الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فشلنا في تربية الذكور والاناث

لينا جزراوي

2016 / 6 / 28
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


فشلنا في تربية الذكور والاناث

كانت تهرول مُسرِعة وهي مُتلحّفة بطبقات من القماش السميك تُخفي بِها معالِم جسدها ، تُحني صدرها خجِلة من معالم انوثتها ، تحاوِل الهرب من نظرات وخطوات رجل تلاحقها ، تبحث عن زاوية تذوي خلفها لتختفي وكأنها لم تكُن . وهو يسيرمنتفِخا كطاووس، رافعا شعره كمن مسّه تيار كهربائي ، ومحررا جسده من الأزرار الأولى لقميصه ، فخور بما يظهر من معالم رجولته ، يتلفِّت حوله ليلتقِط ملامح امرأة ، يُسقِط عليها َكبتِه وتعجرفه بتعليقات ونظرات وقِحة، فهذا السلوك في عُرفِه من معالِم اثبات تفوقه على الجنس الآخر، الجنس الأنثوي الضعيف .
وفي مكان آخر، مجموعة من الشباب ُمتمركزين في زوايا الحارات ، وعلى جنبات الطرقات ، يهللون ويتسكعون ويقهقهون بمنتهى الثقة ، متجاوزين كل أخلاقيات الجيرة وآداب الشارع ، يتطاولون على البنات بكل ثقة ، ودون أدنى احساس بتأنيب الضمير ، في الوقت الذي لا تتجرأ فيه فتاة في بعض المناطِق المحافِظة ،على الظهور على شرفة منزلها دون اذن ، ودون غطاء ، فمن أين أتت ثقة الذكورهذه ، وضعف البنات هذا !!!!! و مع أننا نُمجّد الذكورة على حساب الأنوثة ، ونعتبرها رمزا للقوة والصلابة والذكاء ، وأمام سيادة هذه الفكرة في منطق العقل الذي يحكم المُجتمعات العربية عموما ، يعتقِد البعض أننا قد أحسنّا تربية الذكور مقارنة بتربية الاناث ، ولا أعرف كيف ، فماسبب انهيار الشخصية العربية أمام العالم ، والاستخفاف بها ، طالما أننا قد أحسنّا اعدادها وتربيتها، كما نعتقد !
لقد فشلنا في تربية الذكور، كما فشلنا في تربية الاناث حتى اختل توازن المجتمع، فمعالم وآثارهذا الاختلال تبدو واضحة عندما حولنا الأنوثة الى لعنة ، ووسمناها بالخطيئة ، واعتبرنا أن كل ما يخّص المرأة وجسدها ، مصدر فتنة يجب اخفاؤه ، دون أن نكلّف خاطرنا باصلاح العقل الذكوري الجنسي ، المتأهّب للهجوم على أي امرأة تعترض سبيله . لقد فتحنا للولد باب الحرية والانطلاق على مصراعيه ،واغتلنا عن سابق اصرار وتصميم حلم الفتاة ورغبتها في اكتشاف ذاتها والعالم من حولها . فنحن نُشعِر ابننا بأنه "ستيف أوستن " بزماناته عندما يضرب ابن الجيران ويكسر له أنفه ، وأن" آينشتاين " بنفسه قد ينهار أمام عبقريته الفذه ، لأنه قد نجح في حلّ مسألة الرياضيات في المدرسة ، و نُصفّق لرجولته الطاغية ولغيرته الشديدة على شرف العائلة ، عندما يضرب اخته ويمنعها من الخروج من البيت ، لأنه شك في سلوكها ، وهو في ذات الوقت يغازل بنت الجيران ، ويواعدها، بينما لا نعير ذات الأهمية لفتاة متفوقة ، ومتميزة ، وقد تصل لأعلى المراتب والمناصِب ، لمجرّد أنها لم تتزوج ، فهي ناقصة بنظر المجتمع ، وهو مُكتمِل الرجولة.
نعم ؛ فشلنا في تربية الذكور كما فشلنا في تربية الاناث ، فمنحنا الذكر حق الأمر، والأنثى واجب الطاعة ، اعتدينا على الشخصية العربية ، وسجناها داخل أطر جامدة ، وكأنها جوهر ثابت غير قابل للتحول . نحن مسؤولون عن أمراض مجتمعاتنا وتناقضاته ، وطريقة التربية هذه تغتال الشخصية العربية و تمارس عليها عدوانا واضحا ، وتعيق كل محاولات الخروج من هاوية الرجعية الضيقة ، والانضمام الى صفوف المجتمعات المتحضرة ، والمرأة للأسف اكثر من يدفع ثمن هذه الرجعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مجتمع ذكوري بامتياز
بوزترون ( 2016 / 6 / 28 - 09:26 )
الاستاذة لينا الجزراوي تحية طيبة...
تناولت موضوع حساس جدا ومهمل بنفس الوقت .لطالما اعتصر قلبي عند زيارتي للمحافظات جنوب العراق لما اشاهده من غبن وطمس واهمال واحتقار لشخصية المراة امام انظار ومسامع مثقفينا واصحاب القرار .فالحقيقة التي تشاهدوها في الاعلام لاتنقل الصورة الصحيحة لواقع المراة في مجتمعنا الذكوري بامتياز.اتمنى ان لاتبخل اناملك عن السرد والاسهاب لهذه المواضيع المهمة التي نعيشها في صندوقنا المظلم ولا اقول مجتمعنا المظلم.
مع خالص تقديري واحترامي...


2 - تناقضات
لينا جزراوي ( 2016 / 6 / 28 - 12:53 )
شكرا على الاهتمام وعلى التعليق ، هذه مشكلة تعاني منها كل امرأة تعيش في الشرق تعيس ، ، حتى بين طبقة النخب والمثقفين كما ذكرت ، تتوقف كل ادعاءات الثقافة والتمدن عندما يصب
الموضوع في صلب ، حياة المرأة
والحل هو في رفض هذا الواقع ، والتمرد عليه ،


3 - تحية وتقديرا
حميد خنجي ( 2016 / 6 / 29 - 12:59 )
جهدك سيدتي مقدر على طرحك لأم المشاكل.. فلولا دونية المرأة / الأنثى. وسيادة الرجل/ الذكورية، لكان الأن للعرب والمسلمين شأنا آخر في الحياة ودورا آخر في العالم المعاصر. ولعل اكثر ما يؤلم هو دفاع النساء أنفسهم عن مظاهر تخلف المرأة والتشبث بها أكثر من الرجل! و هذه إشكالية في حاجة إلى تحليل أعمق. كم كان ماركس صادقا حين قال: إن أردت أن تعرف درجة تقدم أي مجتمع أنظر إلى وضع المرأة فيه


4 - المرأة جزء من المشكلة
لينا جزراوي ( 2016 / 6 / 30 - 12:44 )
أتفق معك استاذ حميد خنجي ، بأن المرأة جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل عندما تدافع عن عبوديتها وتجملها ، قضية تحرر المرأة هي قضية مجتمع وليست قضية شريحة أومكون مضطهد لذلك فان تحرر المرأة هي شأن الرجل أيضا ، وفي تحررها تحضر للمجتمع وارتقاء للثقافة

اخر الافلام

.. الناشطة الاجتماعية فاطمة حكيم


.. رئيسة جمعية الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان أميرة سكر




.. المحامية فداء عبد الفتاح


.. أمينة سر الهيئة الوطنية لحقوق الانسان المتضمنة لجنة الوقاية




.. عضو الهيئة واللجنة وممثلة نقابة الأطباء في بيروت جوزيان ماضي