الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السرقة والقتل بديلا عن العمل

وليد يوسف عطو

2016 / 6 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



سار العراقيون عبر عقود من الزمن ابتداء من الحكم الملكي في القرن الماضي واستمرارا الى اليوم, في ظل نظام المحاصصة الطائفي الاثني الحالي ,في رحلات هجرة وتهجير قسري داخل وخارج العراق ومصادرة ممتلكات المواطنين.

كان من نتيجة هذه الهجرات والتهجير اعادة رسم الخارطة السكانية للعراق وافراغ العراق من الكفاءات العلمية والثقافية وتدمير الطبقة الوسطى . واحلال الفئات البرجوازية الرثة والطفيلية وصعودها الى سدة الحكم ابتداء من انقلاب 8 شباط 1963 والى اليوم .

ادت هذه الهجرات الى افراغ العراق من مجموعات سكانية اصيلة مثل اليهود والمسيحيين والصابئة المندائيين . وحل محلهم ابناء البادية والارياف .

يقول الشاعر والناقد جمال جاسم امين في كتابه :
( مقهى سقراط :مراحل تدمير المعنى : نقد السوسيو ثقافي في التجربة العراقية )-الناشر:دار سطور للنشر والتوزيع – بغداد – شارع المتنبي :
(استغلال ابناء الارياف الوافدين الى المدن سياسيا وزجهم في الترسانة العسكرية خاصة في زمن النظام السابق الذي خطط لحروب طويلة).

ان افراغ المدن من سكانها واحلال جماعات سكانية من الارياف بديلا عنها انتج منظومة قيمية مختلفة تماما عن ثقافة المدينة.
لقد سيطرت خيمة البداوة وبيت القصب وبيت الطين على المراكز الحضرية والثقافية في المدن العراقية . وتحولت المدن العراقية الى مجموعات عشائرية واخيرا انتصر الريف على المدينة وتم سحق الطبقة الوسطى واضطر الكثير منهم الى الهجرة خارج العراق.

ان مدينة بلا طبقة وسطى لايمكن لها ان تنتج حضارة ولا ثقافة ولا عقلانية .ان ابناء الريف المهاجرين الى المدن يحاولون الانتقام من سكان المدينة ومن الطبقة الوسطى .ومن عاش في بغداد يتذكر ان هؤلاء الوافدين عندما يحاولون الوصول الى وسط البلد , مثل الباب الشرقي او شارعي الرشيد والسعدون يقولون للاهل وللاصدقاء( نحن ذاهبون الى بغداد)طبعا باللهجة الجنوبية , او الغربية المحكية.

اي انهم لاينتمون الى بغداد, بل الى الريف.يقول الشاعر جمال جاسم امين (ان الريفي مهما تقادم وجوده في المدينة فانه لايريد ان يتمدن , بل يظل ريفيا من باب الانشداد الى الاصل وضرورة عدم تضييعه . ان بعضا من هؤلاء قضى وطرا طويلا من عمره في بلدان الغرب لكنه عندما عاد ذهب مباشرة الى اريافه عادا ذلك اصالة).

ان خطيئة عبد الكريم قاسم بعد انقلاب – ثورة 14 تموز 1958 هو عدم حله مشكلة الوافدين الى المدن من الارياف واعادتهم الى ارضهم ,او توزيع انتشارهم في المدن من ناحيةانثروبولوجية بحيث ينصهرون في ثقافة وتقاليد المدينة.. لقد قام عبد الكريم قاسم بتوزيع الاراضي والمنازل عليهم في مناطق في اطراف بغداد تشبه المعازل السكانية التي بناها صدام حسين للاكراد واسماها بالمجمعات السكنية والمحاطة بنقاط حراسة من الجيش.

لقد اصبحت هذه المناطق السكانية حاضنات للقيم العشائرية والتي تلغي القانون والدولة عن طريق القوة والعنف وسيطرة اخلاق العشيرة على المدينة فتم ترييف بغداد والمدن الاخرى.لقد ظهرت العصبية القبلية والمناطقية والمذهبية بدلا من قيم المواطنة . وشيئا فشيئا تحول اهل المدن الى العصبية العائلية والمناطقية والقبلية والمذهبية .

وشهد العراق بعد انقلاب 14 تموز 1958 صعود فئة العسكر والتي هيمنت على ثروات العراق وجلبت معها اقاربها وعشائرها الى الحكم , خصوصا بعد الانقلاب الفاشي في 8 شباط 1963وبعد صعود البعث الى السلطة في العام 1968.

لذا اصبح ابناء البادية والارياف يتحكمون بسكان المدن , وفق نظرة فوقية متعالية . يحاولون الانتقام من المدينة بتدمير كل القيم المدينية مثل التسامح والانفتاح على الاخر وقبول النقد الذاتي . حتى ذوقهم الفني كان هابطا جدا.ومن عاش في زمن البعث يعرف ان التكريتي الحزبي والذي يلبس البدلة العسكرية باللون الزيتوني لايمكن مناقشته , بل يجب طاعة وتنفيذ اوامره.

ان صعود هذه الفئات الطفيلية الرثة الى سدة الحكم باحزابها وعشائرها ادى الى تسيد قيم الاطراف والريف على قيم المدينة والحضارة . وعملوا على تنفيذ سياسة وتقنين القتل والسرقة بدلا من العمل.

لقد قامت الفئات الرثة بانتاج الاصوليات القومية والمذهبية والدينية.وقامت هذه الاصوليات باعادة انتاج فئات رثة جديدة في زمن جديد هو زمن الغفلة .. زمن المكونات والايديولوجيا الدينية.

ان الاصولية والفكر الرث ضد المواطنة والوطنية وضد فكرة الوطن والامة العراقية, حتى لو حملت شعارات تقدمية.لقد اندمجت الاصولية بالايديولوجيا وبالدين وبالطائفة فانتجت لنا نظام الطوائف والكانتونات والمكونات . وهي عودة الى الوراء الى ماقبل اكثر من خمسة الاف سنة .

من اخلاق الرثاثة سرقة عقارات الدولة والمواطنين والمخالفين لهم بالدين والمذهب .وهي اخلاق لانجدها لدى شقاوات بغداد سابقا.اصبحت الوزارة ملكا للوزير وعائلته واقاربه وحزبه وميليشياته.واصبح التعامل بين افراد الفئات الرثة داخل العائلة الواحدة يقوم على التعالي والاحتقار والتحقير للاضعف وللافقر.

لقد امتزجت اخلاق البداوة في التغالب والنفاق والقوة والمخاتلة مع اخلاق الفئات الرثة والتي تقوم باعمال السمسرة والتجارة بالعقارات بدون ان تقوم بعمل انتاجي واحد . وبما انها خاوية ولا تمتلك مشروعا حضاريا وثقافيا وفكريا , لذا قامت بالغاء ومنع المسارح ودور العرض السينمائي والموسيقى والغناء . وحولت العراق الى مكب للنفايات وجدران اسمنتية حتى يمنعوا الشعب من الاحتجاج والعيش برومانسية ورفاهية.

وتم تشجيع الطقوس الدينية والمظاهر الدينية الشعبوية. لقد ارتبط هؤلاء بالانظمة النيوليبرالية وارتبطوا بالقوى الاقليمية والدولية, ولمن يدفع اليهم اكثر.انها العقلية الانتهازية والتي لاعلاقة لها بالدين او بالمذهب او بالوطنية ولا بالقرابة بل تقدس مصالحها الشخصية فقط .

ان الفئات الرثة التي حكمت العراق منذ زمن صدام حسين الى العراق الامريكي اليوم , قد كرست ثقافة القطيع والكتل البشرية الكبيرة , والتدين الطقوسي لكي يتم لها الهيمنة على الشعب وانهاكه , لتقوم هي بالسرقة والنهب.

