الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام دين الله وفطرته التي فطر الناس عليها [7]

محمد عبد المنعم عرفة

2016 / 6 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


6- الوحـدانيـة:
هي نفي الكمية المتصلة والمنفصلة، ونفي الشريك في الأفعال عموما، أو بعبارة أخرى: هي عدم التعدد في الذات والصفات والأفعال، فالله سبحانه وتعالى واحد في ذاته، واحد في صفاته، واحد في أفعاله.
قال الله تعالى مشيرا إلى تفرده سبحانه في الذات وعدم الشريك والمعين له سبحانه:(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُون).
وقال تعالى في بيان وحدانيته وتفرده سبحانه بالإيجاد مستدلا على ذلك بمصنوعاته ومخلوقاته: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًاأ َإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء َوَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرّوَ الْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
وقال تعالى في بيان وحدانيته تعالى في الذات والصفات والأفعال: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا)( ) وقال جل ثناؤه في بيان وحدانيته وصمدا نيته تعالى ونفى كونه والداً أو مولودا وتنزيهه عن المكافىء والمماثل: )قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌاللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْوَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد) وقال جل وعلا في نفى اتخاذه الولد والشريك وإقامة الدليل على ذلك: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) وقال جل شأنه ردا على بطلان دعوى من يقول بوجود آلهة غير الله تعالى:(قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا) وقال تعالى في عدم فلاح من أشرك مع الله تعالى غيره في العبادة: (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ).

هذه الدلائل نور مشرق، يمحق ظلمات الأوهام، وظلال الخيال الحاجبة عن مشاهدة غيب الوحدانية عن القلوب المطمئنة بذكر الله تعالى، والنفوس الساكنة إلى الله تعالى، ونار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة فتحرق رجس الشرك الخفي ورجز الشكوك والريَب، حتى تستعد النفوس للفلاح والفوز بمشاهدة أنوار وحدة واجب الوجود سبحانه، ومشاهدة أسرار حقيقته في الذات والصفات والأفعال، حتى يتجمل العبد بحق يقين أهل "لا حول ولا قوة إلا بالله"، ويكون من أهل عين يقين من شهدوا ملكوت ربهم في السموات والأرض، بقدر ما تفضل الله به على المسلمين من سر قوله تعالى: (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ) ونور قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِين) وليست الحَيْرةُ في دلائل الوحدانية لأنها جلية ناصعة بينة، وإنما حيرة المؤمن ودهشته في غرائب كمالات القدرة، وعجائب جمالات الحكمة، ومعانى صفات الربوبية.

التوحيد هو رأس المال:
رأس المال في الحقيقة إنما هو التوحيد، ومن لم يستنر قلبه بنور التوحيد حقا؛ ويتطهر من كل شوائب الشك والريْب، والحكم على الحق بما تقتضيه أحوال الخلق؛ كان قلبه خرباً من أنوار التوحيد مؤهلاً لنفثات الشيطان الرجيم، ومتى أشرقت شمس التوحيد في أفق لطائف القلب شهدت عين القلب أسرار ما في السموات والأرض، وشهدت ملكوت الرب سبحانه، وحكمة النبوات، وشهدت سر فضل القضاء، والجنة والنار، قال الله تعالى: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وقال سبحانه: (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ  لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ  ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ).

كل تلك المشاهد العليّة والمكاشفات الملكوتية نتيجة من نتائج نور التوحيد المشرق على القلب، وآيةٌ من آيات التنزيه المبينةِ لسُبُل الله تعالى، ومتى تجمل القلب بنور التوحيد أشرقت أنوار الحكمة والمعرفة على الجوارح المجتَرَحة والأعضاء العاملة، فنطق اللسان بالحكمة العالية، وشهدت عيون الرؤوس الآيات المنبلجة في الآثار، وصغت أُذُنا الرأس إلى نغمات تسبيح الأكوان، وشم الأنف شذا عبير نسيم الآيات، وبُسِطَت اليدان بالعمل في طاعة الله، وثبتت القدمان في مواطن البأس، إحياء لكلمة الله سبحانه وتجديد سنة رسول الله (ص وآله)، وحُفِظَت البطن من أن يصل إليها ما حرم الله تعالى، وحُفِظَ الفرج من معصية الله، فكان نور التوحيد في القلب حصنا حصينا من الوقوع في معصيته، وتلقى القلب بنور التوحيد عن الله ما به يكون هاديا مَهْدِياًّ راضيا مَرْضِياًّ.

هذه بعض نتائج التوحيد عن عين اليقين، فإذا بلغ التوحيد حق اليقين لا تفى العبارة بشرح حالة المتحقق بهذا المقام، وكيف تفي العبارة ببيان أحوال من رفع الله قدرهم، وقربهم منه سبحانه قربا حتى طُوِىَ سره عن العقول ؟ قال تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

ذنوب من كمل التوحيد في قلوبهم:
ولا تجد مسلما كَمُلَ التوحيدُ في قلبه يعمل صغائر الذنوب فضلا عن كبائرها، وإن وقعت منهم الذنوب فإنما تحصل منهم لا لأنها ذنوب قاموا بها مخالفة للحق، وإنما تحصل منهم لتأويل تأولوه اجتهادا منهم معتقدين أن عملهم هذا هو الحق، فيقعون في المعصية من حيث لا يعلمون أنها معصية، فإذا تذكروا أبصروا خطأهم فتابوا إلى الله وأنابوا إليه مسلمين، فقبل الله توبتهم، وإلا فهم ليسوا بمعصومين من الخطايا.
ومن هنا تفهم سر معصية أبينا آدم عليه السلام، فإنه ما ارتكب المعصية إلا متأولاً مجتهدا فغفر الله له وقَبِله، ولكن معصية إبليس كانت عن قصد، والمؤمن لا يقع في معصية الله إلا متأولاً أو فاقداً الإدراك، لأن كمال التوحيد يقتضي شهود الحق سبحانه، قال سبحانه وتعالى: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) فالتصديق بهذه الآية الشريفة يؤدي إلى العلم بأسرارها، والعلم بأسرارها يؤدي إلى مشاهدة أنوارها، ومشاهدة أنوارها حصن الله وحفظه لعبده، قال تعالى: (أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).

ميزان التوحيد:
إنما يوزن الرجال بميزان التوحيد، فمن رأيته متساهلا في دينه فاعلم أنه لم يبلغ من التوحيد درجة يحفظه الله بها، قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ).

هذا ما يمكن أن يسطر في مثل هذا المختصر ترويحا لأرواح الواصلين، وريحانا لنفوس السالكين، وزجرا لأهل الغواية المدعين، والله سبحانه وتعالى أسأل أن يمنحنا اليقين حتى نكون على كمال التوحيد والتنزيه والتجريد، إنه مجيب الدعاء، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فطرة إيه ياعمو ؟
س . السندي ( 2016 / 6 / 25 - 02:12 )
بداية تحياتي لك ياعزيزي وتعقيبي ؟

1: فطرة إيه ياعمو ، دي مش فطرة دي عشى ليلي ؟

2: ياعمو التوحيد له ألأف السنين والإسلام والمسلمين جاءو قبل يومين ، أليس جوهر اليهودية والمسيحية التوحيد ، الم يكن خلق ألله منذ أدم موحدين ؟

3: كيف يكون الاسلام دين فطرة وتوحيد ومحمد لم يترك لله حكم أو تَشريع إلا وأدخل نفسه فيه ؟

4: وأخيراً ...؟
بكل محبة أقول أنت لست بحاجة فقط إلى إعادة البصر والنظر في أفكارك وأراءك بل أكثر الى البصيرة فهى مفتاح الحقيقة ، سلام

اخر الافلام

.. -روح الروح- يهتم بإطعام القطط رغم النزوح والجوع


.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح




.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت


.. 81-Ali-Imran




.. 82-Ali-Imran