الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات مسيحي في رمضان ايام زمان

صباح ابراهيم

2016 / 6 / 24
المجتمع المدني


حكايات لذكريات لي في ايام المحبة والتآخي ...
كان شعب العراق قبل عام 2003 شعبا واحدا منسجما متحابا مترابطا و متآخيا بمسلميه و مسيحييه و صابئته و غيرهم . لم يكن احد يجروء ان يسال بسوء نية عن دين الاخر ان كان يشك من الاسم مثلا انه غير مسلم . كان المسلمون الطيبون يتعايشون مع اخوتهم المسيحيين في المحلة الواحدة متجاورين في البيوت والاحياء ، يتزاورون باستمرا عائليا بمحبة ، كنا في العمل و المصنع اخوة متحابين متعاونين ، نشترك معا في الآفراح والاعياد و نعيّد كل منا الاخر بالاعياد الدينية بالاحضان والقبلات الاخوية ، و نعزي الواحد للاخر في ايام الاحزان والمآتم . نزور المريض الراقد في المستشفى دون التفكير بأنه من دين آخر فهذا لا يهمنا ، بل الصداقة و الانسانية هي من اولوياتنا .
في يوم ما مرضت و رقدت في المستشفى لمدة 12 يوما ، زارني كل منتسبوا القسم من الاخوة المسلمين من زملاء العمل في المعمل ، وكل منهم يحمل الزهور اوالهدايا ، وامتلأت ردهة المستشفى بهم ، حتى تذمر الاطباء من كثرة الزائرين لي . لم يكن احد من اخواني المسلمين يعترض لماذا مسيحيا رئيسا او مديرا له .
اتذكر في ايام زمان مضى ( قبل 48 سنة ) اني عملتُ مهندسا لتصميم و تاسيس و نصب شبكات الكهرباء للقرى والارياف مندوبا عن وزارة البلديات في ناحية الكرمة جنوب الفلوجة قرب بغداد لمدة سنة واحدة ، وبعدها انتقلت لتاسيس شبكات كهربائية جديدة في قضاء حديثة و منطقة الوس التابعة لمحافظة الرمادي (الانبار) .
كنت الشخص المسيحي الوحيد الذي يخدم في تلك المنطقة من مدن العراق مع عمالي المسلمين الذين استأجرتهم بأحور يومية من اهل المنطقة لتنفيذ العمل . كانوا شبابا طيبين بأخلاقهم و سلوكهم ، كما كان كذلك اهل المنطقة من العشائر العربية الكريمة من اهالي الكرمة و قراها في الصبيحات والشهابي و غيرها من اروع ما رايت من ناس عرب اصلاء و كرماء .
تعود اهالي تلك المناطق العربية الا صيلة على استقبال المهندس المسيحي الذي جاء من بغداد ليؤسس قراهم بشبكات الكهرباء المحرومين منها من سنوات طويلة والمتلهفين لأنارة بيوتهم بالمصابيح بدلا الفوانيس . كانوا يستقبلوني في قراهم و بيوتهم و بالترحاب و الضيافة الكريمة التي تعكس اصالة وكرم العشائر العربية العراقية و حسن ضيافتهم للغريب . كان اهل القرية يعرفون اني اتأخر في العمل في مناطق سكناهم الى ما بعد العصر كي اسرّع في انجاز تمديد الشبكات الكهربائية باقرب وقت ليتمتعوا بمنافعها . فكان شيخ العشيرة او احد وجهاء القوم لكل منطقة اعمل فيها مع مجموعة العمال يتفق مع اهل القرية - من غير علمي - ان يقدموا لنا انا و عمالي الثلاثين فردا طعام الغذاء ظهرا لأننا جئنا من منطقة بعيدة واعتبرونا ضيوفا عليهم . وكان معظم اهل المنطقة ميسوري الحال ، و اصحاب اغنام و مزراع وبساتين البرتقال والنخيل المثمرة. كان ياتيني كل يوم صاحب اقرب دار يصادف عملنا بقربه ويقول لي : " استاذ غداكم اليوم عندي" .
كان كل صاحب دار قريب لعملنا ، يستضيفنا يوميا انا وعمالي بين العشرين الى الثلاثين فردا الذين بصحبتي بوليمة غذاء و يذبح خروف و يعملون الاكلة المشهورة عندهم بأسم ( دليمية ) اي خبز ثريد فوقه لحم طلي (خروف) مع الرز يقدمونها في صينية كبيرة يعلوها جزء من راس الخروف ويوزعون عدة صواني مع اللبن على مجاميع للعمال كل خمسة بصينية يجتمعون حولها في ديوانية او مضيف صاحب الدار واستمرت هذه الحالة طيلة فترة عملنا هناك .
