، في بلد واجهت حكومته "الإسلامية" عدة مظاهرات للمعلمين والأساتذة، الذي يشتكون مسألة عدم تثبيتهم في مناصب قارة بأجور محترمة، وشهدناه هو الآخر عبر وسائل الإعلام، يعلن عن تسريبات لأسئلة الاختبارات، فضاعت هيبة امتحانات الباكالوريا في المملكة المغربية مثل نظيراتها العربية التي سبق ذكرها، ولم تتحرك حكومة بنكيران لتدارك الموقف إلى حدّ الساعة.
مشكلة أخرى واجهتها المدارس العربية، زمن الضغوط الأمريكية لتعديل مناهج التعليم، فبعد أحداث (11 سبتمبر/أيلول 2001)، حاولت الإدارة الأمريكية فرض إصلاحات من الخارج، لتعديل ما أصطلح على تسميته بالمناهج الإسلامية التربوية المشجعة على الإرهاب، فعلى الرغم من أنّ الكيان الصهيونيّ قد اعتمد المناهج التربوية اليهودية في نموذجه للدولة الدينية، طالبت واشنطن الدول العربية، وفي مقدمتها دول الخليج العربيّ، بتعديل هذه المناهج، بما يشجّع على "قابلية السلام" بالمفهوم الغربيّ مع الكيان الصهيونيّ، وإنّ كنّا نطالب في هذا السياق بمطالبة الكيان الصهيوني بالمثل، لإخلاء مناهجة التربوية المتعصبة والعنصرية من الدعوة إلى قتل الفلسطينيين وتهجرهم واغتصاب أراضيهم، فإنّ ظاهرة التعصّب والتكفير، لها منابت ومنابع متعددة لا تتصل فقط بالمدرس العربية والمناهج التربوية، لأنّ التعصّب ينشأ أيضا من القيم الغربية المزدوجة، وتشجيع أجهزة المخابرات الغربية لمجوعات التشدّد الدينيّ بالطرق السرية، في مقابل الهجمات غير العقلانية لمنتهجي الإسلاموفوبيا في الإعلام الغربيّ، وغيرها من التواطؤات الغربية، التي تؤكّد الأطروحات التآمرية للغرب، في محاولة إلصاق تهمة الإرهاب بالعرب والمسلمين، ووصم المساجد والنقاب بأوصاف لا تليق بما قدمه الإسلام من خدمات للإنسانية، حين كانت المدارس العربية تنتج المعرفة، وكان الغرب غارقا في عنصرية وتخلّف الكنيسة، ولا أدلّ على ذلك تحذير القديس أوغسطين "المؤمنين"، من الاقتراب ممن يحسنون الحساب والرياضيات، لأنهم "سحرة"؟؟.
المدرسة العربية لم تنتج المتطرفين، الحكومات العربية هي من فعل، والسبب، هو ضعفها أمام الغرب، لقد ردّ مهاتير محمد على سؤال مفاده: لماذا أضحت ماليويا في المرتبة 17 عالميا، وقد كانت الجزائر والعراق ولبيبا مرشحة لتصبح دولا مصنعة؟، فقال: مساكين العرب، وجود الكيان الصهيونيّ سبب كاف لتكديس مليارات الدولارات من الأسلحة بدل بذلها من أجل نهضة التعليم، مع الأخذ بعين الاعتبار ما حدث للعراق وكوبا نتيجة نجاح التعليم في تجربة البلدين، وبشهادة اليونسكو، فالعرب يبذلون أموالهم من أجل التسلح، وليس من اجل التعليم؟؟.
أما معضلة الجامعات، فلا يمكن فصلها عن "تلف التعليم في مرحلة التعليم التربويّ"، فمثلا: تطرح بعض الأفكار الإصلاحية قضية الاعتماد على حصول الطالب على الباكالوريا كمعيار وحيد للقبول في التعليم العالي، في الوقت الذي يؤكّد فيه انخراط العديد من غير الحاصلين على الباكالوريا (شهادة الثانوية العامة) في أنظمة التكوين المهنيّ، أنّهم يملكون قدرات أفضل من الكثير من الحاصلين على شهادة الباكالوريا، وحلّ هذه العقدة جدّ بسيط، فالأول حاصل على فرصة الدروس الخصوصية، أما الثاني فيمكن أن يكون ضحية لرداءة التعليم في مرحلة التعليم الثانوي، وفي الوقت الذي يبرز فيه الأول فشلا ذريعا، يظهر الثاني طاقة كبيرة لتسخير معارف التعليم العالي، في قطاع التكوين المهنيّ، لذلك تقترح بعض الدراسات الإصلاحية توسيع معايير اختيار طلبة الجامعات بإضافة اختبارات المهارات الذهنية والسيكو-تقنية، لإضافة "كوتا/حصة نسبية" لطلبة يمكن أن يصبحوا باحثين مهرة، بإشراك القطاع الخاص.
حصلت جامعة قسنطينة بالجزائر على جائزة نوبل للطبّ أثناء الحقبة الاستعمارية في عشرينيات القرن الماضي، ولم يحصل أيّ باحث عربيّ –أثناء حقبة الاستقلال الحالية- على جائزة نوبل، سوى الباحث المصري أحمد زويل سنة 1999، وتحاول جامعات عربية أن تتسلّق سلّم ترتيب أكبر الجامعات العالمية بطرق وهمية، لمجرّد استعارة أسماء باحثين دوليين حاصلين على جوائز علمية دولية، بغرض القفز على واقع انحدار مستويات إنتاج المعرفة لديها، وإخفاء العجز الواضح للسياسات عن استثمار الرساميل بطريقة الريع غير المنتج، خصوصا وأنّ بعض الدول النفطية العربية، لا تنشد تحقيق مخرجات معرفية ذات مردود ماليّ، ولا يهمّها كم تصرف الإدارة من المخرجات المالية. وهنا نكشف بوضوح انعكاس فساد قطاع التربية، على قطاع التعليم العالي، لأننا نصرف على التربية مثلما نصرف عل التعليم العالي، لنبني مدارس لا تقوم بتقديم مناهج تعليمية، بقدر ما تمارس دور "جليس الطفل" الذي يخلف دور الأولياء في قضاء وقت المراقبة مع الطفل، دون تلقينه ما هو ضروريّ لينشأ على قيم الشجاعة والإقدام، الرغبة في الابتكار، الوطنية والنزاهة، التضحية والشعور بالهوية، والإنتماء إلى الإنسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا