الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللاشيء الكرديّ يصبح شيئاً ويصبح ذاتاً ومضموناً

صلاح الدين مسلم

2016 / 7 / 12
القضية الكردية


إنّ أفضل طريقة لفهم القضيّة الكرديّة كيف كانت قبل ثورة روج آفا وكيف هي الآن وكيف ستؤول؟ تكون من خلال التعمّق في الخطاب العربيّ القومويّ تجاه الكرد، فهذه التصريحات التي ننعتها بالشوفينيّة والتي يرفضها الكرد جملة وتفصيلاً، والتي لا تلقى بردّ من قبل أيّة مجموعة بسيطة من العرب، والتي لا تستهجن هذا النوع من الخطاب الإقصائيّ للكرد تحيلنا إلى ملف فهم القضيّة الكرديّة قبل ثورة روج آفا وكيف كان العرب ينظرون إلى الكرد حينها، وكيف سيعودون إلى ملّتهم في حال فشلت هذه الثورة العظيمة.
فكلّ الأقلام العربيّة خارج روج آفا متّفقة على أن تنظر إلى القضيّة الكرديّة من باب الاستعلاء، ومن باب أنّ الحلّ في يدها فحسب، ويجب أن تكون المرجعيّة (العرب) لا أحد، ومعظم الأقلام العربيّة ترفض نسب الكرد إلى أيّة حضارة كانت، وتصرّ أبداً على أنهم لا شيء، وجملة لا شيء هي الذهنيّة الأساسيّة لهم، في تحليل الكرد، وهذا الذي يطرح نفسه بديلاً عن الأسد مازال يحتضن في كيانه أنطوان سعادة وميشيل عفلق وصلاح الدين بيطار وزكي الأرسوزي وأكرم الحوراني وغيرهم كثر من الذين رأَوا أن الكون يدور في فلك القوميّة العربيّة فحسب.
إن جملة (الكرد أحفاد الميديين) لا تروق لأولئك المتسربلين سربال التغيير الشكلي ولمّا يتفكّك الفكر العربي ولمّا تتغيّرْ تلك الذهنيّة القوموية الإقصائية. وقد تخطر بالبال أسئلة كثيرة: ما الذي سيتبدل في رأيك أيها الرافض لهذه الجملة أكان الكرد أصلهم ميدي أم لا؟ وما الذي سيتبدل إن لم يكن العرب أصلهم كنعاني؟ وهل سترضى أيّها الاستعلائيّ أن يأتي الآشوريون من كلّ أصقاع العالم لتمنحهم الشمال السوري على طبق من ذهب؟ هل ستمنح دمشق للسريان على سبيل المثال؟ هل ستعترف بالعبرانيين الإسرائيليين على أنّهم أصحاب الأرض في إسرائيل أو فلسطين كما تحلو لك التسمية؟
يستطيع المثقّف العربيّ الانحياز إلى الدولة الإيرانيّة أو أو الدولة التركيّة، أو حتّى إلى الجن الأزرق لكي يناهضوا القضيّة الكرديّة التي لا يعتبرون فيها الكرد شيئاً. فكيف لهذا اللاشيء أن يسيطر على هذه البقعة من سوريا؟ هنا السؤال وهنا السبب وهنا مفهوم الإقصاء، فعلى الكرد أن يكونوا كما خلقناهم لا شيئاً، ومن هنا منطلق التركيبة الغريبة لهذا الفكر الذي انهزم في كلّ الصولات والجولات أمام اللاشيء الكرديّ الذي أصبح شيئاً يوماً بعد يوم وأصبح ذاتاً ومضموناً.
إنّ تاريخ غدر الدولة التركيّة الذي نهش في كيان العرب منذ عهد سلجوق بن طغرل حتّى هذه اللحظة أي طوال تسعة قرون مازال يدرّس حتّى الآن في المناهج العربيّة، ومازالت تلك المسلسلات العربيّة التي صوّرت مظالم العثمانيين في أذهان الشعوب السوريّة، ومازالت مظالم أتارتورك والدولة التركيّة الحديثة التي اقتطعت جزءاً من الأراضي السوريّة وضمّتها بكلّ أريحيّة إلى حضارة الغباء حاضرةٌ، لكنّ الذهنيّة الاستعلائيّة التي ترى الكرد لا شيئاً، تجعلهم يتنازلون لجلّادهم التاريخيّ وتجميل صورته والدعاية والترويج له، حتّى يغدر بهم في مسلسل التعامل مع إسرائيل.
وسيعود العويل العربيّ مجدّداً إلى الساحة بعد الهزيمة الفكريّة والذهنيّة التي وصلت إلى قرار بعد قيام (الثورة – الفرصة) أنّ المخلّص هو التركيّ ذو الوجه الملائكيّ، سيخلّص الشعوب العربيّة من هيمنة المستبدّين الذي يخرجون من نفس الذهنيّة الإقصائيّة التي تدّعي أنّها تثور، وكما يقال: إنّ فاقد الشيء لا يعطيه، هذا العويل العربيّ الذي بدأ يلبس كلّ فترة لبوساً، وصار ينعت كلّ حادثة ألمّت به باسم من أسماء الفاجعة، من نكبة 48 إلى نكسة 67 إلى فاجعة الاستبداد، وقطار الآلام يتجدّد في الذهنيّة العربيّة القومويّة التي لم تستطع أن تصل إلى حلّ ألا وهو؛ (القومويّة – الأزمة)، فهنا يكمن جوهر المشكلة لا محالة.
نعود ونكرّر الواجب الملقى على المفكّرين العرب في تغيير الذهنيّة؛ ذهنيّة الغالب والمغلوب، ذهنيّة الهزيمة، ذهنيّة الإقصاء، ذهنيّة الركوع للسلطان العثمانيّ أو كسرى... وكلّ هذا في سبيل اللاشيء الكردي الذي أصبح كلّ شيء ويجب إعادته إلى حظيرة اللاشيء بمنظورهم، وهنا يكمن عقم الحلّ لدى هذه الذهنيّة التي ستصبح أقوى وأقوى من خلال التلاحم بين الذهنيّات الحضاريّة في الشمال السوريّ الذي أصبح محور ومركز تغيير الشرق الأوسط، وليس تغيير وجه سوريا الدولة المركزيّة الأحاديّة فحسب، ولا نبالغ إن قلنا: إنّ الشمال السوريّ هو منطلق لتغيير الشرق الأوسط، فقد بات واضحاً للعيان مدى ثقل الحرب التي تجري في الشمال السوريّ ومن الثقل التركيّ الذي يريد أن يقف عائقاً أم ثورة الشعوب.
لا يمكن أن ننادي أولئك المثقّفين العرب الذين هربوا من واجباتهم تجاه المجتمع الذي هو مسؤوليتهم، ولا يمكن الاعتماد عليهم في تغيير هذه الذهنيّة القومويّة العروبيّة، فكأنّك تنفخ في قُربة مخروقة، لكنّ الأمل وكلّ الأمل في أولئك الثورويين في روج آفا من مقاتلين في ساحات المعارك ومقاتلين بسيف القلم والمجتمع من عرب وكرد وتركمان وأشور وجركس...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسائل إعلام إسرائيلية تتناول مخاوف نتنياهو من الاعتقال والحر


.. تونس.. مظاهرة في مدينة العامرة تدعو لاجلاء المهاجرين غير الن




.. إخلاء مركز للمهاجرين في تونس ومظاهرة لترحيلهم ورفض توطينهم


.. الأمم المتحدة: دارفور معرضة لخطر المجاعة والموت




.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بإبرام صفقة تبادل فورية