الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قاهر المسلمين .. صورة من صور الحصار الاقتصادى على مصر فى عصورها الوسطى

طه يوسف

2016 / 7 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تعرض العالم الإسلامى فى عصوره الوسطى لحملات استعمارية اوروبية بما يعرف تاريخيا باسم الحملات الصليبية والتى كانت ناجمة عن العديد من الأسباب التى دفعت الاوروبيين لخوض غمار مغامرة استعمارية كانت لها نتائجها الكبيرة التى لولا التخبط والتفكك السياسى الذى كان يعيشه العالم الإسلامى فى ذلك الوقت لما أصبح لها أى ذكر ، فقد انقسم العالم الإسلامى على نفسه من تدهور لأحوال الخلافة العباسية فضلاً عن تنازعها مع الخلافة الفاطمية فى مصر فى شكل صراع دينى بين السنة والشيعة ، وكما هو معروف فإن الحملات الصليبية تمكنت من تأسيس ممالك لها فى الشرق على رأسها الرها وأنطاكية وطرابلس وعكا وبيت المقدس ، ولقد تمكن مجموعة من القادة المسلمين على فترات تاريخية ليست متباعدة كثيرا من كسر شوكة هذه الممالك ، فقد تمكن (عماد الدين زنكى ) من استعادة الرها وصلاح الدين من استعادة بيت المقدس ، وجاء المماليك وحملوا لواء المقاومة فقد تمكن بيبرس من استعادة 
انطاكية 1268 ، والمنصور قلاوون من استعادة طرابلس 1289 وأخيرا تمكن الاشرف خليل بن قلاوون من استعادة عكا 1291. 

بعد أن تمكن المماليك بقيادة الاشرف خليل بن قلاوون من دخول عكا 1291 م والقضاء على آخر معاقل الصليبيين فى الشام لم تهدأ وتيرة الصراع مع المسلمين فقد ظهرت فى (قبرص ) أسرة صليبية تحت حكم آل (لوزجنان ) التى قامت بدور كبير فى دعم الصليبيين فى عكا فى مواجهة المسلمين ، وبعد السيطرة على عكا ، قام ملك قبرص بمحاولة صليبية أخرى حيث جمع العديد من  الفرسان والأموال وهاجم الاسكندرية ودخلها بالفعل وعاث فيها فساداً وتقتيلاً فى المصريين وغنم منها مغانم كثيرة لمدة ثلاث أيام ، وبعد ذلك عادوا من حيث أتوا ، لكنهم استمروا فى المضايقات البحرية للسفن ، وتولى العرش المصرى فى ذلك الوقت واحد من أشجع سلاطين المماليك وهو السلطان الأشرف برسباى(1422ـ1438)  الذى لم يقف مكتوف الأيدى تجاه هذه الاعتداءات الصليبية وقام بثلاث حملات عسكرية ضخمة استطاع بها دخول قبرص نفسها وأصبحت ولاية تابعة للمماليك ، إزاء كل ذلك لم يهدأ بال البابا نفسه فقد أصدر قراراً بالحرمان على المدن الايطالية التى تتعامل تجاريا مع المماليك من أجل اضعاف الجبهة الاسلامية اقتصادياً ، وحاول الاوروبيون ايجاد طريق آخر للتجارة لزعزعة المماليك فاتجهوا الى البحر الأحمر الذى يعتبر بحيرة مملوكية من أجل احكام التطويق على المماليك .

لم يجد الاوروبيون (الصليبون ) افضل من الحبشة ليتحالفوا معها لاضعاف المماليك ـ الدولة التى كان لها نصيب الأسد فى مطاردة الصليبيين ووضع حد لخطرهم على العالم الاسلامى ـ فحرصت البابوية على إرساء دعائم الصداقة مع الحبشة فارسلت الرسل والسفارات ، كذلك فعلت فرنسا الفعل نفسه عام 1338م ، وقد نجحت مساعى البابوية وفرنسا فى جعل ملوك الحبشة طوع بنانهم حتى أنه عندما هاجم القبرصيون الاسكندرية كما أشرنا سالفاً قام ملوك الحبشة بمحاولة الهجوم على مصر من ناحية الجنوب ولكن باءت الحملة بالفشل ، لم يفت ذلك فى عضد ملوك الحبشة فقاموا بمراسلة ملوك أوروبا لمعاودة الهجوم على مصر مرة أخرى فلاقت هذه الدعوة الترحيب ولكنها لم تتم بشكل رسمى إلا بعد تمكن البحارة البرتغالى (فاسكو دى جاما ) من اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح الذى يعتبر بحق ضربة قوية لتجارة المماليك أسهمت بشكل فعال فى اضعاف المماليك وتبع ذلك اندلاع معركة بحرية بين المماليك والبرتغاليين تعرف بـ (معركة ديو البحرية ) عام 1509م والتى انتهت بإنتصار حاسم للبرتغاليين ، ولقد قامت الحبشة بدور بارز فى مساندة البرتغال فى هذه المعركة ، وقد نتج عن هذه المعركة نتائج خطيرة ، فكُسرت شوكة المماليك وكانت بداية النهاية لهم ، كما أن الحبشة استغلت كل تلك الظروف فقامت الملكة الحبشية (هيلانة ) عام 1510 بإرسال رسالة إلى ملك البرتغال للتفاوض من أجل القضاء المبرم على المماليك حتى أنها لقبت ملك البرتغال فى هذه الرسالة بلقب (قاهر المسلمين ) كذلك لفتت هذه الحرب أنظار الدولة العثمانية الفتية نحو الشرق وعلى مدى قصير وقعت مصر والشام فى حوزة العثمانيين .

لم يكن الأمر مجرد صدام بين اثنين فى ساحة الحرب بل نشأت فكرة تحويل مجرى نهر النيل وتحديداً عام 1450م ، ضمن محاولات كثيرة للحد من خطر المماليك على الصليبيين ، ففى رسالة أرسلها الملك (ألفونس ) ملك ارغونة فى اسبانيا إلى ملوك الحبشة بضرورة تحويل مجرى نهر النيل فى الوقت الذى يقوم فيه هو بمهاجمة بلاد الشام ، وبعد معركة ديو البحرية أرسل قائد الاسطول البرتغالى إلى ملك البرتغال من أجل امداده بالعمال للعمل الفورى على تحويل مجرى النيل من أجل الضغط على المماليك بشكل مختلف عن طريق إفشاء الجوع والعطش فى مصر ، وهكذا نرى أن التاريخ أشبه بـ (الروتين ) إن جاز لنا التعبير ، فهو يتكرر بنفس الصيغة تقريباً فى بعض الأحداث ، فما أشبه الليلة بالبارحة ولكن بأدوات وصيغ حديثة .

مصادر المقال..
الحروب الصليبية محمد سهيل طقوش
أضواء جديدة على الحروب الصليبية  سعيد عبد الفتاح عاشور
الحركة الصليبية  سعيد عبد الفتاح عاشور
قصة الحروب الصليبية راغب السرجانى 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا يحضر بوتين وكيم جونغ أون؟ | الأخبار


.. إسرائيل : أزمة ثقة بين القيادتين العسكرية والسياسية؟ • فرانس




.. عين حزب الله في سماء إسرائيل.. هل تستسلم تل أبيب أمام الخطر


.. رغم من جهود هوكشتاين.. التصعيد مستمر بين حزب الله وإسرائيل|#




.. بوتين وكيم.. يداً بيد لمواجهة الغرب! | #التاسعة