الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-بريك-إقزيت- عنوان مسرحية خروج شكسبير بوند من إتحاد أوربا

مزوار محمد سعيد

2016 / 6 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


علي أن أعترف بداية وأن أشيد بعبقرية الشعب البريطاني، وهو حقا لا يحتاج إلى إشادتي به، كون أنني أقوم بهذا من منطق "إنزال الناس منازلهم"، وهو لا يحتاجني كونه يملك صفحات واضحة من صفحات التاريخ القديم والحديث وحتى العصر الحالي؛ لقد تعلّم هذا الشعب كيف ينتزع مملكته الخاصة به، فكوّن ذاته بذاته، ثمّ عمد إلى محاربة الدانمارك والسويد واسكندنافيا الملكية آنذاك، من أجل اثبات وجوده، ولم يكتف بهذا فراح يتقاسم تركات الامبراطورية الرومانية مع فرنسا في آسيا وأفريقيا، بل توسع أكثر من روما في حدّ ذاتها ليصل إلى كل أماكن وصلتها أشعة الشمس، مقيما بذلك إمبراطورية هائلة، بعدها دخل الحروب، ولعلّ الحروب العالمية الأولى منها والثانية لدليل على قوة وجبروت لندن وقادتها.
بعد أيام قليلة من تصويت الشعب البريطاني بـ: نعم لخروجه من فضاء "شنغن" الإقتصادي والسياسي، حاولتُ البث في هذه الخطوة، وبينما أنا أستمع إلى تلك الآراء المتفائلة من "بوريس جون"، أكبر الداعمين لخروج بريطانيا هذا، والذي قاد الرأي العام البريطاني عبر حملة إنتخابية هوجاء تحت شعار "دعونا نستعيد السيطرة"، أيضا صادفتُ رأيا يقول: "بريطانيا لم تخسر الاتحاد الأوربي فقط، وإنما ستخسر وحدة أراضيها" في إشارة واضحة إلى مطالب اسكوتلاندا الانفصالية وأيرلاندا أيضا، وزياد على هذا جاء تصريح السيّد أوباما ليزيد من غموض المسألة بقوله: "على بريطانيا أن تقف من اليوم في آخر الطابور"، كونه يشير إلى أولوية كسب الاتحاد الأوربي على كسب بريطانيا في صلب الاستراتيجية الخارجية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية "فتاة الامبراطورية الاجغليزية المدللة".
في كتاب بعنوان: "تاريخ الاتحاد الأوربي" بمؤلفه: "جون لوساف" باللسان الفرنسي الصادر سنة 1965م بباريس وردت صرخة ويستن تشرشل الوزير الأوّل البريطاني الشهير قائلا: "إنهضي يا أوربا"؛ ولا يقف الكتاب عند هذا الحد بل يصف بالتفصيل ما حدث في إجتماع زيورخ سنة 1946م لرجال المال الأوربيين، وكيف حثهم تشرشل على الوحدة في خطاب شهير له أيضا دغدغ به مشاعر كل الأوربيين، لينطلقوا بعدها إلى الحلم الأوربي كل واحد في مجاله الثقافي وضمن قيم دولته يؤسس لمشروع أوربا الموحدة.
إذا أخذنا في الحسبان أنّ بريطانيا لم تصبح عضوا كاملا في مجلس الاتحاد الأوربي سوى في سبعينات القرن العشرين، بالاضافة إلى احتفاظها بعملتها الجنيه الاسترليني رافضة التعامل بعملة أوربا الموحدة اليورو، وأنّ بريطانيا اتبعت أوربا في بعض القرارات السياسية كقرار غزو العراق في ظل رفض أوربي بالاجماع، وسيطرة اللسان الانغليزي على مجالس وادارات الاتحاد الأوربي من برلمان ومفوضية، رغم وجود فرنسا وألمانيا فيه كركائز أساسية، وتحفيز الملكة على صفحات جريدة "(صن) الشمس" من أجل التصويت بـ: نعم للخروج من الاتحاد الأوربي، وبعد التصويت بنسبة تفوق الواحد والخمسين بالمائة بقليل على إنفصال لندن عن بروكسل تطالب هذه الأخيرة بتسريع خروجها تماما من الاتحاد، كونها تكون أولى الدول المنسحبة منه، رغم دعاء زعماء فرنسا وألمانيا بأن تكون الأخيرة أيضا.
لا يمكن أن ننسى بأن بريطانيا هي مهد الثورة الصناعية، وقطب سياحي وتجاري عملاق، مع تركة من التاريخ المجيد والعظمة الثقافية العالمية في الوجدان الانغليزي، كما حفاظها على نفوذ ثقافي هائل في كل من الولايات المتحدة الأميركية وجنوب أفريقيا، أستراليا وهونكونغ وبعض المواقع من جبل طارق وبعض الجزر في المحيط الأطلنطي القريبة من الأرجنتين، وهي لاعب أساسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تسيطر على أهم المعابر البحرية وتحمل بذور جبروت الإمبراطورية حتى إعلاميا وسنمائيا.
كل هذه العوامل تجعلنا نقف بشكل أمام حيرة كبيرة أمام هذه المملكة التي تدير العالم من خلف الستار، كثيرون ممن هم يعتبرون ضالعين في الشأن البريطاني، ويعيشون لسنوات على أرض لندن توقعوا غروب شمس الامبراطورية الانغليزية، و هذا الاستفتاء هو أولى خطوات ذلك، لكنني لا أرى ذلك ولو بغير حجج قائمة بذاتها، سوى شعور عميق يجعلني أقف بمهابة خاصة أمام إنجازات جامعات عريقة مثل أوكسفورد وكامبردج، فكيف لخريجي هذه الأصرحة العلمية الفكرية العتيقة أن يعبث بعقولهم سحر الواستمنيستر حتى يضيّعوا صهوة الامبراطورية!

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصامات الجامعات الأميركية وانعكاسها على الحملات الانتخابية


.. ترامب يكثف جهوده لتجاوز تحديات الانتخابات الرئاسية | #أميركا




.. دمار غزة بكاميرا موظفة في الا?ونروا


.. رئيس مجلس النواب الأمريكي يهدد بإسقاط التا?شيرة الا?مريكية ع




.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور