الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعتراف للغير والاعتراف بالغير : تأويل جينيالوجي

تفروت لحسن

2016 / 7 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عادة ما يعتمد لفظ " الاعتراف " كمكافئ دلالي يترجم مفهومين في اللغة الأصلية هما : " la confession " و " la reconnaissance ". ورغم مقابلة حد عربي واحد بحدين فرنسيين، فإن الاختلاف في الدلالة بين بالمعنى الأوسع. لهذا تقترح " الاعتراف للغير " كمقابل ل" la confession " ، والاعتراف بالغير كترجمة ل" la reconnaissance ". فالأول يحيل إلى الاعتراف بشيء، ليس بصيغة الإطلاق، ولكن بمعنى التعلق، أي الإقرار بشيء للغير سواء كان الغير الغائب أو غير العالم الشاهد، طوعا أو كرها. وهو غير معنى الحد الثاني الذي يفيد الدخول في علاقة الغيرية، حتى لو كان اعتراف الإنسان بنفسه.
استناد إلى هذا التمييز تحتكم هذه المحاولة. فمقصدنا هو استثمار الوسيلة الهرمينوطيقية ( التأويل ) و الخدمة الجينيالوجية ( التشكل التاريخي لأصل المفاهيم ) في الكشف عن مفهوم الاعتراف بحديه في التداول العربي، والنظر في وجوه إعماله في بعض السياقات العالمة والعادية.
هذه المقاربة تكشف لنا، ومن أول نظر، أن مفهوم " الاعتبار"يتصف بخاصية التجوال؛ فهو يرحل من سجل إلى آخر. إنه اصطلاح ممتد ومستعرض، فهو مشترك بين عدة حقول ومجالات معرفية. بل يمكن أن يساعد في ملامسة الكثير من القضايا الوجودية وحتى العنكبوتية منها.
لكن جينيالوجيا " الاعتراف " تصدمنا. فهي ترد أصل المفهوم إلى العالم السماوي، إلى مرحلة ما قبل تدحرج البشرية نحو الأرض. إنه من أقدم الألفاظ التي ورثها الإنسان، جلبها معه من هناك. ولهذا فإن النبش في النشأة والأصل يبين أن مشكلة الاعتراف هي سبب تعاسة الكائن البشري، بعد خروجه من الجنة. والقران يبين بالشواهد الموافقة للمنطوق وفي عدة مواقع وآيات كيف أن مشكلة " إبليس " مع الله تؤول إلى سلب الاعتراف، إلى عدم رغبة " إبليس " في الاعتراف ب " آدم ". هذا " اللاعتراف " يعود حسب القران إلى تكبر الشيطان وادعائه الأفضلية بالمقارنة مع آدم، خاصة من حيث مصدر الخلق ومادته. وطبعا كانت نتيجة هذا السلوك هو طرد الشيطان من الجنة. هذا الأخير الذي سينقل عدوى " عدم الاعتراف " إلى حواء و آدم. فقد ترتب عن وسوسته لهما العصيان للأمر الرباني بعدم الاقتراب من الشجرة. وهذا ما يجسد عدم اعتبار أمر الخالق، وبالتالي عدم الاعتراف بجلاله. وهذا واحد من بين أسباب النزول إلى العالم السفلي، عالم الأرض. هذا العالم الذي ستتكرر فيه معضلة " عدم الاعتراف " التي تشهد عليها واقعة هابيل وقابيل.
ويمكن أن تقف على تجدر " الاعتراف "، أيضا، من خلال قصص الأنبياء والرسل. فقد تواتر إلينا من خلال القران أن أغلب حالات الأنبياء والرسل راجعة إلى مسألة العلاقة مع قومهم، إلي جحود قومهم لدرجة التشكيك في رسالتهم وصدقهم... وهي العلافة التي تنفي الاعتراف بهم والتي تفسر نزول المعجزات كأدلة قطعية وملزمة للغير بالإقرار والاعتراف بهم.
وإذا تبين إذن، أن مفهوم " الاعتراف" يضرب بجذوره في الماضي الإنساني. وهذا دليل على أهميته، فإننا، في هذا القول، سنعيد النظر في تشعباته انطلاقا من سياقات استخدامه، بمعنيين؛ الاعتراف للغير والاعتراف بالغير. كل ذلك بغرض رصد المفهوم وتتبع رحلاته عبر راهن الإنسان هنا و الآن.
1 – الاعتراف للغير :
نظرة على الزمن الراهن، عندنا وعند الغير، تميط اللثام عن العديد من الصور المتضمنة لمشكلة الاعتراف. فتسارع الأحداث العالمية والمحلية بومىء بذلك. فالاقتتال العلني والخفي، والنبذ الاجتماعي بمختلف مراتبه، و ألوانه، و دينامية الجماعات البشرية، الصغرى والكبرى، النظامية والتلقائية، تشهد على أزمة الاعتراف. وكيفما كانت المبررات ومرجعياتها، دينية أو عقدية أو سياسية ... ، فإن الواقع اليومي يكشف هذه الظاهرة، والتي تكرر نفسها على امتداد التاريخ البشري. وما عشناه، ومازلنا، من أحداث بالأمس القريب بمناطق مختلفة من المغرب يوقظ في الناظر التوقف على بعض ملامح الغيرية والتسامح والتعصب وعدم الاعتراف للغير وبه. ويمكن استقراء بعض السمات المشتركة من هذه الوقائع كما يلي :
1 - الاعتراف للغير : يمكن أن يعتبر الشكل الأسبق تاريخيا للمفهوم، فهو يحيل في أول انعكاس دلالي إلى البعد الديني، خاصة المسيحي. وهو ما حينه البعض اليوم بلغة " كرسي الاعتراف ". وفي هذا المستوى يتم الإقرار بالخطيئة و الاقتناع بالذنب. وهذا ما يدعو إلى البحث عن الوسيط من أجل الاعتراف، هذا الاعتراف الذي يلزم من صاحبه تقديم القربان والهدايا للقس، للكاهن حتى يقوم بالتدخل عند الرب سعيا للمغفرة. ومثل هذا الأسلوب هو يمكن أن يصل إلى صكوك الغفران. هذه الممارسات التي سببت للكنيسة عدة انتقادات حادة وصلت إلى درجة الطلاق اللارجعي ليعوضه التنوير.
صحيح أن الإسلام براء من هذا الاعتراف بالتوسط، لان العلاقة مباشرة بين الخالق المخلوق. لكن بجد عند المسلمين ما يقوم مقام الاعتراف وهو التوبة، التوبة النصوح. وهي التي تحل لاحقا بعد أن يعترف الخطاء بذنبه داخليا،بشكل فردي وسري، ويلتزم باتباع السبيل المستقيم، فخير الخطاءين التوابون كما هو مشهور.
قد يتجاوز هدا الشكل الاعترافي حالات التدين ليشمل مجالات الأدب والفلسفة. فالاعترافات لروسو أو القديس أوغستين، والسيرة الذاتية أو الفكري، وتدوين الذاكرة والقصة والرواية والعبرات كلها تصنف كأصناف من الاعترافات، وإن درحة المكاشفة فبها غير متطابقة.
وإذا كانت هذه الأصناف معلومة تاريخيا، فإن الحياة العادية تضمر من الاختلاف أصنافا شتى، و من عدم الاعتراف طيفا من الألوان. وهذا نقف على أمثلته في الحالات التالية :
- الاعتراف الطوعي : وهو أن يلجأ الشخص إلى الإقرار بوقائع ماضية تعتبر شواهد تختلف حجيتها حسب مجالات إعمالها. فمع الأطفال نلجأ إلى الحيل والترغيب للحصول على اعتراف. وهو الأسلوب نفسه المعتمد في مجال التحقيقات القضائية والبوليسية، حيث يطلب من المتهم تقديم اعترافاته بخصوص موضوع ما بطريقة سلسة. والمغاربة يستخدمون لفظ " كر "- ثلاث نقط فوق الكاف " في هذا الصنف من الاعتراف للغير.
- الاعتراف القسري : وهو الذي يتم فيه انتزاع الاعتراف باستخدام أساليب الترهيب. ففي الحالات التي يرفض فيها المتهم النوع المرن من الاعتراف، يتم اللجوء إلى القوة. لدرجة يعترف فيها الشخص مواقع لم يشهدها، فيكون الحاصل هو الاعتراف التلفيقي. ويشهد تاريخ محاكم التفتيش وأبو غريب ودهاليز درب مولاي الشريف و تازممارت... على هذا النوع.
- الاعتراف التقويمي : ومنه الاعتراف بالنجاح، و الاعتراف بالعمل وبجودة المنتوج، حتى في وجبات المطبخ، وعبارات المدح والتشجيع هي العملة المتداولة بهذه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم المعارضة والانتقادات.. لأول مرة لندن ترحّل طالب لجوء إلى


.. مفاوضات اللحظات الأخيرة بين إسرائيل وحماس.. الضغوط تتزايد عل




.. استقبال لاجئي قطاع غزة في أميركا.. من هم المستفيدون؟


.. أميركا.. الجامعات تبدأ التفاوض مع المحتجين المؤيدين للفلسطين




.. هيرتسي هاليفي: قواتنا تجهز لهجوم في الجبهة الشمالية