الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفيسبوك ... صراع الهواجس !

محمد بوعلام

2016 / 6 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من الظواهر التي تحمل سمات النفسي الاجتماعي والتي أصبحت تغزو الفضاء الأزرق، انتشار قارئات الفنجان الإلكترونية. هاته العرافات، وخلافا للعرافات التقليدية التي تسأل عن أركيولجيتك في النسب، لكي تستفيد من خدماتها لا يلزمك إلا نقرة واحدة تنتقل بك إلى فضاء المعرفة المستقبلية والغيبية: زوجك المستقبلي، مهنتك التي تستحقها، منصبك الوزاري، نسبة الخير والشر فيك وأيضا مصيرك : الجنة أو النار !!

الناظر في تلك الاختبارات يحسبها أمرا عاديا، وضربا من ضروب الترفيه والترويح عن النفس. في الواقع هي أكثر من ذلك: هي قناع تتوارى خلفه هواجس الخوف من المستقبل الذي يستلب الإنسان ويهيمن عليه منذ أول رشفة للهواء وانبثاقه في هذا الوجود. تجليات هذه الهواجس تتباين بين ما هو اقتصادي، عاطفي، علائقي، ثقافي،إلخ. إنها أزمات وجودية وقلق متوهج يبحث بلهفة عن بريق أمل يستكين إليه ويطفئ به لوعة مرارة خيبات الأمل (الحقيقية منها والمزيفة) المتواصلة في الزمان والمكان.

صارت جدران الفيس بوك متخمة بأسئلة تافهة بسيطة في ظاهرها، وجودية معقدة في عمقها، ما انفك رواد الفيس بوك يدمنونها رغبة منهم في هزم قلق الأسئلة الشقية التي تأبى أن تبرح مخيلاتهم.

إن إدمان التأمل النقدي، في ظل هذا البدخ والسيل اللامنتهي من الخدمات التي توفرها وسائل الاتصال الحديثة ، يقودنا إلى استنطاق هاته الوسائل ودعوتها لكشف عورتها والبوح بأسرارها.
مخطئ من يتوهم أن التكولوجيا الحديثة جاءت بمشروع الحرية وتجاوز القيود، مشروع يسمو فيه الفرد بحريته في الفعل ورد الفعل. كلا، إن التكنولوجيا، ورغم كل تلك الادعاءات والأوهام التي طالما تربعت على عقول كثيرين، إنما جاءت لتجعل من الفرد رقما في بورصة الأرباح ومعادلة الربح والخسارة. الفرد عندما يصير هوية رقمية في العالم الافتراضي يصبح زبونا مرغوبا فيه، تتنافس المواقع والتطبيقات في إغرائه وتسعى جاهدة، بقليل من الدهاء، لاستقطابه لينقر وينقر فوق الروابط ليدر المال في جيوب مالكي وسائل الإنتاج الجديدة. النقر هي عملة المعاملات في سوق الأنترنيت . عندما يُختزل الفرد في نقرة الفأرة ولمسة أصبع عندها يكون حتما قد سقط في فخ قلقه وأصبح فريسة يسيرة المنال في أتون عالم لا يؤمن إلا بالصفروالواحد.

المتصف بالطمع المفرط، هو في الواقع طريدة سهلة للكذاب (الطماع يغلبه الكذاب)، والطمع هنا رمزي في دلالته افتراضي في وجوده، إنه طمع استقراء المستقبل، وما إلى ذلك من آليات إعدام القلق والزج به في غياهب الإبعاد والتناسي. ولن يتسنى ذلك إلا باستحضار الغيبي لينتهي بنا الأمر إلى مجتمع يستمع إلى الموتى أكثر من استماعه للأحياء، يأتمر وينتهي بالغائب والفائت. وما ذلك كله إلا انتفاء وتغييب لحرية الفعل واغتصاب الاختيار في خضم محاولات استعادة المستلَب، لنسقط في النهاية في صراع أزلي ينفلت من العقلنة ويأبى إلا أن يعاش قسرا متنكرا في زي الهواجس التي تنتابنا ونستسلم لرغبتها في أحيان كثيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة