الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت السريع للزمن البطيء

محيي هادي

2005 / 12 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تعتمد ثقافات عديدة، و منها الثقافة العربية و الاسلامية، على البطء، و تترك الوقت يمر و يمر بشكل قاتل.. إن هناك من يقول: إجلس على عتبة باب دارك و انتظر حتى ترى جنازة عدوك تمر من أمامك، و هناك من يقول أن طعام الثأر يُقدم باردا.
و اليوم، و بدون شك، لا يستطيع أحداً أن "يُبرَّد" ثأره، و كذلك فإن الحروب يجب أن تكون سريعة لا يمكن أن تطول، فإن طالت بعض الأشهر فإن ضجرا كبيرا سيصيب السياسيين و الصحفيين و العسكريين، و كذلك فإن أشد المدافعين عن الحرب و أكثر المعارضين لها يعتبرونها من الحروب الفاشلة، لأن الحرب في اعتقادهم قد أخذت وقتا طويلا، و إن الوقت، الذي يُعتبر سريعا، يجب أن يُخصص في معارك أخرى، سريعة و ذات فائدة.

إن صراع المتطرفين الإسلاميين ضد الغرب ما هو إلا تصفية حسابات و ثأر لثقافة الطقوس و البطء، تترك الزمن يمر بدون حساب، و ما هو إلا صراعا يائسا ضد حضارة السرعة الغربية.

ما أعقد المدن العربية القديمة، إن أزقتها تلتف الواحدة على الأخرى، و في دخولها يضيع الوقت الكثير و في الخروج منها ينعدم الباقي من الوقت. و في أسواق البلدان العربية المعقدة تتنفس الحياة ببطء، و على أنغام دقات أذرع تتحرك ببطء تنتج صناعة يدوية ما. و لا يتم التعامل التجاري فيها إلا ببطء شديد أيضا، و يضيع وقت المفاوضات في مساومات طويلة مملة لا تنفع شيئا إلا لمحاولة إيجاد الخدعة المناسبة لتضليل الطرف الإخر و تجريب رد فعله و اختبار قوة أعصابه. إن هناك قول مغربي يجعلون منه حديثا نبويا: "إن الله وضع الغفلة بين البائع و المشتري"، و هكذا يصبح الاحتيال، بالغفلة، شيئا مقدسا و يصبح النصب كلمة الله في الأرض بلسان مغربي.
لا يمكن معرفة القيمة الحقيقية لأية حاجة تُشترى في الأسواق العربية و الاسلامية، و لا ينفع في هذه الأسواق قانون العرض و الطلب، بل يحل محله قانون المساومة المملة و حرق الأعصاب.
و على العكس مما يوجد في الأسواق العربية فإن الشراء المثالي في الأسواق بالنسبة للإنسان الغربي هو ما يقوم به في المحلات الكبيرة، سوبرماركتا أو هايبرماركتا أو غيره، و فيها لا تحتاج عملية الشراء إلى اتصال مباشر مع البائعين، و يمكن التأكد من أسعار البضائع بواسطة بطاقات ملصقة على الحاجات المعروضة للبيع.

و لإيجاد حيلة ما لإتخاذ قراره، نجد الاسلام الطقوسي و البطيء ذا خبرة في إدارة الوقت، بتأخيره. إنه إبن الصحراء الذي يعيش في مسرح بدون حدود، ممل و رتيب، إنه قد تعود على التبادل التجاري ابتداء من حمل البضائع على ظهور الجمال، التي يسميها سفينة الصحراء، و هو اليوم يحتج بعنف ضد الطريقة الغربية التي تمزق شبكته الاجتماعية و تستعيض عنها بمفاوضات سريعة، وقتية و دائمة التبدل، لا يمكن تأجيلها.

و على الرغم من وجود اشخاص إرهابيين "مثقفين" و ذوي دخل جيد فإن هناك محللين يتمسكون بأن الارهاب في الدول الغربية هو وليد عدم المساوات و عدم وجود العدالة الاجتماعية، إنهم بهذا يريدون حذف رد الفعل الغاضب من أشخاص يعتبرون أنفسهم و كأنهم مركز العالم، و صرته، يتقوقعون داخل فكرة عن الزمن من المستحيل تطبيقها في هذا اليوم. إنه الغيظ المسعور من أفراد أزيحوا من أرضهم و قلعت جذورهم من أوطانهم، لا يريدون أن يتلاءموا مع الدول التي أعطتهم و لآباهم ملجأ آمناً، إنه ثأر مواطني الزمن البطئ و أصحاب القيم الجامدة و المطلقة، الذين يتشوقون، و بمثالية، إلى الأزمان الماضية التي لم يطلب فيها منهم أحدا بأن يسرعوا، إنهم من ثقافة حل المشاكل بدون إرهاق، من مجتمع يأخذ وقتا طويلا لحل مشاكله. إنهم من مجتمع "روح و ارجع بعد شهر".

و تكتسح العولمة تلك الحضارات و الثقافات و الأمم، التي تعيش في البطء و تتقوقع على نفسها، و ترمي بها إلى الهاوية، هاوية لا يرجع منها أنصار الزمن البطئ الا بقنابلهم الانتحارية. و تحل السرعة الكبيرة محل البطء الشديد، لا تتخذ لها قواعد ساكنة إذ أنها تتبدل و تتغير بشكل مستمر. إن العولمة الرأسمالية لن تسمح بنسمة هواء لغيرها من الأفكار: لا للأديان التقليدية، و لا للشيوعية، و لا لأفكار الاشتراكية الديمقراطية و لا لأي شكل من أشكال الانتاج التي لا تستطيع أن تتنافس معها في عالم السرعة.
إن الإرهاب هو جواب اليأس، لأشخاص خاسرين، ضائعين بين أمواج بحار السرعة، لا يستطيعون التأقلم على الأزمنة الحديثة، فيتخذون من الإنتحار و قتل الآخرين عذرا لهزيمتهم الشنيعة، إن الإرهابيين هم أولاد تلك الصحراء الجافة، و راضعي حليب تلك الناقة الحقود، و هم أبناء الإسلام البطيئين الذين يرفعون راية ارهابهم ضد سرعة الغرب، هذا الغرب الذي ابتعد عن بطء المسيحية و كنيستها. و مثلما أرادت الكنيسة المسيحية أن تمنع دوران الأرض حول الشمس و تعيق حركتها فإن الإرهاب الإسلامي يريد إيقاف الأرض و حرقها و تدميرها، و إن لم يستطع فإنه يضع العصي و العراقيل في طريق التقدم و السرعة. و لكننا نجد الغرب الآن ينشر سرعته في كافة أنحاء العالم و يمتص البطء، بسرعة، على الرغم من أولئك المساكين الذين يريدون أن يبقى إسلامهم نائما و بطيئا يحل مشاكل حياتهم على طريقته الخاصة: البطء الشديد.

و هناك من يعتقد بأن الانتحاريين يضحون بأنفسهم لأنهم يرغبون الدخول إلى الجنة، الفردوس الذي سيتمتعون بين جدرانه بالجنس، بالحور العين و بالولدان المخلدين، و بالخمر الزلال يجري في أنهار من تحتهم، و هم بهذا ينسون أن كل هذه الرغبة لم تعد اليوم حلما بل هي موجودة على سطح البسيطة، و بكثرة، و إن الدين لم يعد يقدم شيئا كبيرا في عالم مادي لا يمكن العيش فيه إلا بسرعة.
و هناك قليل من المسيحيين في الغرب يتحركون في معيشتهم تحت الإعتقاد بوجود النار و جهنم و الوعد بالخلود في الحياة الآخرة، حياة آخرة لا يعرفون صفاتها و ميزاتها بعد، الا إنهم عمليون في حياتهم الدنيا يعيشون كما و كأنهم يريدون العيش أبدا، و لايريدون أن يعرفوا في أي وقت بعد موتهم سيستعيدون أرواحهم و بأي شكل ستكون أجسادهم. إن مسيحيي الغرب يتصرفون بشكل أفضل، أو أسوء، بموجب عاداتهم و أفعالهم الأخلاقية، لا بموجب اعتقاداتهم الدينية، فلا خوفا من الجحيم و لا اعتقادا منهم بأنهم سيصعدون إلى جنة السماء.
و لا تقسي الأديان على أتباعها، و لا تؤذيهم، بل تحتضنهم على طريقة " انصر أخاك ظالما أو مظلوما".. و باعتراف كاثوليكي بسيط أو "توبة" إسلامية بسيطة، أو كفارة رخيصة، تقلب و تغلق صفحة السوء القديمة لتفتح أخرى جديدة ... و عفا الله عما سلف.
و كذلك فإن المسلمين يفتقدون، تدريجيا، لحافز يدفعهم لأن يتصرفوا كما تطلب منهم تقاليدهم الدينية القديمة، ففكرة عذاب جهنم تضعف يوما بعد آخر، و لا ينتظر المسلم الموت لكي يذهب إلى جنة لا يعرف عنها شيئا سوى أن عرضها السموات و الأرض، و بدأت عيناه تتفتح و تتذوق جنات الأرض، و لم يبق له مانعا ليذهب إلى جنة الأرض ماربيّا (مربلة)، مثلا، حيث تُجمل شمسها أجسام ولدانها المخلدين و تداعب أمواج البحر المتوسط أجساد حورياتها و حيث ينساب الخمر الزلال بين أيادي جنيات الأرض الأسبانية و عفاريت الخليج العربية معيدة للأذهان سحر ليالي ألف ليلة و ليلة العراقية.
و من على سفح ماربيا البديع يطل قصر مولى المسلمين و حامي الحرمين الشريفين ليشع بنوره الساطع على مسجد فيونخيرولا الذي بنته سواعد المسلمين. و بعد أن ينتهي الليل و تنظف بقايا موائد ملاهي المجون مما تبقى من الخمر الذي لا يذهب الاّ إلى داخل أحشاء أولئك المسلمين يدخل الجميع إلى المسجد ليسجدوا طالبين بسجودهم صكوك الغفران و التوبة.

عالمنا اليوم هو عالم السرعة، وفيه الذي لا يركض يطير.
إنه عالم الانترنيت و الخبر السريع.
إن أكلة البا?ة التي، على الرغم من ازدياد لذتها بتركها طوال الليل تُطبخ على النار الهادئة البطيئة، قد فسحت الطريق لهامبرغر ماكدونالد.
إنه عالم الأكلات و الطبخات السريعة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تجنيد يهود -الحريديم-.. ماذا يعني ذلك لإسرائيل؟


.. انقطاع الكهرباء في مصر: -الكنائس والمساجد والمقاهي- ملاذ لطل




.. أزمة تجنيد المتدينين اليهود تتصدر العناوين الرئيسية في وسائل


.. 134-An-Nisa




.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم