الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة وتحليل فى أثار ضاهرة الشعب المتدين بطبعه

أمير مجدى

2016 / 7 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هناك أصوات كثيرة اصبحت تسخر من ظاهرة الشعب المتدين بطبعه وتنتقدها وتتهكم عليها كلما اصطدمت بسلوكيات ومشاكلات تتنافى مع جوهر الدين. اذ ان الدين هو سلوك فرد وليس سلوك مجتمع وظاهرة الشعب المتدين بطبعه فى جوهرها هى اخراج الدين من ساحته الفردية الشخصية الى الساحة الشعبية الاجتماعية وبالتالى تحويل الدين من علاقة بين الله وشخص الى علاقة بين الله وأمة وهذا معناه ان هناك ثمة تحول للعلاقة الروحية بين الله والفرد الى علاقة سياسية بين الله والمجتمع فالعلاقة بين فرد وجماعة علاقة سياسية بالضرورة حيث يقوم الله فيها بدورالزعيم السياسى مع الاله الروحى وهذا أفضل مايقال عنه انه نسف لمعنى الدين تماما وتشويه لصورة الرب وتدمير للقيم الروحية والاخلاقية. وتأسيسا على ذلك سينشأ لدينا دينا للعامة وسيظهر مصطلح جديد يسمى بالدين الاجتماعى وهو يكافئ مصطلح الدين السياسى. ويتضح من ذلك ان تحليل هذه الضاهرة ليس طعنا للدين بل هو كشف عن اسلوب توظيف الدين فى حياة شعوبنا. ان فهم ظاهرة الدين الاجتماعى يعتمد على الرصد الدقيق لنتائجها وتأثيراتها التى تعود على المجتمع باثار سلبية عديدة. ان أحد أسوأ الاثار التى يعانى منها الشعب المتدين بطبعه هو تكريس مفهوم الامة على حساب مفهوم الفرد وهذا ما يترتب عليه اهدار الحريات الفردية التى تتعلق بحرية التعبير وحرية النقاش وحرية الاعتقاد وحرية الحياة بشكل عام والغاء الاستقلالية واعتبار الفرد مجرد عضو تافه ضمن كيان الامه ليست له قيمة كفرد ولا لرغباته ولا لأفكاره بل عليه ان ينصهر ويذوب فى الكيان العام للمجتمع ولاسيما اذا كانت هناك تعددية دينية أو مذهبية وهو ما يعتبر اجمالا قهرا للافراد. ان الشعب المتدين بطبعه غالبا مايقع فريسة لتجار الدين السياسى اللذين يجيدون مغازلة المزاج الدينى للشعب ويستطيعوا بخطابهم الدينى المسيس ان يحصدوا اصوات الشعب المغيب ليفوزوا بالسلطة ويصلوا الى سدة الحكم وبالتالى فهناك تربة خصبة ومهيئة لحكم الفاشية الدينية فى مثل هذه المجتمعات التى حولت الانتماء للدين كالانتماء الى النادى الاهلى. أضف الى ذلك ان النمط السياسى البديل للفاشية الدينية فى تللك المجتمعات هو الاستبداد الامنى وهو المرشح بقوة أيضا فى ظل غياب معارضة حرة ورأى حر وتنوع وتعدد التيارات الفكرية تحت سلطة المزاج الاحادى للمجتمع وبذلك فهذه الشعوب محصورة بين مطرقة الاستبداد الامنى وسندان الفاشية الدينية وليس لها بديل غير ذلك طالما ظلت توظف الدين بشكل خطأ يحول المجتمع الى كتل بشرية لها رأى واحد وفكر واحد وبالتالى ستصب أصواتهم فى جيب حزب واحد ليحكمهم حكما شموليا بكل تأكيد. بالاضافة الى ذلك ان المجتمعات من هذا النوع تقع بسهولة ضحية للنصب السياسى وللوعود السياسية الكاذبة حيث يتم مباركتها دينيا وحتى عندما تفشل هذه المشاريع تجد كثيرين يدافعوا عنها ويبرروها. أما لو كانت هناك ارادة سياسية حقيقية للتنوير فالمزاج الدينى للمجتمع سيقيدها ولا يسمح لها بخيارات متنوعة فهى لن تستطيع حتما ان تخرج خارج الصندوق وبالتالى فالمجتمع يحرم نفسه بنفسه من اى محاولات للتغيير والتنوير يقوم بها اى سياسى او مفكر. فضلا عن كل ذلك تسرب المزاج الدينى للعامة الى الدستور والقوانين وهو الامر الاكثر خطورة اذ يكتسب الدين الاجتماعى سلطة قانونية علاوة على سلطته الاجتماعية وهنا قد ننزلق الى الصدام مع مذهب أخر أو طائفة أخرى وهذا ليس الا صراع الاديان او المذاهب على السلطة الزمنية وعلى السيادة المادية وكأنها كأى مذهب او حزب سياسى هبطت بنفسها الى مستنقع الصراع العفن, مما قد يؤدى الى حرب أهلية طائفية هائلة وهنا قد تكون النتيجة سياسيا هى خلق دولة فاشلة أو تحلل الدولة وتقسيمها الى مجموعة دويلات على اساس مذهبى او دينى. ان من اسوأ الاثار الاجتماعية لظاهرة الشعب المتدين بطبعه انتشار التدين الظاهرى والرياء فتجد مضاهر الدين على اشخاص منافقين وكاذبين يستغلون مزاج المجتمع الدينى من اجل الوصول الى اغراضهم الى جانب ذلك تكثر عمليات النصب على البسطاء بدغدغة مشاعرهم واستدراجهم الى معاملات مالية او سوقية مشكوك فيها طالما يستطيع النصاب استغلال المزاج الدينى انها بيئة مواتية لتضخيم الثروات وجمع الاموال. فلاشك ان هناك ازمة اخلاقية يعانى منها هذا المجتمع المتدين فى مشهد متناقض وصادم فالمنافق والانتهازى والوصولى يجيد التدين وبالتالى يحرز مكانة اجتماعية ومادية معينة وهذا يصدم الكثيرين للاسف فى الدين والاخلاق مما يجعل البعض ينكر الدين ويبدأ تنامى تيار الالحاد داخل المجتمع المتدين المنافق وهذا ملمح اخر من عبثية المشهد وتناقض الشواهد. بالاضافة الى تجزرظاهرة التعصب فالمجتمع المتدين بطبعه لديه مشكلة مع الاخر مهما حاول ان يتظاهر بالتسامح ولكن الواقع عكس ذلك فهو يرفض الاخر الفكرى والاخر الدينى والاخر المذهبى على مستوى الشكل والمضمون مما ينتهى الى اضطهاد هذا الاخر والشئ المخزى ان هذا التعصب يتدرج من الفرد الى المجتمع الى الدولة فيكثر قمع الاخر ومحاكمته بتهمة الاختلاف وقد ينفجر الاخر وينقلب التعصب الى فتنة والخاسر الاول والاخير فى كل ذلك هو الانسان والمجتمع ككل. وعلى الجانب الاقتصادى ستلاحظ ان الفقر ونقص فرص العمل تلازم المجتمع المتدين بطبعه وينتشر الاقتصاد الخدمى والاستهلاكى واقتصاد البيع والشراء وهو ما يخلق فئة غنية تحتكر المال وفئة اخرى فقيرة تعانى نفقات الحياة. ومن الجهة الثقافية ستلاحظ انتشار الدجل والخرافة وغياب التفكير الناقد وتفاقم مشاكل المجتمع واللجوء دائما الى نظرية المؤامرة لتفسير تردى الاوضاع واستبدال التفكير بالفتاوى والفلاسفة برجال الدين والتنوير بالتكفير. وهنا يوضع كل مبدع مفكروناقد حر داخل قفص حديدى وتقصف الاقلام وتفرض الرقابة على الكلمة ويتم تصيد افكار وكلمات المفكرين لجرهم الى ساحات المحاكم والسجون.
ان ظاهرة الشعب المتدين بطبعه ليست سوى مرض يكرس للتعصب ضد الاخر ويقمع حرية الانسان ويستخف بقيمته كفرد وكوحدة مستقلة بذاتها ويطوع المجتمع للاستبداد السياسى الامنى وللحكم الدينى الفاشى ويجرف الثقافة ويشجع الخرافة ويزيف الاخلاق وينشر النفاق وللاسف ورغم كل ذلك ما زلنا نفتخرونتباهى بأننا شعب متدين بطبعه ومازلنا لم ندرك اثار هذه الظاهرة فى تخلفنا فمن له اذان للسمع فليسمع.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية


.. 110-Al-Baqarah




.. لحظة الاعتداء علي فتاة مسلمة من مدرس جامعي أمريكي ماذا فعل