الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيكولوجية الصائم

أحمد عصيد

2016 / 6 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اتجه النقاش في المغرب حول حق الأفراد في الأكل في الفضاء العمومي خلال رمضان اتجاهات متفرقة، بعضها ركز على الجانب القانوني، وتحديدا الفصل 222 من القانون الجنائي المجرم لما سمي بـ "الإفطار العلني " في رمضان، والبعض اتجه توجها حقوقيا بالتركيز على وضعية الحريات الفردية في المجتمع المغربي، والبعض اتجه إلى الدفاع عن الوضع كما هو عليه خشية أن يقع أي تغيير يعصف بوصايتهم على المجتمع، لكن هؤلاء و أولائك لم ينتبهوا إلى الجانب الأكثر أهمية، وهو الجانب المتعلق بثقافة الأفراد وسلوكاتهم، وما ترعاه السلطة على أنه "طبيعة المجتمع".
فالمطروح للنقاش ليس هو فقط ما إذا كان من حق الناس أن يأكلوا إذا كانوا على دين آخر غير دين الأغلبية، أو إن كانوا غير مؤمنين بالمرّة، فهذا حق لا نقاش فيه لأنه محسوم دينيا وحقوقيا، (وإن كانت السلطة تتحايل عليه باعتبار جميع المغاربة مسلمين رغم أنوفهم منذ الولادة)، وإنما المطروح للنقاش هو عنف المجتمع والأفراد الذي يصل إلى درجة وحشية غير مبررة على الإطلاق، والتي تشير إلى درجة كبيرة من التخلف والاضطراب القيمي، وهو ما يقدمه التيار المحافظ على أنه من تقاليد "الجماعة" ومظاهر سلطتها القهرية، ويظهر ذلك العنف كما لو أنه من "طبيعة المجتمع" وضمن "ثوابته العريقة"، وهو نفس موقف السلطات التي تتواطأ مع أصحاب السلوكات العنيفة، فتعاقب الأشخاص ضحايا العنف المطالبين بالحرية كما هي متعارف عليها في المرجعية التي تتبناها الدولة، عوض معاقبة مرتكبي الاعتداء المادي المباشر، والذي لا موجب له ما دام يتعلق بموضوع المعتقد الذي لا إكراه فيه، وبشعيرة دينية لا يحقّ لأحد فرضها على الجميع بدون مراعاة الاختلاف في الدين أو العقيدة والضمير.
يدفعنا هذا إلى مناقشة المسكوت عنه في هذا الموضوع، وهو سيكولوجية الصائم واعتقاده وطريقة أدائه لشعيرة الصيام ونظرته إلى غيره ممن يخالفه في اختياراته، لنكتشف أنّ أصل المشكل في النهاية لا علاقة له بالدين في حدّ ذاته، بقدر ما يتعلق بالصراع على الأسس التي ينبغي أن يقوم عليها النظام العام، هذا النظام الذي من المفروض أن يقوم على قوانين محايدة في موضوع المعتقد، ما دمنا في نموذج الدولة الحديثة الذي تبنيناه بعد أن غادرنا منذ عقود طويلة نموذج الدولة الدينية القديم.
يعتبر الصائم أن شعيرة الصيام هي الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهي عبادة يؤديها لله لا للبشر، ويروم بها الثواب وحسن المآل في الآخرة أي بعد الحياة الدنيا.
لا يوجد في هذه الشعيرة ما يفرض على المسلم الفرد أن يكون مسؤولا عن صيام الآخرين، كما لا يدعوه الدين إلى مراقبة غيره أو الانتقام منه.