ان اي تغيير في العراق يستدعي القيام بثورة ثقافية ومعرفية وتنمية بشرية واقتصادية مستدامة.تنمية تعمل من اجل الانسان والارتقاء به دون الاعتماد على الدخل الريعي. وهذا يستلزم تشجيع الطبقة الوسطى على النمو والازدهاروتشجيع الفنون ومراكز البحث العلمي وتطهير جهاز القضاء من الفاسدين واعادة بناء العملية السياسية على اسس جديدة , تتضمن خروج رجل الدين من السياسة, اي علمنة الدولة والمجتمع .

ان التنمية المستدامة ستعمل على خلق اسواق جديدة وطرق مواصلات تجعل الناس يربطون مصالحهم مع الاخرين من المجموعات السكانية من اجل مصالحهم .ومن هنا نعيد بناء الامة العراقية.
الوطن =هوية +مصلحة
ان التطرف والعنف من سمات الشخصية العراقية ,يجب العمل على تفكيكهما عن طريق انظمة التربية والتعليم الحديثة والاعلام بداية من الاسرة والمدرسة والجامعة وجعل الاولاد اصدقاء للاب وللام .

علينا الخروج من الايديولوجيا ومن الحزبية والطائفة الى رحاب الفكر المفتوح والى ثقافة الحوار والانصات والتسامح والاعتذاروالتصالح مع الذات ومع الاخرين .

عندما تغيب الدولة ..
تظهر المليشيات ..
وعندما يغيب الوطن ..
تظهر المكونات ..
ان الغباء القيمي الايديولوجي يعمل على تدمير الوطن,بينما التسامح والمحبة والاعتذار تعمل على بناء الوطن والمجتمع .
لذا علينا محارية التعصب والكره بالحب ..
لنعمل على بناء علمانيتنا الخاصة بمجتمعاتنا ..
اطعام طفل جائع ويتيم افضل مليون مرة من بناء مسجد ..

مقالات ذات صلة:

مقالتنا (الرثاثة ضد صناعة الحياة ) والمنشورة على الرابط التالي :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=521439








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العزيز وليد الورد
عبد الرضا حمد جاسم ( 2016 / 6 / 23 - 14:51 )
محبـــــــــــــــــــــــــة و ســـــــــــــــــــــــــــلام
إشباع طفل جائع بكرامة عيد
وإشاعة العدل هو الحصيد


2 - خير الكلام ماقل ودل
وليد يوسف عطو ( 2016 / 6 / 23 - 15:32 )
اخي الفاضل عبد الرضا ..

رمضان كريم وانت في فرنسا.

اتمنى لكم عيد فطرمبارك وعلى الامة الفرنسية..

مشكلة ترييف المدن وترثيث الثقافة نشاهدها اليوم في اوربا بدخول اللاجئين المسلمين باعداد غفيرة تعجز اوربا عن استيعابهم ودمجم بالمجتمع والمعالجات الفاشلة مثل اسكانهم في مدن بعيدة وشبه فارغة في المانيا والنتيجة اعادة ترثيث المجتمع بالعودة الى محاولة تطبيق الشريعة الاسلامية في المانيا وفرض الاسلام بالقوة على المجتمع الاوربي .اتمنى ان يعجبكم الرابط الملحق مع وافر تقديري ايها المحبا الاصيل


https://www.youtube.com/watch?v=D1RSW-2oID0..