مر علينا اثناء فترة العمل في قرى الصبيحات في ناحية الكرمة شهر رمضان المبارك . وكان كل المسلمين هناك يصومون رمضان بضمنهم العمال المحليين العاملين معي، وكلهم يعرفون ان مهندس الكهرباء العامل في خدمتهم لأيصال شبكة الكهرباء الوطنية لبيوتهم وقراهم هو مسيحي ولاشأن له بصيام رمضان المبارك .
كان اهل المنطقة والقرية يتوقفون عن ذبح الخراف لاطعامي و عمالي في رمضان لأنهم صائمون . ولكن كرمهم يابى عليهم ان يتركوني بلا غذاء وقت الظهر ولغاية الغروب حتى اصل لبيتي في بغداد مساء . فكانوا ومن غير علمي ايضا و بدون ان اوافق على تصرفهم ، يذبحون لي دجاجة و يطبخونها مشوية او مطبوخة مع الرز ويقدمونها لي بصحن خاص لي وحدي وقت الاستراحة بالرغم من اعتراضي المستمر على ذلك احتراما لمشاعرهم . ولكنهم يرفضون اعتراضي باصرار.
في وقت استراحة العمال من العمل ظهرا لمدة ساعة واحدة ينادينا صاحب الدار المضيف لنا ذلك اليوم ويدعوني للغداء في ديوانية داره الواسعة ، فيجلس هو و بقية العمال كلهم في محيط الديوانية وقد لفوا وجوههم باليشماغ ، صامتين جائعين ينظرون لي و انا آكل وحدي ، وكنت اشعر بحرج كبيرمن الاكل امام مجموعة من الاخوة الصائمين الجائعين . لم اشعر يوما لا بتلميح ولا بتصريح ان احدهم تذمر من هذه الحالة لأني اكل وهم صائمون . ولم يظهر على اي منهم ما يشعرني اني غريب عنهم ، كانوا يعتبروني كابن العشيرة وابن القرية و واحد منهم تماما ، وحبهم لي يزداد كل يوم .
في حكاية اخرى بنفس الضروف اتذكرها جيدا .
في احد الايام من مسيرة العمل التي عملت فيها بالقرية مع عمالي ، كنا منهمكين بالعمل ، ولم يستضيفنا احد في ذلك اليوم ، حيث كان صاحب الدار الذي نعمل بقربه في بغداد لأنجاز عمل ما . وعاد الى القرية عند انتهاء عملنا وقت الغروب و كنت منشغلا بدفع اجور العمال ، ركبت سيارة البيكب للعودة الى بغداد وانا متعبا دون ان انتبه لشئ . وسرت مسافة كيلومتر واحد ، فسمعت صوت مواء حمل صغير في مؤخرة السيارة البيكب . توقفت بالسيارة واذ بي اجد حملا صغيرا مربوطا في حوض السيارة ،استغربت من وجوده في سيارتي ، فعدت راجعا للقرية لأستفسر عمن وضع الخروف الصغير في سيارتي و نساه . فلم اجد احد فزمرت بمنبه السيارة في القرية ، فخرج صاحب الدار الذي كنا نعمل بقربه ، وسألته هل تعلم لمن هذا الخروف الصغير و من وضعه بسيارتي ونساه . فأبتسم الرجل وقال لي : لا تقلق انا من وضعته بسيارتك لتأخذه معك ليلعب معه ابنك الصغير ، لأنني لم اقم بواجب ضيافتك هذا اليوم لوجودي في بغداد ولم استطع ذبح الخروف لك ولعمالك كغذاء اليوم و اعتذر عن عدم الاستضافة في بيتي ...
هذا نموذج لشيم العرب الاصلاء و محبة اخوتنا المسلمين للمسيحيين في بلد الحضارات والتآخي في العراق لما قبل الغزو الامريكي والغزو الداعشي لوطننا الغالي بلد آشور و سنحاريب و حمو رابي و هارون الرشيد وعلي بن ابي طالب .
تذكرت هذه الحكايات وانا اقرأ مآسي اخواننا المسيحيين واليزيديين و السنة والشيعة في بلد يقاتل اليوم اكبر غزوة همجية لغلاة الارهاب والتدين الكاذب في بلاد الرافدين . و سياسيوا كل طائفة تطعن بالطائغة الاخرى والكل في ضياع .
اين انت يا عراق الامس حيث كل العراقيين اخوة لا يفرق بينهم دين ولا مذهب و لا طائفة ؟ واليوم ملايين العراقيين مهجرين ومهاجرين في داخل الوطن وخارجه هل تعود ايام المحبة والتآخي بين شعبك الواحد يا عراق الرافدين ؟
واحسرتاه على ايام زمان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - غريب , فمن أين أتاك كل هذا الحقد على الاسلام ؟
عبد الله اغونان ( 2016 / 6 / 24 - 17:46 )

عندما قرأت هذا المقال أعجبني لأنه المفروض وقوعه
أشك شكا أن المدعو صباح ابراهيم هو من كتب هذا المقال


2 - لم أقرأ لك أروع من هذا قبلا
طيف الماضي ( 2016 / 6 / 24 - 17:57 )
اتابعك منذ سنوات ودون ان أكتب تعليقا واحدا لك لكن هذه المرة أجبرت أن اشكرك على ذكرياتك الرائعة وبعيدا عن الملاسنات المقابلة بينكم وبينهم هنا في الحوار مع الجماعة !
تحياتي


3 - ربنا يصلح الحال
شعبان نحلة ابو قرصة ( 2016 / 6 / 24 - 20:18 )
وتعود المحبة بين الشعوب كلها خاصة في الشرق وعلى وجه الخصوص العراق العظيم


4 - عبد الله اغونان
صباح ابراهيم ( 2016 / 6 / 24 - 21:27 )
كل اناء ينضح بما فيه
واناءك مهما كان نظيفا من الخارج وبداخله ماء وسخ سيبقى ينضح ما فيه .
اما انا فلا احقد على مسلم وكلهم اخوتي ، ولكني انقد من يكفرني و يعتبرني كافرا يحلل الارهابي
دمي و مالي و عرضي لأني مسيحي فقط ومن اهل الكتاب السماوي . و لكوني غير مسلم ولا اؤمن بما يؤمن هو به ، ويعتبر كتابي المقدس محرفا .
انا بنقدي ادافع عن معتقدي امام الارهابيين و الاسلاميين الذين طردوا اهلي من ديارهم وهم شعب العراق الاصيل قبل دخول الاسلام وبدو الجزيرة الى العراق ، انا ابن اشور و حمو رابي ابن حضارات وادي الرافدين .
وانت ابن من يا من قدمت لبلدي غازيا ببعرانك و سيوفك لقتلي وسلب ممتلكاتي ؟


5 - الاخ طيف الماضي
صباح ابراهيم ( 2016 / 6 / 24 - 21:31 )
شكرا لتعليقك ومشاركتك في ابداء رايك بصراحة دون تشكيك كما فعل غيرك الذي لابد ان يدس السم بالعسل لأنها طبيعته التي جبل عليها .
ارحب بتعليقاتك مهما كانت و اشكرك لمتابعتك قراءة مقالاتي .


6 - هل حدث أن صارحت هؤلاء بانتقاداتك للاسلام ؟
عبد الله اغونان ( 2016 / 6 / 25 - 02:33 )

هذا هو السؤال
فلا شك في اعتبارك مسيحيا قد قام بينك وبين من تعمل لصالحهم حوار
ماهي تصريحاتك وماموقفهم منها ؟
اعلم أني دائما أحترم من لايدين بديني وأجادلهم بالتي هي أحسن الا الذين ظلموا منهم كما نصحتنا الاية وخصوصا المسيحيين ولم أقم قط بقتل ولم أدع قط الى قتل مخالف لي في الدين
وتعرف أن الفتنة العامة والتي اشترك في اذكائها أطراف داخلية وخارجية في اضطهاد الجميع
مسلمين وغير مسلمين وكثير يحاربونهم
فلا داعي لخلط الأمور


7 - االاخ عبد الله اغونان
صباح ابراهيم ( 2016 / 6 / 25 - 10:17 )
قبل دخول الفتنة و الغزو الامريكي لبلادي العراق وتشجيع الفتة والحرب الطائفية لم يكن احد من العراقيين يحقد على آخر بسبب دينه او مذهبه ، و لم يجروء احد على اظهار اي اختلاف عقائدي كلنا اخوة متحابيين و مترابطين يجمعنا حب الوطن الواحد .
لم نخض في نقاشات دينية سابقا وان حدثت فالكل متفهمم للاخر و ليس من ينتقد .

اتمنى ان تملأ المحبة قلبك و تكف عن محاربة من هو غير مسلم فكلنا اولاد اب واحد وام واحدة .
ادم وحواء ، يعني كلنا اخوة فلما يفرق انسانيتنا الدين والمذهب ؟


8 - في المغرب عندنا يجمعنا الدين والوطنية
عبد الله اغونان ( 2016 / 6 / 25 - 12:00 )

أثناء نقاشي مع بعض الاخوة دائما يلصقون بي الجنسية السعودية والمذهب الوهابي ان لم يتطرف بعضهم فيصنفوني داعشيا مع أني أكتب باسمي الحقيقي وأبين جنسيتي وهويتي العربية الأمازيغية والتي أحملها في اسمي شخصيا وعائليا لست في العيرولافي النفير فيما يقع في الشرق الأوسط
لم نعتد معرفة مسيحيين الا بعض الرهبان منذ عهد الاستعمار ومازالت منائسهم في الرباط والدار البيضاء محترمة لم تهاجم ولم تحرق قط
اليهود كانوا جالية كبيرة مواطنين نتعايش معهم وما أن تغولت اسرائيل حتى اختفوا ولم يبق منهم الا رموز ناذرة
لسنا في فتنة الشرق واحتضنا الاخوة السوريين بغض النظر عن دياناتهم
ومع ذلك فهناك تخطيط لتطبيق ما وقع في الشرق بالمغرب العربي الكبير اذ حرض الاستعمار أمازيغ خاصة في الجزائر والمغرب وتونس وحتى ليبيا على التمييز العنصري بل المطالبة بالاستقلال بل بعضهم مهاجمة العرب وحتى الدين والوطنية لديك هنا في الحوار المتمدن نماذج منها مثلاأحمد عصيد وكاتب اخر هوميس أومازيغ راجع موضوعاتهما هنا وتعليقاتي
ان مازوقع في الشرق يقترب هنا ويثار على الأقل في الحوار الحاد والمظاهرات واصطدامات
ان الفتنة هنا بالمغرب تموج

اخر الافلام

.. أردوغان يدين موجة العنف ضد اللاجئين السوريين ويلقي باللائمة


.. ألمانيا والسويد تعتقلان سوريين يشتبه بتورطهم بجرائم حرب




.. بريطانيا تحاول عرقلة عمل المحكمة الجنائية الدولية.. ما القصة


.. نقل أطفال مصابين في القصف الإسرائيلي على مدرسة النازحين في خ




.. In defence of free expression and peaceful assembly in solid