عندما نعتمد مبدأ الإيمان باعتباره اختيارا فرديا حرا وعاقلاّ، فإن اعتداء الصائم على غيره يبدو غريبا لا يقبله منطق الإيمان نفسه، لأن الصائم الذي يتمتع بطمأنينة اليقين عندما يشاهد شخصا آخر وهو يأكل، لا بدّ أن يشعر بالشفقة عليه فيقول بينه وبين نفسه إن ذلك المواطن سيحرم نفسه من نعمة الصيام ومن الجزاء الأخروي، وآخر ما يمكن توقعه هو أن يقوم الصائم بمهاجمة غيره بطريقة همجية، حيث يعدّ ذلك أمرا منافيا ليقين الإيمان وبعيدا عن مقتضاه، تماما كما يحدث في المجتمعات الغربية حيث قد يشاهد المسلم الصائم غيره وهو يأكل فيمضي في طريقه غير عابئ بذلك، مع العلم أن من بين هؤلاء الآكلين من يمكن أن "يعتبر مسلما" بالنظر إلى سحنته أو محياه أو تقاسيم وجهه.
إن عنف الصائمين إذا وتهوّرهم وسلوكهم الخارج عن طور العقل لا يمكن أن يُسند إلى الدين أو إلى دواعي الإيمان، بل هو سلوك يعود إلى عوامل نفسية واجتماعية وسياسية محضة، نوردها فيما يلي:
ـ إن أول سبب يبرر اعتداء الصائم على من يخالفه قناعاته هو وجود قانون يبرر معاقبة من يأكل في الفضاء العام، حيث يعتبر المواطن الصائم نفسه مخبرا لدى الأجهزة الأمنية ومكلفا بمراقبة الأفراد في محيطه، بينما لا أحد في الواقع أسند له ذلك الدور الغريب.
ـ السبب الثاني هو الغيرة النفسية التي تجعل الصائم لا يقبل أن يبقى ممتنعا عن الأكل في حين يسمح غيره لنفسه بذلك بدون رادع، وبما أنه لا يستطيع أن يضع حدا لصيامه ليلتحق بكوكبة "المفطرين" لأن ذلك يحدث اضطرابا في نظامه العقدي، فإنه يفضل التدخل السلطوي العنيف لضبط سلوك غيره وإرجاعه إلى القطيع، باعتباره "مستفزا لمشاعر الصائمين".. إنه نوع من الشعور بالغبن له صلة بالمثل القائل إن المعاناة إذا عمّت هانت، فالصيام يصبح أقل ثقلا وصعوبة عندما يكون طقسا جماعيا ونظاما قهريا يخضع له الجميع.
ـ السبب الثالث هو أن الدين الذي يتم استعماله بإفراط من طرف السلطة في المجال السياسي سرعان ما يتحول إلى نظام عام عوض أن يظلّ في حدود الاختيار الشخصي، والمشكل هنا يتمثل في أن ما ينبغي أن يكون نظاما عاما لا يجب أن يدخل ضمن المعتقدات التي يختلف فيها الأشخاص، لأن النظام العام إنما يُبنى على قوانين محايدة تجاه العرق أو اللون أو العقيدة أو اللسان، وإلا صار مدعاة لمظالم لا حصر لها، وهذا ما يفسر مفهوم الحرية في المرجعية الدولية لحقوق الإنسان، المفهوم الذي ما زال التيار المحافظ يجد صعوبة كبيرة في استيعابه.
ـ السبب الرابع في عنف الصائمين هو اعتبارهم من يأكل في الفضاء العام مستهينا بعقيدتهم التي يرون أن على الجميع احترامها، وهم بذلك يقعون في خلط كبير بين احترام المعتقدات وبين ممارستها، فاحترام دين معين لا يفرض على الجميع ممارسته طقوسيا وشعائريا، لأن ذلك من اختصاص المؤمنين به الممارسين له. وعدم القيام بشعيرة الصيام من طرف من ليس مقتنعا بها لا يعني أنه لا يحترم الدين، لان احترام الدين إنما يكون باحترام الممارسين له في أداء شعائرهم الدينية بعدم التضييق عليهم أو منعهم أو السخرية منهم. وهذه الأمور كلها لا تفرض على من يحترم الإسلام أن يصوم رغما عنه لإثبات ذلك.
ـ السبب الخامس هو عدم استيعاب الصائمين لمعنى الفضاء العام في الدولة الحديثة، حيث يعتقدون أن الفضاء العام هو للمسلمين فقط، باعتبارهم "جماعة" مغلقة منسجمة مع ذاتها، بينما يرون أن غيرهم محكوم عليه بأن يتوارى عن الأنظار، وهذا ما يفسر قول بعض السياسيين من التيار المحافظ إنه يقبل أن يعتنق مواطن مغربي دينا آخر شرط أن يمارس شعائره في بيته.
ـ السبب السادس هو العطب الكامن في النظام التربوي المغربي، والذي يتمثل في تدريس الدين الإسلامي عبر تقسيم الناس إلى "مؤمن" و"كافر"، فيتم التأكيد على أفضلية الأول على الثاني، وعلى قبح الثاني وضرورة رفضه ونبذه.
كل هذه الأمور ـ أو بعضها على الأقل ـ تنبه إليها على ما يبدو الدكتور أحمد الريسوني بعد أن قاده ذكاؤه إلى أنه لا سبيل إلى فرض المعتقدات على الناس ومعاقبتهم على عدم أدائهم لها إذا لم يتوفر شرط الإيمان والتصديق، بينما لم يوفق الدكتور سعيد شبار في الاهتداء إلى هذه الفكرة رغم وضوحها، حيث في مقاله الذي نشره مؤخرا زاد الطين بلة، وأوقع نفسه في تناقضات لا مخرج منها، فضاع بين نسقين من المفاهيم لا يمكن الجمع بينهما، مفاهيم المواطنة والفرد والحرية والمساواة، ومعجم التكليف والتكريم والتقوى والجماعة. كما اعتقد أن تاريخ المغرب قالب من الثوابت النهائية الذي يفرض نمطا جامدا من التدين، والحقيقة أن للمغرب تاريخ بلا شك، لكن هذا التاريخ ليس صندوقا مغلقا أو دائرة مقفلة، بل هو صيرورة تسير في اتجاه تصاعدي تطوري لا ينتبه إليه الفقهاء، لأن هدفهم الحفاظ على ما هو موجود، حتى ولو كان من مظاهر التخلف وأسبابه الكبرى.
غير أن فكرة الدكتور الريسوني تحلّ إشكال القانون الجنائي وتدخّل الدولة، لكنها لا تحلّ موضوع تدخل المجتمع وعنف الصائمين، حيث يحيل من يأكل في رمضان على المجتمع، دون أن يطرح السؤال من أين جاءت ذهنية الشارع ومن يؤطر المجتمع، وهل السلوكات التي يعبر عنها المجتمع من مظاهر الرقيّ والنهضة الحضارية أم هي علامات على الأزمة والتدهور والانحطاط ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الصيام ايمان واعتقاد والافطار العلني استفزاز
عبد الله اغونان ( 2016 / 6 / 28 - 00:53 )
الصوم ركن من أركان الاسلام
والغالبية الغظمى يصومون يدل على ذلك مظاهر الصوم والصلاة
لأحد يفرض الصوم على غير المقتنع به
لكن يستهجن الافكار العلني فمن شاء الافكار ليفطر دون استعراض
والا حتى في عدم وجود قانون عقاب المنتهكين للصوم علانية فمن يضمن قيام أفراد بمعاقبتهم
هناك أفراد كثر يصومون تطوعا الاثنين والخميس وغيرها من الأيام ومما يدل على ذلك استفتاء الفقهاء في من أفطر لعذر شرعي سفر مرض حيض بل الأطفال الصغار يصومون
حتى في جوهر الدين لايقتصر الصيام على الامتناع عن الأكل والشرب والجماع
في الحديث الشريف
من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حلجة أن يضع طعامه وشرابه
كم صائم ليس له من صيامه الا الجوع والعطش
التظاهر بالافطار عن قصد سلوك استفزازي يقتضي الانكار فان قامت السلكة بواجبها فذاك والا حق لكل مسلم تغيير المنكر بيده ولسانه وقلمه وقلبه


2 - المسلمون
بلبل ( 2016 / 6 / 28 - 01:52 )
المسلمون بصفة عامة هم دواعش فالسيحيين او اليهود لا يهمهم من يفطر وهم صائمون اما الوس ليمون يعتبرون ذلك استفزاز لمشاعرهم وكانهم وحدهم من لهم مشاعر لا تتحمل الاستفزاز فالمفطر ايضا له مشاعر يريد ان يفطر بكل حرية لان ذلك لا يؤدي احد يريد ان يذهب الى جهنم فدعوه وما اختاره لانه يدعكم وما اخترتم ايها الاغبياء جل الصائمين لا يصلون رغم ان الصلاة عماد الدين كما قال صلعمهم ولا احد يقول لك انك تستفز مشاعري بعدم صلاتك المسلمون يصومون لكنهم يكذبون يسرقون يغشون يزنون بنظراتهم يتسابون يتباغضون لا يحترمون بعضهم البعض اكبر منافقين هم المسلمون ان لم يكونوا قاطبة فجلهم


3 - تغلغل الاسلام
على سالم ( 2016 / 6 / 28 - 18:28 )
الوضع عامه لايبشر بخير ابدا نظرا لااستفحال وبلطجه شريعه الاسلام فى كل شئ , الذى يساعد هذا بدون شك هو الاراده السياسيه الفاسده المتواطئه مع تيار المشايخ المجرم المتعصب , لقد كنت استعجب مرارا من الملوك العرب الكذبه عن انتسابهم جميعا الى محمد رسول الاسلام , كيف يتم هذا الكذب والتدليس المقزز ؟ كيف لملوك المغرب جميعا التجرؤ والكذب العلنى بأنهم ينتموا الى هذا الذى يدعى محمد , كيف يصل الفجر والاستعباط لهذه الدرجه , كيف لهؤلاء الملوك الافاقين الكذبه ان يثبتوا هذه الاكاذيب والافتراءات , السر واضح انهم جميعا يريدوا ان يكتسبوا قدسيه اسلاميه بأنتسابهم الى محمد حتى لايجرؤ احد على نشر فضائحهم وفسادهم وعهرهم وسرقاتهم وذلك بالالتحاف بنسب محمد , تبا لكم ايها المجرمون


4 - علي سالم
بلبل ( 2016 / 6 / 29 - 00:54 )
انك تغرد خارج السرب الملوك وحكام المسلمون عامة لو ان احدهم تجرء وطعن في الدين الاسلامي لقتلوه شر قتلة الشعوب هي التي يجب ان تتحرر من الخرافة وتلقائيا سيتحرر الحكام فها انت ترى لما يفطر انسان علانية يتعرض للضرب بل القتل من طرف المجتمع المتزمت انت فقط متحامل


5 - الفرق بين الإيمان والإسلام
تونسي من تامزغا ( 2016 / 7 / 3 - 23:00 )
بقطع النظر عن أصول الصوم في الإسلام وتاريخيته, الحقيقة واضحة في النصوص:حديث الإيمان مثلا يفرق بين الإيمان والإسلام:الإيمان هو الباطن والإسلام هو الظاهر،بمعنى لا يهمنا أصلا إن كنت مصدقا بوجود إله وبنبوة محمد أي الإيمان المهم الذي يظهر للناس ويظهرنا جماعة قل الشهادتين صلي وأعطنا الفلوس وصوم وإذا إستطعت حج وجيبلنا الفلوس أيضا وهذا هو الإسلام: أظف إلى ذلك أي الخمسة أركان الركن السادس الأهم من الخمسة أي تعالى معنا نسرق الناس ونفتك نساءهم ونستعمر بلدانهم(الجهاد) والكل بإسم الإسلام موش الإيمان:القصة واضحة شوية مظاهر وطقوس نصنع بها جماعة لنستعمر البلدان وسلملي ع الإيمان والروحانيات التي تسوق للعوام المساكين المؤمنين بإسلام لم يوجد قط.


6 - تامزغا الأوهاااااااااااااااااااام
عبد الله اغونان ( 2016 / 7 / 5 - 21:39 )
المتطرفون العرقيون العنصريون يحلمون بامبراطورية تامزغا العنصرية العرقية

دعوووووووووووووووووووهم في الخيال والخبال

اخر الافلام

.. رغم تضييقات الاحتلال.. فلسطينيون يؤدون صلاة عيد الأضحى في ال


.. دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس تعلن عن تأدية 40 ألف فلسطيني




.. خطيب المسجد الحرام: فرحة العيد لا تنسي المسلمين مآسي ما يتعر


.. مراسل العربية أسامة القاسم: نحو 1.5 مليون مليون حاج يصلون إل




.. مبعدون عن المسجد الأقصى يؤدون صلاتهم عند باب الأسباط