3 - انتزاع السلطة من المدينة
سليم عيسى ( 2016 / 6 / 23 - 18:01 )
تحية استاذ وليد, مقال اخر جيد. كما قلت في تعليقي على مقالك السابق, فقد انتقلت السلطة بعد انقلاب 1963 الدموي من المدينة الى البادية/ الريف وبالتالي سادت قيم البداوة والريف على المدينة. مشكلة هؤلاء الذي نزحوا الى المدينة, وفيهم الكثير من الطيبة والرجولة والكرم, ان كل مجموعة منهم تنتمي الى نفس القومية والعشيرة والدين والمذهب , لذلك فانهم يصطدمون بواقع المدينة ذات التعدد العرقي والديني والاجتماعي .خذ الاسماء, مثلا اسمي سالم وغانم, كلمتان كانتا تقالان لمن يخرج للغزو, صدام برزان حردان.... تدل على القوة والمواجهة. بتقديري المتواضع فان ما جرى للعراق هو اشبه بالهجرات السامية التي كانت تدخل العراق : تجمع حول المدن ثم دخولها تدريجيا فالسيطرة على المدينة. اعتقد بان العراق يحتاج لعدة اجيال لكي يتحول المجتمع الحالي الى مجتمع مديني. مع التقدير


4 - هذا الشِبلُ من ذاك الأَسد
بارباروسا آكيم ( 2016 / 6 / 23 - 21:21 )
أَخي العزيز وليد ، كُنت دائماً أَسأل نفسي من أَين تعلم موظفي التسجيل العقاري الرشوة

واخيراً وجدت إن جَدَنا (أور- نمو) عليه السلام لما نزل الى العالم السفلي منح حارس البوابة بعض الهدايا والرشاوى ليقدمها للآلهة حتى تنهي معاملته الخاصة بإشهار الوفاة بسرعة .

أَما بالنسبة للتهجير القسري ومصادرة الأَملاك المنقولة وغير المنقولة وحتى الملابس الداخلية ، فأول من إخترعه هو جدنا آشور ناصر بال رحمه الله ورعاه

وهكذا يستمر شعبنا الأَصيل وحكومته الموقرة بالسيّر على نهج أَسلافنا العِظام

تحياتي وتقديري للكبير وليد يوسف عطو


5 - الاخ سليم عيسى المحترم
وليد يوسف عطو ( 2016 / 6 / 24 - 08:22 )
اتفق معكم في التحليل بنسبة كبيرة ولكن:

انها موجات بدوية وبربرية ينطبق عليها وصف القران(الاعراب شد كفرا ونفاقا)..حيث كان يحكمنا ابن العوجة القرية المنسية في العصور قبل البعثية . لكن الموجات السامية ليست كذلك . فالعموريون اسسوا لارقى دولة في العالم القديم وهي الدولة البابلية على فرضية صحة انهم قبائل بدوية جاءت من الغرب . البدو لاينتجون حضارة ولكن المجتمع والحضارة الاكدية بشقيها البابلي والاشوري استطاعتا استيعاب المد الاموري وذوبانه تدريجيا في المجتمع المديني بعكس ماحصل لاحقا في القرن العشرين وفي قرننا الواحد والعشرين .نعم نحتاج الى عدة اجيال لتاسيس المجتمع المديني,مجتمع المدينة اذا صحت النوايا والارادة والا فاننا سائرون الى جهنم .


6 - الاخ بارباروسا آكيم المحترم
وليد يوسف عطو ( 2016 / 6 / 24 - 08:26 )
اسعدني حضوركم خفيف الظل على مقالتي..

هههههههههههه... اعجبني كثيرا روح النكتة لديكم ..

( وهكذا يستمر شعبنا الاصيل وحكومته الموقرة بالسير على نهج اسلافنا العظام)..

ختاما: نلتقيكم على اشراقات معرفيةجديدة..

اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يقدمان التعازي -للشعب الإيراني-


.. كيف ستنعكسُ جهودُ الجنائية الدولية على الحرب في غزة؟ وما تأث




.. حماس: قرار مدعي -الجنائية- مساواة بين الضحية والجلاد


.. 50 يوما طوارئ تنتظر إيران.. هل تتأثر علاقات إيران الخارجية ب




.. مقتل طبيب أمريكي في معتقلات الأسد