الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل العربي وحصار الدين والحاكم العربي

عبدالعزيز عبدالله القناعي

2016 / 6 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



يعيش الإنسان العربي اليوم او غالبيتهم ضمن مرجعية واحدة تشكل مجمل ثقافتهم وسلوكهم وأفكارهم دون المقدرة الاجتماعية او السياسية للخروج عن هذه المنظومة او نقدها وإصلاحها حتى تتواكب مع معطيات الواقع الراهن، فمن يحاصر الشعوب العربية اليوم ليس العلم ولا الفلسفة ولا مبادئ حقوق الانسان والقانون المدني، بل ما يحاصرهم هو النص الديني وفتاوى رجال الدين والحاكم العربي.
فالشعوب العربية، تاريخيا وسياسيا واجتماعيا، هي شعوب تم تدجينها وقولبتها فقهيا على الطاعة والخضوع والاستسلام حتى أصبحت سهلة الانقياد لمن يمثل الدين ويدعو الي تطبيق الشريعة وإقامة دولة الخلافة حتى لو تعارضت هذه الدعوة مع مواثيق حقوق الانسان وشروط الدولة الحديثة بما تمثله من ديمقراطية وعدالة اجتماعية ومساواة كاملة بين الرجال والنساء، ولعل ما نتعايش معه من ثورات وصراعات مذهبية سياسية في منطقتنا العربية ما هو الا مؤشر على المواجهة الحتمية بين معسكر الدين ومعسكر الحضارة الانسانية. فرفض غالبية الشعوب العربية لمسار الثورات العربية، بعد تأييدهم المطلق لها، انطلق من الخوف من التشدد الديني والإسلام السياسي بعد تجارب سابقة في إيران والسعودية وطالبان والقاعدة وداعش وحزب الله، وثورات مازالت مستمرة في سوريا ومصر وليبيا، بالإضافة الي تحولات العراق واليمن. إذن هناك اشكالية وخلل قد لازم استكمال تطلعات الشعوب العربية نحو الحريات والديمقراطية والكرامة الانسانية. فهل يمكن ان تكون الشعوب العربية غير ناضجة سياسيا واجتماعيا لحمل شعلة التغيير؟..أم أن اشكال وأنماط الدول العربية غير قادرة على التجاوب مع التطور الحضاري والتحول الديمقراطي؟..
لا يمكننا الإجابة بسهولة على هذه الأسئلة والإخفاقات المصيرية دون أن ندرك بنية العقل العربي ومسار التاريخ الإسلامي في تشكيل هويتنا الفكرية والثقافية والدينية. يقول الجابري في كتابه بنية العقل العربي: "العقل العربي" جملة المبادئ والقواعد التي تقدمها الثقافة العربية الإسلامية للمنتمين إليها كأساسٍ لاكتساب المعرفة، وتفرضها عليهم كـ “نظام معرفي"، أي كجملة من المفاهيم والإجراءات التي تعطي للمعرفة في فترةٍ تاريخيةٍ ما بنيتها اللاشعورية. وهذا يعني – برأيه – المطابقة بين بنية العقل العربي والثقافة العربية الإسلامية، بنيتها اللاشعورية، خلال فترة تاريخية معيّنة. وهو ما يحيلنا الي استنتاج ان النهضة لا يمكن انجازها دون استخدام العقل السليم العقلاني في رؤيته للواقع والمستقبل، والقطع مع الزمن الماضي بما يحمله من ثوابت ويقينيات مقدسة.
فالتاريخ الإسلامي وتدويناته المختلفة، في بداياته ومآلاته واستمراره، عاش ضمن رؤية ذات زمن واحد، زمن راكد، يعيشه الإنسان العربي اليوم مثل ما عاشه أجداده في الماضي الديني ولم يشعر الانسان العربي بأي اغتراب او دهشة أو حتى تساؤل لماذا يعيش هكذا او لماذا مازال الدين يشكل الثقل الأكبر رغم تجارب عقلانية عاشها اجداده في العصر العباسي وزمن ابن رشد وفلاسفة بيت الحكمة وعصر الترجمة او تجارب الثورة الفرنسية وعصر الأنوار ودخول الحداثة والتنوير الي الوطن العربي.
من هذا المنطلق وضمن فضاء الجمود والخوف والاستبداد بات العقل العربي ضائعا بين الذات والآخر، بين الأصالة والتقليد، وصار تائها في أزماته، والسؤال الذي طرحه ويطرحه الكثيرون، هل هناك أزمة دين، أم أزمة في الإبداع والحرية والتفكير؟.
الحقيقة أن الدين وأتباعه لم يتقدموا ليتحملوا مسؤولياتهم، ولم يأخذوا على عاتقهم مهمة تطوير الإبداع والفكر، بل ظلوا يختبئون وراء السماء، ووراء المعجزات، ووراء الرموز المقدسة، مما ساهم في تعميق التراجع الحضاري وانحطاط الأخلاق والقيم الانسانية. كما أن غياب التفلسف وجدل الفكر وفتح باب السؤال، وتحريم الابداع والتعايش والتعددية، وانتشار ثقافة القطيع المؤمن، وانتهاك كرامة الإنسان العربي، وتخلف العرب عن العلم والصناعة والانتاج والتعليم العلماني، واكتفاءهم بدور المستهلك والرعية ، ساهم أيضا في جمود النقد الفكري وتوقف المثقفين عن مواجهة ثوابت الدين، فتعمقت الأزمة، وتراجع العلم والفلسفة، امام تقدم التشدد والأصولية وتطبيقات الإسلام المنتشرة على طول وعرض الوطن العربي. ولم يغب عن هذا المشهد التعيس دور الأنظمة العربية في صناعة ثقافة هزيلة تؤيد وتعضد الجهل والرثاثة وتعمق البعد الانساني عن حضارة اليوم ومبادئها الكونية. فالحاكم العربي في النهاية هو جزء من بنية عقلية عربية، ولم يكونوا جزيرة معزولة، أو نبتا شيطانيا، لكنهم يتحملون المسؤولية، كونهم الجزء المسؤول عن حماية شكل الدولة وآلياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية المسؤولة عن التطور.
لقد ساهمت مفاهيم جديدة في تأطير العقل العربي بمقدسات جديدة أصبح نقدها او تفكيكها ضربا من المستحيل ويواجه من يحاكمها شتى صنوف الإيذاء النفسي والجسدي، ومن هذه المفاهيم حرمة النقد الديني بوجه عام وتجاه نقد المسلمات الدينية بوجه خاص، بل أحياناً يتم النظر إلى النقد بصفته عملاً تخريبياً وهداماً، وضيق الصدر بالنقد حينما يجتمع مع تقلص التعايش والتعددية، واتسام التفكير بالشخصانية مع النظرة الضيقة للآخرين بصفتهم معنا أو ضدنا مما يضع مستقبلنا في خطر داهم بالتأكيد. كما اصبحت ظاهرة قبول الآخرين المختلفين معنا في الدين والعرق والعادات والمقدسات والتقاليد ظاهرة تخالف أصل الدين وسيرة السلف الصالح، انطلاقا من مبدأ الولاء والبراء، بينما تعد نفس هذه الظاهرة ظاهرة ثقافية عقلانية تنتشر في المجتمعات المتقدمة التي تشبعت بالتعليم العلماني الجيد والثقافة الملائمة للعصر الحديث، أما المناخ الثقافي لدينا فهو مشحون بالعديد من القيم التي تقسم الناس إلى “نحن” و “هم”، وفي نفس الوقت تجعل “نحن” في طريق الصواب أي الجنة دائماً و “هم” في طريق الخطأ دائماً أي في النار.
ان التحول الكامل الي المدنية بما تمثله من تواجد العلمانية والديمقراطية بأشكالهما الكاملة، لا يمكن ان يكون عبر التجزئة السياسية او الاجتماعية، فالصراع او تواجد الدين بشكل فاعل، يمنع هذا التحول بل يحارب اي تمظهر حداثي ينال من منظومة الدين والفقه، مما ينقلنا بالتالي الي ضرورة تغيير الشعارات الحالية من المناداة بالحرية والكرامة والديمقراطية الي رفع شعارات العلمانية وإعادة الدين الي المعبد بشكل عاجل له الأولوية القصوى في الانتقال الي المجتمعات الحديثة، وهذه الدعوة، ليست للانقلاب على الهوية الدينية بقدر ماهي حصر الدين في اطاره الصحيح وخلق مسار حداثي يعتمد منهج التنوير والفلسفة كإطار فكري تعليمي في المجتمعات العربية، ولن يكون هذا الأمر بعيدا عن مواجهة الأنظمة وكهنة الدين بما يحملونه من تعاليم استبدادية، فالحرية كما يقال لا تأتي بلا ثمن.
اننا بحاجة اليوم الي استنهاض المثقفين والطبقة الوسطي من المجتمعات العربية لتطوير ادوات المعرفة في الثقافة العربية، وتحطيم انماط النقل والتقليد والعنعنة، واستبدالها، عبر تفعيل مؤسسات المجتمع المدني وتقوية التيارات العلمانية الوطنية، بأدوات التفكير والنقد والسؤال. فإزاء ازمة الدين وجمود التفكير والابداع وهيمنة الحكام العرب، لا مناص من القطيعة مع التراث الاسلامي، واعتناق مفهوم العقل الحديث، باعتباره عقل الفعل والرأي والانتاج، الذي نحتاجه كي نصبح شعوبا تتعايش مع الآخر المختلف، وشعوبا ترى الحاضر بعيون واقعية وترنو الي المستقبل باستشراف علمي. وحتى نتدارك التأخر التاريخي الذي نعانيه اليوم، علينا استدعاء العقلانية النقدية، كشرط لإطلاق دينامية إبستيمولوجية وثقافية، منتجة للحداثة في المجالات المختلفة، وأي سعي للتحديث خارج هذه القاعدة او استحضار مقولات الإصلاح والتجديد الديني هو ضرب من ضروب العبث، ومضيعة للوقت والجهد وتآكل لجهود التنوير.

د. عبدالعزيز عبدالله القناعي
[email protected]
كاتب صحفي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لاعلاقة للدين بكل ما ورد في مقالك
عبد الحكيم عثمان ( 2016 / 6 / 26 - 13:12 )
الاخ عبد العزيز محاولات تحميل الدين الاسلامي سبب نكوص العرب وتخلفهم تصطدم بجدار الواقع
لماذا:
الدين لايتعارض مع التعليم ولا يتعارض مع الزراعة ولامع الصناعة لذا تجد في البلاد العربية مراحل التعليم من ادناها الى اعلاها والوارد الثاني للدول العربية الزراعة والتي ليس لديها معادن كالبترول فواردها الاول الزراعة والصناعة حدث ولاحرج الدين يقاوم ويرفض الاباحية بكل اشكلها
قد يكون سبب تخلف البلدان العربية حكامها لانهم حكام لايحملون اي مؤهل علمي فكيف يقبل ان يكون المواطن اعلى منه مؤهلا عليميا-غير انهم عملاء وبالمطلق نعم انا من اصحاب نظرية المؤامرة
عدم استقرا الحكم هو سبب ايضا من اسباب التخلف
حيتنان الصناعة العالمية ايضا سبب من اسباب التخلف فهم بحاجة الى سوق وافضل الاسواق الاسواق العربية


2 - Jalal Mejahdi
عبدالعزيز القناعي ( 2016 / 6 / 26 - 16:33 )
عزيزي جلال

سنبقى كذلك هو التعبير النظري ولكنه ليس الواقعي..لماذا ذلك..لأن الشعوب العربية لم تقل كلمتها الأخيرة، صحيح انهم يرون ما يراه كهنة الدين، ولكن ذلك لن يبقى طويلا فصيرورة التاريخ تشهد دائما إما ثورة الشعوب او اندثارها، وماهو موجود على الساحة اليوم مؤشر ولو بسيط على الثورة.

تحياتي لك


3 - الي السيد عبدالحكيم عثمان
عبدالعزيز القناعي ( 2016 / 6 / 26 - 16:39 )
تحياتي

اتفق معك بأن الدين لا يتعارض مع ما ذكرت ولكن بشرط واحد ووحيد وهو أن يبقى الدين في حدود المعبد ولا يتجاوز دوره كفكرة واعتقاد شخصي له مكانته الروحية.. ولكن، وكما نشاهد اليوم، فإنه اصبح يشكل تهديدا وخطرا على الانسان والمجتمع لما يمارسه من تدخلات فقهية وشرعية وسلطوية في تحديد حرية الانسان والمجتمع وهو ما يتعارض مع منظومة حقوق الانسان، فالتعليم اصبح يقوم على النقل والعنعنة وليس التفكير والسؤال، والصناعة والتجارة اصبحت ذات صبغة اسلامية حتى تمشي البضائع.. الحاكم العربي مسؤول بدرجة كبيرة ولكنه لم يكن كذلك إلا لأن الدين قد اعطاه صك البقاء والهيمنة والاستمرار في قمع الشعوب وإذلالها.

الدين عبادة فقط ولا يمكن ان يكون دولة وقانون ابدا ابدا، فهكذا تحدثت صيرورة التاريخ، وهكذا تقدمت الأمم المحترمة.

شكرا على مرورك والتعليق

تحياتي


4 - لايحق لك التعميم
عبد الحكيم عثمان ( 2016 / 6 / 26 - 22:20 )
استاذ عبد العزيز
بخصوص التجارة والدين الاستناد في الدين يختص فقط بالمأكولات والمشروبات التي فيها تحريم- اما باقي التجارة فالصيني غازي الاسواق العربية والصناعة الاجنبية والمواطن المسلم يشتريها ولاتعتمد هذه المنتوجات على الدين في ترويجها
انت اخذت نموذجين او ثلاث لدول تعتمد الاسلام كتشريع ومنها السعودية او ايران ولكن الاردن او تونس او المغرب او الكويت ومصر والامثلة كثيرة لايتدخل الدين في رسم سياسة الدولة وعلية بنائك رؤية فكري على نماذج محدودة وتعميمها على كل الدول العربية او الاسلامية لايجوز وغير مقبول اما عبارة الاسلام مصدر التشريع التي تتضمنها بعض الدساتير في الدول العربية او الاسلامية هو نص ترضية لااكثر-
لك التحية


5 - الي السيد عبدالحكيم عثمان
عبدالعزيز عبدالله القناعي ( 2016 / 6 / 27 - 09:07 )
بعد التحية

التعميم على الأغلبية وليس على الكل.

باستطاعتك ان تلمس الفرق في البضائع من خلال كلمة حلال حتى تجد رواجا لإحداها وكسادا لمن تحمل شعار حرام.. بالتأكيد ليست كل البضائع ولكن ما يحرك المسلم او غالبيتهم هو هوس الدين في رؤيته لكل شيء.

عزيزي الدين في الوطن العربي يتدخل في طريقة دخولك الي الحمام وحتى موتك وسكونك في القبر، وعبارة الاسلام مصدر التشريع ليست للترضية ولكنها سيفا مسلطا على كل من ينتقد الدين او الحاكم وابسط الاشياء هو المجاهرة بالافطار في نهار رمضان حيث يتم معاقبة المفطر بالعقوبات القاسية استنادا الي التشريع الاسلامي.

عزيزي الدين ليس مجاله الدولة والقانون والتشريع لانه لا يستطيع ان يكون تشريعا عادلا وليس هذا دوره او سبب وجوده.

تحياتي


6 - الدين ينظم ولايفرض
عبد الحكيم عثمان ( 2016 / 6 / 27 - 12:14 )
اين هي الاغلبية التي صرعتنا بها التي تلزم بما امرها به الدين نعم اللحوم يحسم تداولها شعار ذبحت على الطريقة الاسلامية- الثلاجةو والغسالة والطباخ الايركولر والسيارة والاثاث الخشبي والاثات المعدني والاحذية والملابس والسيارت يتدخل فيها الدين ويؤثر على رواجها-على مهلك شوية
الحاكم لايحتاج الى تبريرات كي يضطهد شعبه اما المجاهرة بالافطار حالها حل من لايضع حزام الامان عندما يقود المركبة وحال من لايلتزم بأشارة المرور-على مهلك شويه اين هي العقوبات القاسية لمن يجاهر بالافطار لاتجاهر بالافطار لاتعاقب لاتسرق لاتقطع يدك لاتزني لاتجلد او لاترجم-حرامي لاتصير من السلطان لاتخاف اما حضرتك تريدها تيهانة-على مهلك شوية- لااحد يرقبني في دخولي للحمام الا الله ,انتقد الدين ولاكن لاتشتم ولاتسهزئ ولاتعادي الدين- لااحد يقرب صوبك
الدين جاء لينظم- ماعليك بالسلفية فهي دين يهودي لااكثر-هدفة شق وحدة المسلمين المجتمعية وتنفير الناس من الدين الاسلامي لصالح اسرائيل ولصالح الاستعمار الذي انشئها- وهم ليسوا اغلبية- ولولا تمسك حكام السعودية به لأاتنهى من زمان- وسيضمر هذا المذهب ويذوي ويصبح اثر بعد عين--

اخر الافلام

.. المسيحيون في غزة يحضرون قداس أحد الشعانين في كنيسة القديس بو


.. شاهد: عائلات يهودية تتفقد حطام صاروخ إيراني تم اعتراضه في مد




.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