الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيء عن التجنيس في البحرين - صياغة المشكلة

موسى راكان موسى

2016 / 6 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




صياغة المشكلة من المسائل الصعبة ، إذ أنها مرحلة تمثل قنطرة عبور ؛ فمن (التشخيص) حيث المُعاينة و النظر ، إلى (التطبيق) حيث المُناكفة و العمل ــ فلابد إذا مع صياغة المشكلة أن يلازمنا الريب و الحذر ، كما لا يجب أن نخشى الإرتداد إلى (ما قبل صياغة المشكلة) ، فنتأكد أو فنتبيّن صياغة أخرى ؛ فنقوم بمراجعة كلما أوهجست دواخلنا أو بمراجعة إجبارية بين فترات طويلة نسبيا [ و لا يجب أن نخجل على إثر ذلك من أن يقع وصفنا بـ(المرتدين) أو (التحريفيين) ، و إلى غير ذلك من أوصاف أبدع العمليّون نحتها ] .


# و لصياغة المشكلة سنسير في طريق نعرض فيه ملخص للتشخيص [ أي ما تناولناه في الأجزاء السابقة ] :

* ما بين (خصوصية ذات مُنطلق ميتافيزقي) ، و (خصوصية ذات مُنطلق مادي) ، تتبنى السلطة (غمضنة الخصوصية) ؛ ليسهل عليها التنقل بين الخصوصيتين حسب الحاجة و الظروف ــ و من ذلك يجب التأكيد على (الخصوصية ذات المُنطلق المادي) ؛ أي النظر في الواقع الإجتماعي هو كما هو وفق منطقه و ضروراته .

* هناك منطقين يتم الإستناد على أحدهما للتمييز بين المجتمعات : (منطق التميّز المثالي) و (منطق التميّز المادي) ــ و من ذلك يجب التسلح بـ(منطق التميّز المادي) ؛ فالإستقلال المطلق خرافة ، و تميّز المجتمعات إنما يكون في إتصالها ، و في الإختلاف و التغيّر [ فتميّز المجتمع البحريني عن غيره من مجتمعات ، من حيث هو (مجتمع) ــ و ليس من حيث هو (بحريني) ] .

* المجتمع البحريني مجتمع (خدماتي) (إستهلاكي) (لا تفارق طبقي فيه) ، تسوده (الطبقة الوسطى) إلا أن (الجماعات أو الطوائف هي التي تسود ظاهريا) ، و لذلك فإن الحركة العامة في المجتمع البحريني هي (الإستبدال) ، أما في الجانب الفكري أو الإيديولوجي نجد السمات التالية سائدة : (منطق التميّز المثالي) ، (اللبس بين المُتوقّع و المُتخيّل) ، (مزيج من البلادة و السطحية الفكرية) ، (مذهب عملي لا فلسفي) ، (بروباجندا لصالح الجماعة أو الطائفة) ــ و يتطلب ذلك (الإعتراف به) أولا ، من ثم الدفع تجاه (تقويض شامل للوضع الإجتماعي العام) و كذلك التركيز على (نقض الجانب الفكري أو الإيديولوجي فيه) .

* إن التمييز بين قطاعي العمل (العام) و (الخاص) لا يقوم على أساس تحديد مجال أو مدى نفوذ و سلطة الفئة الحاكمة في الدولة ، فالدولة لا هي عامة و لا هي خاصة ، لكنها هي شرط لكل تفريق بين العام و الخاص ؛ فالتمييز إذا بين القطاع (العام) و (الخاص) ليس مجرد فرق إقتصادي ، لكنه يعتمل سياسيا لمصلحة أو مصالح الفئة الحاكمة في الدولة ــ و على إثر ذلك يجب التأكيد على أن ما يسمى (( إعادة الهيكلة )) ليست إقتصادية فقط [ كما لو كان الإقتصاد كيان مستقل بذاته ] ، إذ أنها إجتماعية ؛ بالتالي فإن الإجراءات المُتخذة يجب أن يتم تحليلها إجتماعيا ، و لا يجب الإكتفاء أبدا بالذرائع (الإقتصادية) و (الخارجية) للتسليم بالإجراءات دونما معارضة .

* وجود خطاب تتبناه أصوات طاغية في المعارضة ، كما تتبناه بعض أصوات في طرف الموالاة ، و الذي خلاصته (إحالة سبب العجز إلى إستهلاك الموارد و الثروات و الخدمات من قِبَل (( المجنسين )) ) ؛ مع إمكانية أن يحل هذا الخطاب بالنسبة للجهات الرسمية محل خطابها الحالي (الموارب بالإقتصاد ، مختزلا الأسباب بالخارج) ــ و الذي يقضي تبيان جذوره مع إجتثاثها [ أي مُنطلقه من منطق التميّز المثالي ] ، و سد الطريق أمام السلطة لأن تتبناه ، و في نفس الوقت قمع هذا الخطاب في أوساط المعارضة ؛ و ذلك يترافق بالكشف عن أسباب العجز الداخلية [ المُتمثلة بشكل خاص بسوء الإدارة و التصرف بالموارد و الثروات ، و عدم التخطيط و التنفيذ الفعّال المُفيد ؛ و هو ما يعني مساءلة الجهات المُختصة الرسمية ، و توجيه أصابع الإتهام إلى الحكومة ] .

* هيكلية المؤسسات العامة و الخاصة ذات مظهر بيروقراطي ، إلا أنها في العامة أكثر إنمساخا بفعل التدخلات التي تتعرض لها [ دون أن ننسى أن التمييز بين (العام) و (الخاص) هو تمييز سياسي ] ؛ و التي تلعب (( الصورة النمطية )) أو (( السمعة )) دورا فيها ــ و ذلك يتطلب قبل كل شيء (كشف أسباب التمييز بين المؤسسات العامة و الخاصة) و التي تحيل المؤسسات العامة إلى بيروقراطية مسخة ؛ و ذلك يقودنا إلى تقديم تحقيقات ذات طابع إجتماعي [ وضع المدارس الحكومية في مقابل المدارس الخاصة ، وضع المستشفيات الحكومية في مقابل المستشفيات الخاصة ... إلخ ] .

* يكون المثقف ضد التجنيس [ و ينسحب الأمر تلقائيا ضد من تقع تسميتهم بـ(( المجنسين )) ] بإستناده فكريا على منطق التميّز المثالي ، إما لحماية أوهامه الفكرية النابعة من طبيعته كمثقف (الهوية مثلا) ، و إما حماية لموقعه المميّز كمثقف في المجتمع البحريني (كأن يخشى أن تطيح به المنافسة عن عرشه) ، أما رجل الدين فإنه يكون ضد التجنيس لأن التجنيس عنده مُحدد بما يضمن و يقوّي سلطانه و نفوذه في المجتمع [ فمنطق التميّز عنده مثالي ، إلا أنه يعتمل في حدود الدين أو المذهب ، لا الوطن ] ــ لذا يستلزم الأمر (السمو على المثقفين على حدٍ سواء) و (الحط من رجال الدين على حدٍ سواء) ؛ و يترافق ذلك مع إظهار منطق التميّز المادي .

* قضية التجنيس بين صنفين من (( التعمية الإعلامية )) : الأولى (ترفض طرح الإشكال من مُنطلق رفضها الإعتراف بواقع الإشكال) ، و الثانية (تطرح الإشكال مشوها من مُنطلق قراءتها المشوهة للواقع) ــ بالتالي فعلينا التمسك بـ(الإصرار على طرح الإشكال من مُنطلق الإعتراف بواقع الإشكال) ، و إن أدى ذلك إلى زعزعة إستقرار مزيف و زلزلة عروش مُهترئة ، و لا يكون ذلك إلا بـ(التسلح بمنطق التميّز المادي) الذي يجنبنا تشويه الواقع و تقديم إشكالات مغلوطة و خاطئة .


بعد هذا العرض التلخيصي ، يمكن أن نفهم أن مشكلة قضية التجنيس ليست مجرد مشكلة فكرية ، إنما هي مشكلة إجتماعية ؛ مشكلة إجتماعية هي هي من صميم المجتمع البحريني . إن (وجود المجنسين) ليست المشكلة ، لكن المشكلة هي في (نمط المجتمع) الذي تُخلق فيه مشاكل منها (وجود المجنسين) [ و ليس يجعل من (وجود المجنسين) مشكلة ؛ إذ أنه فرق شاسع بين (يجعل) و (يخلق) ــ كما نرفض مسألة (وجود المجنسين) لأنها مسألة تقع ضمن نطاق منطق التميّز المثالي ؛ فالمجتمع يضم أفراد يندرجون ضمن فئات و طبقات ، فمن تقع تسميتهم (وفق منطق التميّز المثالي) بـ(( المجنسين )) لا يختلفون فئويا أو طبقيا عمن تقع تسميتهم بـ(( مواطنيين أصليين )) ، فـ(ليس القواد قوادا لأنه مجنس ، لكن لأنه قواد) ] .



ختاما ــ إن وحش الجماعة أو الطائفة فتّاك أفّاك ، إلا أن الفرد الذي ينسلخ عنه يؤلمه ، بل و يكشف عورته ، لهذا لا يتورّع هذا الوحش عن الفتك به متى ما استطاع ، و رميه في الإفك أينما استطاع ؛ و هنا تكمن تراجيديا الفرد ، و لكن أيضا شيء من مقتل هذا الوحش .

# و نذكر نص للأديب (( مهدي سلمان )) الذي ربما قد لا يتفق معنا في بعض هذه السلسلة أو كلها :
لا تـخـسـر ذاتـك .. سـيـجـيّـرونـك ، سـيـجّـرونـك ، سـيـنـتـزعـون روحـك ، سـيـعـطـونـك الـبـهـجـة ، و يـقـولـون : دع لـنـا هـذي الـكـآبـة نـجـتـثـهـا مـن قـلـبـك . لا تـسـتـمـع ، سـيـحـيـطـون بـك ، مـعـارف شـتـى و مـا مـن أصـدقـاء ، بـألـسـنـتـهـم الـعـريـضـة سـيـلـحـسـون عـيـنـيـك الـدامـعـتـيـن ، و يـقـولـون : جـفّ الألـم . لا تـتـبـعـهـم و ابـكِ ، ابـكِ كـمـا لـم تـظـن يـومًـا أن الـبـكـاء مـنـجـاتـك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتوسع في إفريقيا.. والسودان هدفها القادم.. لماذا؟ | #ا


.. الجزيرة ضيفة سكاي نيوز عربية | #غرفة_الأخبار




.. المطبات أمام ترامب تزيد.. فكيف سيتجاوزها نحو البيت الأبيض؟ |


.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. فهل تتعثر مفاوضات القاهرة؟




.. نتنياهو: مراسلو الجزيرة أضروا بأمن إسرائيل | #غرفة_الأخبار