الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا يمكننا شراء الجرءة

مزوار محمد سعيد

2016 / 6 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أستسمحكم عذرا ودعوني أبدأ في ذي بدء بمفهوم "القابلية"، هذا المفهوم المحوري والحساس في فكر فيلسوف الجزائر "المطرود" مالك بن نبي، بحيث ربط الشعوب العربية-المسلمة بالقابلية للإستعمار، وهي في واقع الأمر فكرة بمثابة الفتح لمفكّر مخضرم إن ما ربطنا حياته بالفترات الاستعمارية، فقد عاش فترة الاستعمار التقليدي، وبعدها عصر الامبريالية العالمية "العولمة"، كانت فكرة القابلية + الاستعمار تعتبر قمة الدهاء وبالغ البعد في النظر وانفتاح هام لبصيرة الفرد آنذاك.
يتحدث الفيلسوف مالك بن نبي عن تهيئة الأرضية لحضور الاستعمار، ومن ثمة أداء الاستعمار ذاته اللعبة التي عبر عنها بكلمة "المسرحية"، وهي بالذات عملية شدّ وجذب، مع تكسير للبنية السوسيو-ثقافية لتجمّع سكاني معيّن، ثم الاجهاز عليهم عبر اقامة بنى فكرية تكون امتدادا لبناه الفكرية الامبريالية، لكن بطرائق ناقصة جدا، عبر نخب "كسولة" لا تحمل من إسم "النخبة" سوى زفير الكِبر المتعالي على شعوبهم والتملق الوديع أمام المستعمر "الأب الروحي" بالنسبة إليهم.
لقد حدث هذا بالفعل على الأرضية العربية-المسلمة، حيث أنّ بعض البلدان التي كانت وقتها حديثة بالاستقلال أغوت نخبها الأكاديمية ومفكرّة منها بالأساس شعارات "الشيوعية-الاشتراكية" بايعاز من الامبريالية الاستعمارية ذاتها، وبالتالي وجد قطاع كبير من التجمّع العربي-المسلم ذاته المعنوية ضمن الاشتراكية-الماركسية، وقد تمّ شحن الحشد العربي-المسلم بالشعارات العاطفية المحرّكة والمجيشة إلى أن استفاق على كذبة الشيوعية الكبرى، التي وعدت العمّال بجنة على الأرض مع انهيار الاتحاد السوفياتي ذاته، لتركن هي بالتالي إلى الفوضى، على الرغم من التنبيهات المتكررة التي أطلقها مالك بن نبي في أكثر من مقال في عز الصراع "البارد" بين السوفييت والغرب، حيث أنه أشار إلى انهيار الامبراطورية اللينينية كونها بدأت مع سبعينات القرن العشرين تفقد مبرراتها الوجودية.
بهذه الحركة العاطفية الشعبية كسبت السلطات العربية-المسلمة وقتا على مقاعدها، وخسرت الشعوب المستقلة حديثا زمنا ثمينا، بل الأسوأ من هذا، فإنّ العالم العربي-المسلم ركن إلى الفوضى عبر ركوده، ومحاولات تصحيح اتجاه بوصلته، فاقدا بذلك الشمال الحقيقي، إما بالتوجه نحو المستعمر التقليدي تحت عنوان "المصالحة التاريخية" أو نحو بلاد العم السام، والتي كانت قد حسمت أمرها بتدليل الابن غير الشرعي للامبراطورية البريطانية "إسرائيل".
تلعب الكتلة الغربية أمام العالم العربي-المسلم لعبة كثيرة الحركة، هي عملية الضغط النفسي الجماعي بشكل ملفت، عبر الاستناد إلى مرجعياتها الانثروبولوجية الدقيقة، ولنا في كلارك ويسلر وتايلر ودراسات أخرى الكثير من الأمثلة، حيث نجد بلادا مستقلة حديثا كالجزائر وبعد أكثر من خمسين سنة من الاستقلال لا تزال تطالب بالخرائط الخاصة بالمياه الجوفية الموجودة على ترابها من الاستعمار الفرنسي الذي خرج منها بعد فترة احتلال دامية.
التفوق العلمي للغرب والقوة التي تختفي خلف الاستراتيجيات المختلفة الخاصة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هي الورقة الحاسمة في هذه اللعبة المصيرية لمنطقة كثيرة الحساسية دينيا وقوميا، إثنيا وطائفيا، بل هي أكثر من ذلك وأكثر مما نتوقع بكثير؛ بحيث تبدأ تأثيرات كلمة "القابلية" من الذات الفردية للفرد العربي-المسلم، حيث فشلت هذه الشعوب في تحديد اتجاهها الثقافي-السياسي الجديد، وبتدمير البنى التي أشرتُ إليها سابقا، فإنّها بقيت أكثر وضوحا وأكثر تفتتا في انتظار دورها على لائحة الاختراق من طرف القوى العالمية وخاصة "الغرب" في صورة الولايات الأميركية المتحدة على العموم.
لم يكن الضعف العربي-المسلم في أيّ يوم من الأيام ضعفا في الموارد الطبيعية كانت أو البشرية منها، وإنما الضعف في كلّ من النفسيات المقهورة المهزوزة، تلك التي وصلت إلى مراحل متقدمة من أمراض كثيرة، لعلّ أبلغها وأكثرها خطورة هو: فقدان الثقة والأمل في النفس والمحيط، ذاك الذي حاصرته الطوباويات المحنطة من جهة، ودعاة المجون بلا أي قاعدة هادية من جهات أخرى، بشكل يجعل من الفرد أكثر ضياعا مما يمكن لأي منا أن يتخيّل.

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة